تحول الانهيار المدوي والخروج الكبير لعمالقة الغرب الأفريقي ومنتخبات الصف الأول في القارة السمراء مبكراً من منافسات بطولة كأس أمم أفريقيا لكرة القدم إلى قضية رأي عام تسيطر على الاهتمام الأكبر بين الجماهير الأفريقية.
وشهدت بطولة كأس أمم أفريقيا المُقامة حالياً في الكاميرون صدمة تمثلت في خروج 3 منتخبات كبيرة بشكل مبكر من البطولة، وهي (بالترتيب) غانا من الدور الأول، ونيجيريا وساحل العاج من الدور ثُمن النهائي، وهي منتخبات حصدت اللقب القاري مجتمعة 9 مرات من إجمالي 32 نُسخة سابقة في رحلة "الكان" منذ ظهورها عام 1957، بخلاف امتلاكها لاعبين تصل قيمتهم التسويقية مالياً لأكثر من 700 مليون يورو، وهي (بالترتيب) ساحل العاج: 300 مليون و400 ألف يورو، ونيجيريا: 287 مليوناً و150 ألف يورو، وغانا: 135 مليوناً و550 ألف يورو، وتضم لاعبين في قائمة أغلى اللاعبين.
ويعود الانهيار المدوي لقوى الغرب الأفريقي الكبير إلى الإدارة الفنية السيئة في المقام الأول ولجوء تلك المنتخبات إلى التعاقد مع مدربين أفلسوا تماماً أو لا يملكون الخبرات ترشيداً للنفقات تارة، أو للسيطرة الإدارية المطلوبة من جانب إدارات الاتحادات المحلية.
سوء الإدارة في نيجيريا
جاء خروج نيجيريا غير المتوقع نتيجة طبيعية لسوء الإدارة الذي تم التعامل به في استعدادات المنتخب النيجيري قبل البطولة، من إقالة الألماني غيرنوت روهر، صاحب البرونزية في 2019، والذي قاد منتخب "النسور الخضر" إلى مونديال 2018 وتم تعيين مدرب مؤقت بدلا منه، وهو إيغوافين، اللاعب الدولي القديم قليل الخبرات، رغم امتلاك نيجيريا أسماء أخرى سبق لها العمل في أمم أفريقيا كمدربين، مثل إيمانويل إيمونيكي، وفي الوقت نفسه تعاقدت نيجيريا مع مدرب أجنبي، هو جوزيه بيسيرو البرتغالي.
ولكن على بيسيرو أن يبدأ المشوار في الدور الثالث للتصفيات الأفريقية المؤهلة إلى كأس العالم، ليصبح مشاهداً بدلاً من استغلال البطولة في العمل مع اللاعبين والتعرف إلى قدراتهم. وفشل إيغوافين في السيطرة على لاعبي نيجيريا في ظل قلة خبراته بعد نهاية الدور الأول وتحقيق 3 انتصارات سهلة ووقع فريسة سهلة أمام منتخب تونس في الدور ثُمن النهائي وخسر بهدف دون رد رغم أن الترشيحات كلها كانت تصب لمصلحة "النسور الخضر"، بعدما ضربت إصابات فيروس "كورونا" لاعبي تونس بشكل درامي. والمُثير في الأمر أن القرار الأسهل في نيجيريا هو قبول استقالة إيغوافين الذي يعمل بشكل مؤقت وتنصيب بيسيرو بدلاً منه، ودون تعقيب مطلقاً على رفض لاعبين دوليين كبار المشاركة في البطولة، مثل فيكتور أوسمين هداف نابولي الإيطالي، وإيغالو هداف الشباب السعودي، وكلاهما قوة ضاربة كان المنتخب النيجيري في حاجة لها بالبطولة.
مدرب مؤقت في ساحل العاج
ومن أزمة "قلة الخبرة في نيجيريا" إلى "المدرب المتواضع" في ساحل العاج، فمنتخب "الأفيال" خاض البطولة تحت قيادة مدير فني فرنسي كانت أبرز بصماته التدريبية العمل مساعداً لهيرفي رينار المدير الفني الحالي للمنتخب السعودي داخل القارة السمراء، وهو باتريس بوميل، الذي فشل أكثر من مرة مع "الأفيال" دون أن يتم الاقتراب منه، وكان أبرزها فشله في الوصول إلى الدور الثالث من عمر تصفيات كأس العالم.
وفي خروجه أمام الكاميرون في الدور الثاني، ظهرت قلة خبراته وضعف قدراته الفنية. ولم يتعلم الاتحاد العاجي من تجربة 2015 الشهيرة عندما نجح في استعادة عرش القارة السمراء وحصد لقب بطل أمم أفريقيا وقتها من خلال التعاقد مع مدرب كبير صاحب خبرات بالكرة السمراء، هو هيرفي رينار.
رينار بنى فريقاً رائعاً نافس به على اللقب وحصد الكأس الثانية في تاريخ "الأفيال" واكتشف العديد من اللاعبين الواعدين في ذلك الوقت. وفشلت ساحل العاج في تخطي الدور ثُمن النهائي وسقطت أمام منتخب مصر (5 – 4) بركلات الترجيح، ولم تحصد سوى انتصار كبير على الجزائر ( 3-1) في الدور الأول سببه الأساسي تراجع مستوى "محاربي الصحراء" وحالة سوء التوفيق التي لازمت بطل نُسخة 2019 في المباريات في الدور الأول، فيما فازت أيضاً بصعوبة كبيرة على غينيا الاستوائية وتعادلت مع سيراليون في المجموعة الخامسة، وهو ما يعبر عن تراجع لافت لـ"الأفيال" كروياً يحتاج إلى تغييرات شاملة في المنظومة الإدارية.
غانا الضحية الأكبر
من نيجيريا وساحل العاج إلى الضحية الأكبر وهو منتخب غانا بطل القارة السمراء 4 مرات، وأول الكبار الذين ودعوا المنافسات بشكل درامي، بعدما حصد نقطة واحدة من 3 جولات وخسر أمام جزر القُمر (3 – 2) وقبلها أمام المغرب بهدف نظيف في المجموعة الثالثة.
وأزمة غانا تنحصر في التعاقد مع مدرب "أفلس كروياً" وتقدم به السن وراهن عليه في كتابة تاريخ مر عليه 12 عاماً كاملة، رغم فشله في نهاية المطاف في تحقيق الحلم الأكبر وهو الفوز في أمم أفريقيا، هو ميلوفان، الذي تخطى الثامنة والثلاثين من عمره، والذي أصبح أول مدرب تتم إقالته بشكل عام بين مدربي البطولة.
ومنذ تعيينه ظهر ميلوفان غير قادر على السيطرة بشكل كبير على النجوم، وذهب لاستقدام أسماء خرجت تماماً عن دائرة التألق والتأثير في تشكيلة "البلاك ستارز"، مثل مبارك واكاسو ومينساه، بخلاف ما أثير عن ضعف شخصيته أمام الأخوين أندري وجوردون أيو صاحبي التأثير الكبير والتدخلات في التشكيلة، إلى جانب فشله في اكتشاف وجوه شابة واعدة من المحترفين في أوروبا خلال البطولة، يضاف إلى ذلك سوء إدارته الواضح للمباريات، ما أدى إلى سقوط غانا.
والمُثير في الأمر أن الاتحاد الغاني نفسه عجز عن تحقيق أحلام شعبه في إقناع لاعبه الواعد فيلكس جيان رأس الحربة الصاعد المحترف في صفوف روما الإيطالي، والذي كانت الجماهير تعوّل عليه الكثير ليكون خليفة الهداف الأسطوري السابق جيان أسامواه في اللعب مع المنتخب الغاني في البطولة، بعدما اختار اللاعب الاستمرار في صفوف فريق العاصمة الإيطالية، وتأجيل خطوة اللعب مع المنتخب الغاني في بطولة كبرى، بعد تحذيرات له في روما من إمكانية فقدان فرصة اللعب أساسياً مستقبلاً إذا شارك في النُسخة الكاميرونية المرفوضة أوروبياً.