مونديال إيطاليا 1990 كان بالنسبة إليّ أول موعد مع تغطية كأس العالم في أيامي الأولى مع التلفزيون الجزائري الذي شهد بداياتي مع العمل الصحافي، بل كان فأل خير عليّ، لأنه تم تثبيتي كموظف دائم بعد أسبوع من انطلاقته، وسنة كاملة منذ انضمامي إليه كمتعاون، مباشرة بعد تخرّجي من معهد العلوم الإعلامية والسياسية في الجزائر. لذلك لا يمكنني أن أنسى تفاصيل تلك الأيام التي جاءت ثلاثة أشهر فقط بعد مشاركتي كصحافي ومعلّق في تغطية نهائيات كأس أمم افريقيا في الجزائر شهر مارس/آذار من نفس السنة، والتي توج بها المنتخب الجزائري بطلاً لأول مرة في التاريخ.
كانت محطة مهمة في مشواري المهني، فتحت لي أبواباً ونوافذ وطريقاً نحو ممارسة مهنة عشقتها ولا زلت، أحتفظ فيها بذكريات حلوة ومرّة، لكنها جميلة ومثيرة صنعت مني رجلاً، قبل أن أكون صحافياً، معلّقاً ومذيعاً لبرامج مختلفة على مدى 20 سنة في التلفزيون الجزائري، مدرستي الأولى.
كان القسم الرياضي للتلفزيون الجزائري يضم في صفوفه خيرة المذيعين والمعلّقين الذين يفوقونني سنّاً وتجربة وخبرة في تغطية الأحداث الرياضية الكبرى، لكن لأنني كنت متعاوناً آنذاك، لم يكن بإمكاني التنقل إلى إيطاليا رفقة زملائي الأربعة الذين كُلفوا بمهمة التعليق على المباريات من الملاعب الإيطالية، لذلك لم أتأثر ولم أحزن، بل كانت الفرصة مواتية لكي أقترح على الإدارة تقديم فقرات يومية حول المباريات المنقولة مباشرة، أتناول فيها هوامش المونديال، وعرضت فيها ملخصات المباريات وتصريحات المدربين واللاعبين والصور الهامشية التي كانت تصلنا عن طريق وكالات الأنباء العالمية، فكانت المناسبة فرصة كبيرة بالنسبة إلي حتى أطلّ على الجمهور، وأستعرض قدراتي في التعامل مع حدث عالمي، وجمهور قياسي اكتشفني لأول مرة بشكل أكبر مما كان عليه الحال في نهائيات كأس أمم أفريقيا لنفس السنة.
بعد أسبوع من بداية المونديال في 8 يونيو/حزيران، طلبني مدير الأخبار إلى مكتبه آنذاك يحفزني ويشكرني ويعلِمني بقراره توظيفي وتثبيتي في منصب مذيع ومعلّق في 15 يونيو 1990، مما منحني ثقة كبيرة في النفس، ودفعني إلى بذل المزيد من الجهد، لدرجة أنني لم أنم طيلة شهر المونديال سوى قليل.
وبدأت ردود الفعل الجماهيرية والإعلامية الجيدة تتهاطل على إدارة التلفزيون، وصار الجميع ينتظر إطلالاتي قبل المباريات، بين الشوطين وعند نهايتها، ليعيشوا معي الحدث في زمن البث الأرضي للقنوات التلفزيونية الذي لم تكن فيه قنوات فضائية ولا متخصصة في الرياضة، لكن مع ذلك كان بث التلفزيون الجزائري، يصل إلى الأراضي التونسية والمغربية والليبية التي بدأت تتعرف على وجه تلفزيوني جديد، ونمط جديد في التعامل مع الأحداث الرياضية الكبرى.
بعد انتهاء مباريات الدور الأول اقترحت برامج تحليلية، إضافة إلى الفقرات التي كنت أقدمها حول المباريات. وبعد انتهاء المونديال قمت بإعداد برنامج من حلقتين استرجعت فيه مع المشاهدين أهم الصور والمحطات التي ميزت مونديال إيطاليا، وصنع فيها دييغو أرماندو مارادونا الحدث بدموعه التي سالت يوم خسارته النهائي أمام الألمان، فارتبط اسمي كذلك بالتقارير التي أنجزتها حول النجم الأرجنتيني الذي كان آنذاك ينشط في فريق نابولي، الذي انقسمت جماهيره بين تشجيع إيطاليا ومساندة ابنها المدلل الذي كان صانع الحدث حتى في خسارته للقب، وكنت صانع الحدث في استوديوهات التلفزيون الجزائري من دون أن أعلّق على مباراة واحدة، لأنّ ذلك كان من عين المكان من طرف زملائي.
مونديال إيطاليا فتح لي أبواب نجومية سريعة في زمن القناة التلفزيونية الوحيدة، فطلبني مدير الأخبار مجدداً ليطلب مني تقديم مقترح لبرنامج تلفزيوني أسبوعي يهتم بالكرة العالمية، أسميته "ملاعب العالم"، توليت تقديمه لما يقارب العقدين من الزمن، تخللته تغطيات أخرى لنهائيات كأس العالم مع التلفزيون الجزائري كمعلق هذه المرة في نهائيات 94 و98 و2002 و2006، قبل أن أخوض تجربة الجزيرة الرياضية و"بي إن سبورتس" ونهائيات كأس العالم في جنوب أفريقيا، والبرازيل، وروسيا، في انتظار كأس العالم قطر 2022 بإذن الله.