بين سؤال بيب وإجابة إنريكي.. ميسي هو القصة بأكملها

21 أكتوبر 2016
ميسي ساحر كل الفنيين (Getty)
+ الخط -
من الصعب أن تلعب أمامهم بـ 11، ومن المستحيل أن تتحداهم منقوصاً من لاعب. هذه هي الرسالة التي قالها بيب غوارديولا بعد الهزيمة الثقيلة أمام برشلونة بالأربعة، فالفيلسوف واجه الأمر بشجاعة خلال المؤتمر الصحافي، وأكد أن فريقه صنع فرصاً خطيرة، لكنه لا يزال بعيدا عن منافسة أباطرة هذه اللعبة، خصوصا عندما يقودهم نجم بقيمة ليونيل ميسي.


أما لويس إنريكي فاعترف بالإرهاق الشديد، لقد واجهوا منافساً شرساً يحترمونه كثيرا، ومن حسن حظهم أن هناك غوارديولا واحداً فقط في كرة القدم، هكذا قال اللوتشو في صحة صديق العمر، الذي صار خصما خلال السنوات الأخيرة.

المبادرة
راهن الفريقان على المبادرة الهجومية، مَن يحصل على الكرة هو الطرف صاحب الكلمة الأولى، لذلك حرص المدربان من البدايات على وضع الضغط في نصف ملعب الفريق الآخر. ومن أجل ذلك، لعب بيب من دون مهاجم صريح، بخطة قريبة من 4-5-0 التي تتحول إلى 4-4-2 أثناء محاولة تضييق الخناق على دفاعات برشلونة.

أما أصحاب الأرض فحافظوا على نفس تكتيكهم 4-3-3 الهجومي مع بعض التعديلات، بوضع ماسكيرانو في مركز الظهير الأيمن، وذلك للاستفادة من خلفيته القديمة كلاعب وسط، في التحول إلى ثلاثي الدفاع عند الحاجة، بعودة الأرجنتيني إلى جانب بيكيه وأومتيتي، وفتح الأطراف بلوكاس ديين وراكيتيتش أو إنيستا، أي وضع 5 لاعبين أمام مرمى تير شتيغن، لكسر مصيدة الضغط الغوارديولية.

وكانت المباراة على قدر كبير من التوازن خلال أول 52 دقيقة، بالتحديد قبل طرد الحارس كلاوديو برافو، لتتحول بعد ذلك إلى نسخة مغايرة تماما، بعودة السيتي إلى مناطقه واهتزاز شخصيته كثيرا بسبب نقص خبرة معظم لاعبي الفريق، وفقدانهم عدداً كبيراً من الكرات تحت الضغط. لكن قبل هذا المنعطف، كان ليونيل ميسي هو الحل كالعادة.

المصيدة
في تحليلها لقمة الشامبيونز ليغ، أفردت صحيفة "فور فور تو" صفحة خاصة للحديث عن طريقة ضغط مانشستر سيتي، بالرسم التكتيكي الأقرب إلى 4-4-2، عن طريق صعود سيلفا إلى جانب دي بروين، من أجل الضغط على قلبي الدفاع، وتحول الأجنحة إلى الخط لرقابة الظهيرين، وبالتالي تقل الخيارات كثيرا أمام الحارس تير شتيغن.

ومع تواجد رباعي من السيتي أمام رباعي دفاع برشلونة تأتي الزيادة العددية في المنتصف، إلا أن الفريق الضيف حل هذه المعضلة بعودة لاعب الجناح إلى الوسط في حالة بدأ الهجمة من الجهة الأخرى، بمعنى هجمة برشلونة على اليمين، يترك نوليتو مكانه على اليسار لرقابة أقرب لاعب وسط، وترك الظهير الأيسر للكتلان حرا، بالتالي مزج السيتي في ضغطه بين دفاع المنطقة ورقابة الرجل لرجل.

ونتيجة لهذه الاستراتيجية الجريئة، لعب تير شتيغن عدة تمريرات كبيرة طوال التسعين دقيقة، بسبب الرقابة الشديدة على خط دفاعه، واستلم بوسكيتس فقط 15 تمريرة قبل إبعاد برافو من المباراة. حتى ثلاثي الهجوم ميسي، سواريز، ونيمار ابتعدوا تماما عن التعاون المعتاد خلال الشوط الأول، ليُكملوا فقط 23 تمريرة فيما بينهم، والعهدة على الصحيفة الإنكليزية.

هذا لا يعني أن السيتي كان أفضل بمراحل، لكنه يؤكد أن البارسا أيضا لم يكن الأفضل على طول الخط، فقط كانت المباراة عبارة عن سجال حقيقي من الجانبين، تقدم ميسي بهدف مبكر وحاول الخصم التعديل، وكان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ذلك قبل نهاية الشوط الأول. الشيء المؤكد الوحيد في هذه الندية هو ليونيل ميسي.

الرقم 10
يستحق بيب أن يوضع تحت النقد في آخر نصف ساعة، صحيح أن خروج حارسه قضى تماما على خططه، ربما كان يمكنه الخروج بفارق هدفين إلى ثلاثة، لكن ضعف شخصية فريقه وقلة خبراته في هذه المواقف، كلها أمور حالت دون إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالدقائق الأخيرة. وبالعودة إلى أول 50 دقيقة، تتعاظم مرة أخرى قيمة ليو كفارق رئيسي بين برشلونة وأي فريق آخر.

يستطيع البارسا الفوز بدون ليو كما حدث خلال بدايات الموسم الماضي، لدرجة أن الفريق تقدم في البرنابيو على الريال بالثلاثة قبل إشراكه، لكن من الصعب جدا الوصول إلى أي لقب من دون الأرجنتيني، فالملك رقم 10 يعطي فريقه ثقلاً مضاعفاً داخل الملعب، ولا يوجد أي اسم آخر قريب من بريقه داخل الفريق، بل في كل الفرق الكبيرة بالقارة الأوروبية.

سجل ميسي 3 أهداف وحصل على ضربة جزاء بمجهود فردي يُحسب له، وبدلا من تسجيله للسوبر هاتريك، أعطى الكرة إلى زميله نيمار بكل هدوء، إنها الشخصية العملاقة التي تجعل برشلونة مرشحاً فوق العادة في مختلف البطولات الكبيرة. وحتى خلال الشوط الأول الذي شهد تكافؤاً حقيقيّاً بين الفريقين، أنهاه ميسي سريعا وبكل برود أمام مرمى الإنكليز.

حقبة ليو
أعادت مباراة برشلونة وسيتي الأذهان مرة أخرى إلى حديث الفيلسوف الأرجنتيني فالدانو، حينما قال إن هذه الحقبة خاصة بليونيل ميسي، لا بيب غوارديولا ولا لويس إنريكي. وتعتبر هذه المقولة واقعية إلى حد كبير، ولا تقلل أبدا من قيمة المدربين الكبيرين، لكنها تعطي الموهبة حقها، وتضاعف من أهمية النجم الكبير في الكرة الحديثة.

يأتي ميسي دائما باللا متوقع، فبعد ارتباط اللعبة بالأرقام والإحصاءات خلال السنوات الأخيرة، صار عدد الأهداف/ الأسيست هما الأساس لتقييم أي نجم، لكن كرة الأرجنتيني أعمق من ذلك بمراحل، حيث أنه يستطيع كسر ضغط الخصم بنقل الهجمة من مرحلة إلى أخرى، كما فعل أمام السيتي كلما استلم الكرة أسفل منطقة الوسط، ليقلب اللعب بظهره عن طريق تمريرة قطرية إلى الجهة المقابلة، أو المراوغة والاختراق كلقطة الهدف الأول.

ليونيل خارج أي تقييم، ليس لأنه يسجل أو يصنع كثيرا، فهذا الأمر يقوم به عدة نجوم وينافسه بشدة رونالدو في هذا الصعيد، لكن صانع أمجاد برشلونة تخطى هذه المرحلة ليؤثر بشكل جذري في كافة مراحل خطط فريقه، بالقيام بدور لاعب الوسط، وصانع اللعب، والجناح المقلوب، ورأس الحربة عند الحاجة، لتنتهي قمة بيب-لوتشو بعنوان واحد: عفواً ما زال هذا الزمن للملك رقم 10!