رغم الأزمات الطاحنة التي ضربت العالم في جميع المجالات وتحديداً كرة القدم بسبب تفشي فيروس كورونا، إلا أن هناك نماذج قررت تحدي هذه الصعاب وإعادة حفر أسمائها بأحرف من ذهب، والحديث هنا عن عملاقين في قارتيهما وهما بايرن ميونخ الألماني والأهلي المصري.
لعل أبرز ما جاء في تتويج الفريقين التاريخيين، هو القواسم المشتركة التي شهدت عودتهما للوقوف على منصات التتويج في دوري الأبطال في أوروبا وأفريقيا، والمفارقة التي قلما تحدث في كرة القدم تتعلق بآخر تتويج لهما في البطولتين قبل سبع سنوات وتحديداً في عام 2013.
أمر آخر يجعل من توهج كل من العملاق البافاري وكبير القارة السمراء في عام 2020 أو بالأحرى عام كورونا ما يستحق الذكر، هو أن آخر مشاركة لهما في مونديال الأندية كانت على أرض عربية وتحديداً المغرب، كما أن نسخة العام الحالي التي تم تأجيلها لشهر شباط/فبراير 2021 بسبب تفشي الفيروس ستحتضنها أيضاً دولة عربية وهي قطر، التي استضافت أيضاً البطولة الماضية.
المستحيل ليس ألمانياً
خالف بايرن ميونخ كل التوقعات وعاد من بعيد ليهيمن على الأخضر واليابس داخل ألمانيا والقارة العجوز على حد سواء مكرراً الإنجاز الذي حققه في 2013، رغم البداية الكارثية للموسم وتحديداً في منافسات "البوندسليغا".
وبما أن "المستحيل ليس ألمانياً"، انطبق نفس الأمر على الكتيبة "البافارية" التي بدأت الموسم بشكل ولا أسوأ وبسلسلة من النتائج السلبية تحت قيادة المدرب الكرواتي نيكو كوفاتش، والتي أدت لتراجع الفريق إلى مركز متأخر في الترتيب، والابتعاد تدريجياً على المنافسة على اللقب، ليأتي القرار من إدارة النادي بضرورة التغيير، ووضعت ثقتها في مدرب الفريق الرديف هانس فليك، رغم تخوف كثيرين من عشاق النادي، لعدم وجود خبرة كافية للمدرب صاحب الـ55 سنة.
وفي الوقت الذي بدأت فيه النتائج في التحسن، واستفاق اللاعبون من حالة الغيبوبة التي انتابتهم في البداية، جاء فيروس كورونا ليضرب هذه الآمال وبقوة، وتتحول الأحلام في المنافسة على كل الألقاب الممكنة إلى كوابيس.
ولكن كعادته لا يعرف البايرن إلا طعم الألقاب، وظهر لاعبوه وكأنهم لم يبتعدوا يوماً عن المستطيل الأخضر، ليشقوا طريقهم نحو اللقب الثامن على التوالي والـ30 في تاريخه. ولم تكد تمر أيام حتى جمع الفريق الثنائية المحلية (الدوري والكأس) بعد أن اكتسح باير ليفركوزن في النهائي (4 – 2).
ثم جاء قرار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) باستئناف دوري الأبطال في شهر آب/أغسطس الماضي، ليكمل بايرن ميونخ ما بدأه قبل التوقف، ويكرر فوزه على تشيلسي الإنكليزي (4 – 1) في إياب ثمن النهائي، ويتأهل للدور ربع النهائي الذي أقيم للمرة الأولى في التاريخ من مباراة واحدة في العاصمة البرتغالية لشبونة وحتى النهائي بسبب ظروف تفشي الفيروس، ويضرب موعداً مع برشلونة الإسباني.
ظن الجميع أن مسيرة العملاق الألماني قد تتوقف على يد برشلونة، تكراراً لما حدث في آخر مواجهة جمعتهما في نسخة 2015، عندما تفوق الكتالونيون في نصف النهائي بإجمالي المواجهتين (5-3). إلا أن فريق المدرب هانس فليك ضرب وبقسوة، ولم يظهر لاعبوه أي رأفة بتاريخ "البلاوغرانا" العريق ليكبده أسوأ خسارة في تاريخه القاري بنتيجة (8-2)، ثم يكمل الطريق في المربع الذهبي على حساب أوليمبيك ليون الفرنسي، ثم في النهائي بهدف نظيف للفرنسي كينجسلي كومان أمام باريس سان جيرمان الفرنسي، ليضع النجمة القارية السادسة على قميصه.
استمرت مسيرة التألق البافارية وهذه المرة بلقب السوبر الأوروبي على حساب إشبيلية الإسباني، ليكمل الفريق خماسيته ويسدل الستار على الموسم الأصعب في تاريخه سواء بسبب الظروف التي بدأ بها الموسم، أو نتاجا لتوقف النشاط بسبب جائحة كورونا.
الأهلي زعيم أفريقيا
لم تختلف الصورة كثيراً داخل أروقة النادي المصري، فبعد بداية شابتها الشكوك بعد اختيار إدارة النادي الأحمر للسويسري الشاب رينيه فايلر لقيادة الفريق، نظراً لتطلعات الجماهير الكبيرة لاختيار اسم تدريبي كبير. إلا أن هذه المخاوف سرعان ما تحولت لثقة وطمأنينة بعد تتويج الفريق بلقب السوبر المحلي أمام الغريم التقليدي الزمالك، هذا بالإضافة للبداية القوية في بطولة الدوري وتحقيق الفريق لانتصار تلو الآخر وبأداء نال إشادة الجميع، حتى أن قطاره لم يتوقف سوى في المحطة الأولى من الدور الثاني أمام سموحة بتعادل إيجابي بهدف بعد 17 انتصاراً.
وعندما كان الفريق يقترب رويداً رويداً من لقبه المفضل في الدوري، وبات تتويجه مجرد مسألة وقت لا أكثر، كانت الأعين أيضاً على "الأميرة السمراء" التي ابتعدت عن ملكها المتوج لسبع سنوات بعد محاولتين فاشلتين في النهائي في 2017 و2018 أمام الوداد المغربي والترجي التونسي على الترتيب.
وبعد أن اجتاز الأهلي دور المجموعات في مركز الوصيف، بدا وكأن القدر أراد أن يتأجل حلم التتويج لعام آخر عندما أوقعت القرعة الفريق في مواجهة متكررة في دور الثمانية أمام ماميلودي صان داونز الجنوب أفريقي، الذي كان قد كبَد "الشياطين الحمر" الخسارة الكبرى في تاريخهم القاري بخماسية نظيفة في الموسم السابق وفي نفس الدور أيضاً.
ولكن الأهلي حقق الفوز وبلغ المربع الذهبي بإجمالي المباراتين (3-1)، قبل أن تصطدم الأحلام بعقبة جديدة وهي فيروس "كورونا"، وتوقف النشاط كما حدث في العالم بأسره.
ومع عودة النشاط، بدأ الفريق يعود تدريجياً لأجواء المنافسة ليتمكن في النهاية من التتويج رسميا بلقب الدوري الخامس على التوالي والـ42 في تاريخه مع مدربه فايلر الذي لم يكتب له إكمال مسيرته مع الفريق بسبب خلافات مع الإدارة حول مسألة تجديد العقد واستكمال ما تبقى من الموسم المؤجل بسبب فيروس كورونا.
كان الفريق في صراع مع الوقت لاختيار مدرب مناسب لتلك الفترة الحرجة، ليتم اختيار الجنوب أفريقي بيتسو موسيماني الذي يملك خبرة كبيرة في أفريقيا.
لم يخيب المدرب الأسمر، الذي تذوق طعم الفوز باللقب القاري من قبل مع صن داونز في عام 2016 على حساب الزمالك، ثقة الجماهير الحمراء فيه، واستطاع قيادة الفريق إلى نصف النهائي وإقصاء الوداد بإجمالي المواجهتين (5 – 1).
ثم جاءت اللحظة التاريخية غير المسبوقة في تاريخ المسابقة ومصر، عندما جمع النهائي الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام "نهائي القرن" بين أكبر فريقين في القارة وهما الأهلي والزمالك، ليفوز الأهلي بصعوبة (2 – 1) ويتوج للمرة التاسعة باللقب والأولى بعد غياب 7 سنوات.
وبعد أيام من التتويج القاري، اكتملت ملامح الموسم التاريخي بالتتويج بلقب كأس مصر بركلات الترجيح على طلائع الجيش بعد مباراة عصيبة، ليجمع الفريق ثلاثية (الدوري والكأس ودوري الأبطال) للمرة الأولى بعد غياب 14 عاما، والثالثة إجمالاً في تاريخه.
(إفي)