بوبو فييري.. رحالة كرة القدم (1)

11 مايو 2021
فييري كان يمتلك قدرات هجومية هائلة (Getty)
+ الخط -

التغيير غير مريح لمعظم الناس، وخاصة في عصر تتزايد فيه ندرة الموارد. إن مقاومة التغيير والتفكير في التحدي مهمة شاقة وليست فرصة أحياناً لإضافة فصل جديد في حياة المرء. نحن البشر مرتاحون أكثر للروتين.

في هذه المرحلة واللحظة الزمنية، ضع نفسك مكان شخص آخر، شخص يتوق إلى التغيير، شخص يشعر بالملل بسهولة من الروتين اليومي الدنيوي الذي يعجب معظمنا، هو يشبه البدو. في الأصل، كانت الحضارة البشرية بأكملها بدوية بطبيعتها، تجوّل أسلافنا من مكان إلى آخر، سواء كان ذلك بسبب نقص الموارد، أو بسبب الخطر الذي يحمله مكان ما، أو لمجرد استكشافه.

مع مرور الوقت استقروا، بنوا إمبراطوريات وزرعوا المحاصيل وعرفوا من أين سيأتي طعامهم في الغد، وأين ينامون في الليل. أصبح الروتين عادة، وأصبح التغيير مسعى يمكن تجنّبه.

السلوك البدوي والسمات هذه حاضرة في كلّ مكان، وحتى في عالم كرة القدم، خذ حالة نيكولاس أنيلكا الذي لعب لأكثر من 10 أندية في مسيرة امتدت لما يقرب عقدين.

عصر الوفاء، كذكر أسماء كارليس بويول وباولو مالديني وفرانشيسكو توتي ولّى تقريباً بغير رجعة، هذا الطابع الرومانسي لم يعد موجوداً. لكن في الماضي برز شخصٌ بطريقة مختلفة عن الآخرين، كان جلاداً يحب الترحال، ترك بصمته في الكرة الإيطالية، كان اسمه كريستيان فييري "بوبو".

السيرة الذاتية لفييري ترسم صورة رائعة. بعد أن سجل أكثر من 230 هدفاً في حوالى 480 مباراة، فاز فييري بالعديد من الألقاب التي تشمل الدوري الإيطالي وكأس إيطاليا وكأس الكؤوس الأوروبية وكأس السوبر الأوروبي. على المستوى الفردي، هو الهداف المشترك للأزوري في نهائيات كأس العالم، حيث سجل تسعة أهداف في العديد من المباريات في نسختين من البطولة.

ومع ذلك، لم يكن كلّ شيء سلساً بالنسبة إلى واحد من أعظم "بدو" كرة القدم. أدّت الإصابات المستمرة والتغييرات الإدارية إلى فشل فييري في محاولته للفوز بدوري الدرجة الأولى مع النادي الذي قضى معه معظم الوقت، أي إنتر. كذلك فإنه منع العالم من رؤية ثنائي أحلام محتمل في شكله إلى جانب الظاهرة، عبارة تقشعر لها الأبدان.

أوقفت إصابة خطيرة في الركبة أحلام فييري بأن يكون جزءاً من الفريق الإيطالي المتوج بكأس العالم 2006، ووقف بوبو مكتوف اليدين، ضمّد جروحه وترك عقله يتجول في ما كان يمكن أن يكون، لو حضر في ألمانيا.

من السهل أن نتذكر حقيقة أن فييري أنهى المركز الثاني أكثر من تحقيق المركز الأول، لكن الأهم من ذلك أن نتذكر بوبو لما كان عليه حقاً، فهو مهاجم قاتل لديه غريزة لتسجيل الأهداف في أي عصر كان، رغم أنه عاش في حقبة ذهبية للكرة الإيطالية.

بينما كانت عائلة مالديني إيطالية بامتياز مثل أسرة فيتو كورليوني في رواية العراب لماريو بوزو، كانت بدايات فييري مختلفة تماماً. هو يستحق أن يذكر اسمه إلى جانب جنرالات ملوك كرة القدم. في ذروته، لم يكن فييري واحداً من أكثر المهاجمين المطلوبين في العالم فحسب، بل كان يمثل تهديداً على اسم يظن نفسه من الصفوة.

وُلد في إيطاليا عام 1973، كان والد فييري لاعب كرة قدم محترفاً أيضاً. ومع ذلك، أدّى الانتقال إلى أستراليا في السبعينيات إلى تغيير نظرته المبكرة للحياة. لم يكن بيليه ومارادونا المثال الأعلى الذي نشأ بوبو على حبهما. لا تقلق إذا قلنا اسم آلان بوردر، قد لا يعرفه عشاق كرة القدم، لكنه كان أسطورة رياضية في حد ذاته، قائد المنتخب الأسترالي في الكريكيت.

أحب فييري لعبة الكريكيت بقدر ما أحب والده كرة القدم، ويمكن المرء أن يتخيل أنه كان من الممكن أن يكون هناك بعض الاضطراب في دماغ الشاب بمثل ذلك الموقف لاختيار ما يريده. لعب لنادي ماركوني ستاليون الأسترالي في سن الرابعة عشرة، ولكن بعد ذلك عادت عائلته إلى إيطاليا، وهكذا بدأت الحياة المختلفة، فكان الصبي ممزقاً بين رياضتين.

في مثل هذه السن المبكرة، تعلّم بالفعل كيفية التكيف مع التغيير وقبوله. تذوّق فييري الأول لكرة القدم الإيطالية المحترفة كان برفقة فريق أ سي سانتا لوسيا، ثم فريق براتو. كان في سنّ المراهقة المتأخرة في ذلك الوقت، ولم تمرّ موهبته مرور الكرام.

أصبح اسماً مهماً للنادي، ولعب معه في دوري الدرجة الثالثة، حيث سجل عدة أهداف في المباريات، وأثار إعجاب العديد من كشافة الدوري الإيطالي. قام تورينو بتحرك صوبه، لكن إدارة فريقه لم تكن مستعدة لبيعه، بعدما اعتبروه شاباً واعداً. لإقناع رئيس النادي ببيع المهاجم، كان على تورينو أيضاً شراء نجل الرئيس الذي كان حارس مرمى. لم يتجاوز ذلك الصبي سنوات المراهقة حتى الآن، لكن قصة فييري بالفعل كانت تشهد بداية رائعة.

فشل فييري في خلق انطباع جيد ودائم في تورينو، ما أدّى إلى فترة قصيرة في دوري الدرجة الأولى.

على عكس ميسي الذي سجل ثلاثية ضد ريال مدريد في ذات العمر تقريباً، أو ما يفعله إيرلينغ هالاند وكيليان مبابي حالياً، لم تكن بداية قصة "بوبو" تشبه الكتابات والأشعار الصقلية التي تغنّى بها شعراء التروبادور الأوائل، ظنّ البعض أنه سينتهي بسرعة، كان الفتى يعلم أنه سيكون في السنوات التالية شيئاً عظيماً في كرة القدم، البداية كانت بطيئة، لكنها مهدت في النهاية إلى طريق عابق بريح الانتصارات.

كان هذا الجزء الأول من قصة فييري مع عالم كرة القدم، سنعود إليكم بجزءٍ ثانٍ عن المرحلة التالية، عن حقبة رجل البدو الكروي.

المساهمون