هاجم قطاع من جماهير برشلونة المدير الرياضي للفريق أندوني زوبيزاريتا قبل بداية الموسم على ضوء بعض الصفقات التي لم يكونوا على اقتناع بها، ليخرج رئيس النادي جوزيب ماريا بارتوميو ويؤكد ثقته الكاملة في الرجل الذي نفى هو الآخر وجود أي نية لديه للرحيل عن منصبه.
بعدها انطلق الموسم وحقق برشلونة نتائج جيدة ولكنها كانت في نفس الوقت خادعة، حيث سقط في أول اختبار حقيقي أمام باريس سان جيرمان في دوري الأبطال وريال مدريد في الليجا ومن بعده سيلتا فيجو.
بعيدا عن أي أخطاء فنية ارتكبها المدير الفني للنادي الكتالوني لويس إنريكي وكل ما يثار بخصوص انخفاض مستوى الأرجنتيني ليونيل ميسي أو تقدم سن محركي وسط الفريق أندريس إنييستا وتشافي هيرناندز، فإنه وبالنظر إلى ما حدث في سوق الانتقالات الأخير، فإن الواقع الذي ربما ينتظر البرسا في نهاية الموسم ربما يكون أسوأ.
الفشل في الشراء
مع ختام الموسم الماضي الذي اصطبغت نهايته باللون الأسود بالنسبة لمحبي الفريق الكتالوني، كان الكل يتطلع لسوق انتقالات قوي لسد أوجه العجز في الفريق، ولكن زوبيزاريتا فشل وبجدارة في اتمام صفقات مع الخيارات الأولى التي كانت في القائمة المطلوبة، باستثناء صفقة الأوروجوائي لويس سواريز التي على الرغم من قوتها، جاءت مصحوبة بإيقاف اللاعب بسبب واقعة العض الشهيرة في كأس العالم للمدافع الإيطالي جورجيو كيليني، ليتأخر أول ظهور رسمي له مع الفريق إلى الكلاسيكو في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
في حراسة المرمى كانت الخيارات الأولى تتمثل في البلجيكي تيبو كورتوا والإسباني بيبي رينا، تحقيقاً لمعادلة الخبرة والشباب المطلوبة في هذا المركز، ولكن زوبيزاريتا لم ينجح في إتمام الأمر وجاء الاختيار على الألماني مارك أندريه تير شتيجن والتشيلي كلاوديو برافو، وبدون تقليل قيمة أي منهما فإن حارس تشيلسي الإنجليزي الحالي الذي فشل "زوبي" في ضمه هو الأفضل.
عانى البرسا كثيراً في خطوطه الخلفية وكان لا بد من أن يرممها بعد اعتزال كارليس بويول وتراجع مستوى بيكيه وعدم جاهزية بارترا، ومرة أخرى لا ينجح زوبيزاريتا في الحصول على توقيع من الخيارات الأولى للنادي التي كانت متمثلة في الألماني ماتس هوملس والبرازيلي ماركينيوس أو مواطنه تياجو سيلفا، لتتفاجأ الجماهير بالتعاقد مع جيريمي ماتيو (31 عاماً) والبلجيكي المصاب توماس فيرمايلين الذي لم يشارك بالمناسبة في أي مباراة مع الفريق حتى الآن، اضافة إلى ضم البرازيلي دوجلاس في صفقة لم يجد لها الكثيرون تفسيراً واضحاً سوى أنها جاءت لتغطية الفشل في ضم الإكوادوري كوادرادو من فيورنتينا الإيطالي.
لم تختلف الأمور كثيراً في خط الوسط حيث كان الجميع يطالب بالتعاقد مع الواعد كوكي ريسوركسيون بل والألماني ماركو رويس، ولكن فشل زوبيزاريتا في المفاوضات دفع الدفة نحو التعاقد مع الكرواتي إيفان راكيتيتش، الذي لا يمكن التقليل من إمكانياته، وفي نفس الوقت لا يمكن إنكار عدم كونه الخيار الأول.
لم يحقق زوبيزاريتا قبل الموسم الجاري العلامة الكاملة خلال سوق الانتقالات مع القادمين الجدد، حيث أن أغلب الصفقات التي أبرمها كانت بمثابة الخيار الثاني وربما الثالث في القائمة، وقد يقول البعض أن السبب وراء هذا الأمر كان سببه الرغبة في الانتهاء من تدعيم الفريق أثناء فترة تجميد عقوبة حرمان النادي الكتالوني من إجراء صفقات جديدة على خلفية المخالفات التي يفترض أنه ارتكبها في تعاقدات مع لاعبين شباب بأكاديمية لا ماسيا، ولكن هذا لا ينفي واقع عدم تمكنه من إدارة السوق كما يجب.
الفشل في البيع
من أبسط قواعد البيع عدم التخلي عما تملك مقابل مبلغ أقل مما دفعته في شرائه، خاصة إذا كان بحالة جيدة وربما مثالية.. هذا المبدأ التجاري البسيط الذي لا يحتاج خبير اقتصادي لتفهمه بل رجل الشارع العادي قادر على هضمه، ولكنه غاب عن زوبيزاريتا خلال سوق الانتقالات الصيفية.
المدير الرياضي بنفسه كان هو مهندس صفقة عودة سيسك فابريجاس ابن النادي الكتالوني المنتظرة من أرسنال الإنجليزي في 2011 حيث دفع برشلونة حينها 38 مليون يورو لضم اللاعب من أرسنال الإنجليزي، ولكنه أيضا كان الرجل الذي وافق على رحيل نفس اللاعب بعدها بثلاث سنوات نحو تشيلسي بمبلغ أقل تحديداً 33 مليون يورو، على الرغم من أن اللاعب الإسباني لم يكن سيئاً بالمرّة.
الأمر الذي يدفع للسخرية أن هذا اللاعب الذي فرط فيه زوبيزاريتا مقابل 33 مليون يورو، والاعتراض هنا ليس على مبدأ التفريط في حد ذاته في ظل رغبة اللاعب في الرحيل وعدم اتفاق وجهات النظر، يقدم في الوقت الحالي مع الـ"بلوز" مستوى متميزاً للغاية يؤكد أن برشلونة خسر مادياً في هذه الصفقة لأن قيمة سيسك أكبر من هذا المبلغ.
نفس الحالة تنطبق على التشيلي اليكسيس سانشيز الذي اشتراه برشلونة أيضا في 2011 من أودينيزي الإيطالي مقابل 43 مليون يورو بمباركة من زوبيزاريتا الذي وافق قبل بداية الموسم الجاري وبكل أريحية على بيعه لأرسنال في صفقة قدرت قيمتها بحوالي 37 مليون يورو، أي أن النادي خسر ستة ملايين يورو في لاعب بحجم وقيمة سانشيز، الذي يلعب هو الآخر بصورة رائعة مع الـ"جانرز" هذا الموسم.
سياسة الأوراق المكشوفة
"لا تكشف أوراقك لخصمك".. مبدأ يعرفه الجميع وبالأخص في عالم التجارة، ولكن أن تكون مسؤولاً عن تعاقدات نادي بحجم برشلونة بدأت أوجه القصور تظهر في فريقه منذ عام 2012 على صعيد الدفاع والظهيرين مع تقدم سن نجوم وسط الفريق وهم عصبه الأساسي دون أن تعمل على ترميم الأمور تدريجياً، فهذا ينم عن قصور في الرؤية.
لن يجرى الحديث هنا عن صفقات فاشلة سابقه أبرمها زوبيزاريتا مثل ألكسندر سونج أو أخرى شابتها الكثير من الشبهات مثل نيمار، لأنها لا تخص سوق الانتقالات الأخير وهو عصب الموضوع، فما الذي حدث؟
تأخير العمل على ترميم نقاط الضعف أدى لتراكمها كلها مرة واحدة، خاصة بعد عقوبة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بخصوص التعاقدات، لذا كان زوبيزاريتا يسعى لإنهاء أكبر قدر ممكن من" الإصلاحات المفترضة" في قوام الفريق قبل فوات الأوان، ولكنه كان في نفس الوقت يلعب بـ"أوراق مكشوفة"، فكل الأندية كانت تعلم ما الذي يحتاجه برشلونة ولعبت على هذا الأمر.
وجد زوبيزاريتا نفسه عاجزاً عن إبرام صفقات مع الخيارات الأولى في القائمة، من أين سيأتي بخمسين مليون يورو لضم ماركينيوس أو أربعين ملايين يورو لضم كوادرادو أو وقت لإقناع كوكي بالانضمام للكتيبة الكتالونية؟ لذا لم يجد مفراً من اللجوء للخيارات الثانية والثالثة في القائمة، ولكن مهلاً.. بقية الأندية ليست غبية وكانت تدرك الوضع المتأزم، لذا وجد برشلونة نفسه مجبراً على دفع 20 مليون يورو في مدافع عمره 30 عاماً اسمه جيريمي ماتيو قادماً فالنسيا أو 10 ملايين يورو بجانب أربعة ملايين أخرى في صورة متغيرات لضم فيرمايلين المصاب من أرسنال.
الأرقام لا تكذب
أنهى زوبيزاريتا موسم الانتقالات الصيفية مع برشلونة بإبرام سبع صفقات شراء( تير شتيجن وبرافو وسواريز وراكيتيتش وماتيو وفيرمايلين ودوجلاس) وأربع صفقات بيع (فابريجاس وأليكسيس وبويان ودوس سانتوس وخمس إعارات لأندية أخرى (تيو وأفيلاي وسونج ودينيس سواريز وديولوفيو) وتصعيد واحد بعقد جديد للحارس (جوردي ماسيب).
دفع برشلونة في صفقاته السبع 157 مليون يورو، مع العلم بأنها لا تضم سوى لاعب فقط من الصفوة وهو المهاجم الأوروجوائي لويس سواريز، وحصل زوبيزاريتا من صفقات البيع الأربع للنادي على 79 مليون يورو تقريباً، على الرغم من نصف هذه الصفقات تتعلق بلاعبين من الطراز الأول هما التشيلي أليكسيس سانشيز والإسباني سيسك فابريجاس.. الأرقام لا تكذب.
وتضمنت إدارة زوبيزاريتا لسوق الانتقالات واحداً من أعجب القرارات التي ربما تعكس عجزه أو غياب التنسيق مع الجهاز الفني عودة ديولوفيو للبرسا من إيفرتون وعدم الموافقة على بيعه بصورة نهائية للنادي الإنجليزي الذي كان يقدم معه مستوى طيباً ومن بعدها أعارته بصورة مفاجئة لإشبيلية، بعد كل ما أثير عن أنه سيكون أحد أعمدة مشروع الفريق الكتالوني هذا الموسم.