استمع إلى الملخص
- أرجع بن عزيزة تراجع كرة اليد التونسية إلى غياب المصداقية والأخلاقيات في إدارة الاتحاد والأندية، حيث تتحكم المصالح الشخصية في اختيار المدربين واللاعبين، مما أثر على الروح الجماعية.
- انتقد بن عزيزة اختيار المدربين في المنتخب، مشيراً إلى تفضيل الاتحاد للمدربين الذين يخدمون مصالحهم، وأكد أن الأندية تتحمل جزءاً من المسؤولية بسبب ضعف الدوري المحلي.
أسف نجم منتخب تونس السابق والمدرب الحالي صبحي بن عزيزة (46 عاماً)، للنتائج السيئة لمنتخب بلاده في بطولة العالم لكرة اليد، المقامة حالياً في الدنمارك والنرويج وكرواتيا، التي شهدت تراجعاً هائلاً للتونسيين، الذين يملكون تاريخاً كبيراً في المسابقات الدولية والأفريقية.
وعلّق صاحب المركز الرابع مع منتخب تونس في مونديال 2005 على الهزيمة القاسية التي تعرض لها "نسور قرطاج" أمام سويسرا بنتيجة 26 مقابل 37، أول أمس الثلاثاء، في افتتاح منافسات الدور الرئيس، وذلك في حوار حصري لـ"العربي الجديد"، تحدث خلاله بكل جرأة عن الأسباب الحقيقية وراء انهيار المنتخب في هذا المونديال.
هل فاجأتك الخسارة ضد منتخب سويسرا؟
بن عزيزة: كلّا، لم تكن مفاجأة بالنسبة لي، منتخبنا أصبح مطمعاً للجميع، الهزيمة أمام سويسرا كانت منتظرة، وكذلك كنت أتوقع أن نخسر أمام إيطاليا في اللقاء الافتتاحي، وهذا ما حدث، نحن معرّضون للهزائم أمام كل المنتخبات، لأننا ابتعدنا كثيراً عن مستوى كرة اليد العالمية، ولم نعد قادرين على التتويج بلقب بطولة أفريقيا، أو حتى بلوغ المربع الذهبي، في المقابل وصلت مصر إلى القمة، وباتت قادرة على مقارعة الكبار، مثل كرواتيا وإسبانيا، بالنسبة لكرة اليد التونسية القادم سيكون أسوأ بكثير، لأن مستوانا الحالي لا يتجاوز الصعيد المحلي للأسف.
ما أسباب هذا التراجع الرهيب لكرة اليد التونسية بحسب رأيك؟
بن عزيزة: إذا أردنا التحدث عن واقع كرة اليد التونسية في السنوات الأخيرة، فربما سيحتاج الأمر إلى تدوين كُتب بأكملها، لقد رأيت العجب خلال التجارب التي عشتها، سواء بصفة لاعب أو مدرب، أو عندما دخلت غمار الانتخابات عضواً في إحدى القوائم، حينها اقتربت من طريقة تفكير المسؤولين الذين يديرون الاتحاد والأندية، وتأكدت أن المصداقية أصبحت مفقودة، لم تعد هناك أخلاقيات بين المدربين، إذ نرى أن بعضهم يهاجم البعض الآخر، اللاعبون يختارون المدرب الذي يناسبهم، والصداقات والمصالح الشخصية أصبحت تتحكم في اختيار المدربين أو قائمة اللاعبين، وهذا يحدث سواء في المنتخب أو في الأندية.
وهل انعكس هذا الواقع على منتخب تونس الأول؟
بن عزيزة: طبعاً لقد دق ناقوس الخطر منذ سنوات، ونحن لم نشعر بخطورة الأمر، تحديداً منذ أن طالب بعض اللاعبين بالحصول على الأموال من أجل المشاركة مع المنتخب، وقرروا الاعتزال دولياً، واشترطوا المستحقات، وأنا أعتبر أنهم تخلّوا عن خدمتهم الوطنية، لقد حصل ذلك في وقت سابق مع بعض اللاعبين، وهذه مسألة خطيرة وتدخل في إطار المساومة على قميص المنتخب، لم تعد هناك روح داخل الفريق، أصبح كل فرد يفكر في مصلحته الشخصية.
كيف يقيّم بن عزيزة طريقة اختيار المدربين في منتخب تونس طيلة السنوات الأخيرة؟
بن عزيزة: هناك بعض المدربين الذين كرّسوا الجهويات داخل المنتخب، كل منهم بحث فقط عن خدمة ناديه، وقام بدمج لاعبين ينتمون الى فريقه المفضّل، لقد أصبح المدير الفني للمنتخب يفكر فقط في مستقبله، كل المدربين الذين قادوا المنتخب الأول أو فرق الفئات السنية لا يملكون تاريخاً كبيراً، سواء بصفة لاعبين أو مدربين، تونس أغلقت الأبواب أمام الناجحين في لعبة كرة اليد وراهنت على الفاشلين، ربما مجاملةً لهم، أو خوفاً منهم ومن صفحات التواصل الاجتماعي، التي تهاجم المسؤولين وتفرض عليهم بعض الأسماء دون غيرها.
الاتحاد التونسي بات في مرمى انتقادات الجماهير.. ما تعليقك؟
بن عزيزة: الاتحاد التونسي لكرة اليد أصبح أداة لخدمة السياسة خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، وذلك بدءاً من رضا المناعي، الذي أعتبره أحد أبرز المسؤولين الذين دمّروا المنتخب، وصولاً إلى الرئيس الحالي كريم الهلالي، كل المسؤولين والرؤساء الذين تداولوا على إدارة الاتحاد لم يكرّسوا سوى التفرقة، لقد اختاروا التعامل فقط مع الأشخاص الذين يجاملونهم وأقصوا البقية، لقد حاربوا اللاعبين السابقين، مثل أنور بن عياد ووليد بن عمر، وساروا فقط في طريق المدربين الذين ينصاعون إلى أوامرهم، أو الذين يملكون صفحات "فيسبوكية" من شأنها أن تزعج المسؤولين.
هل تعتبر أنك تعرضت أيضاً إلى الاقصاء؟
بن عزيزة: فعلاً، كنت بصحبة أنور عياد في الجهاز الفني، مع المدرب الفرنسي السابق سيلفان نُواي، وكان لدينا مشروع كبير لتطوير كرة اليد التونسية، على غرار ما حدث في مصر، لكن الاتحاد قرر إقالة المدرب وأجهض تماماً مشروع "نواي"، الذي يهدف أساساً إلى تطوير المواهب الصاعدة وصناعة مدربين جدد من جيلنا التاريخي الحائز على المركز الرابع في مونديال 2005، ثم شاهد النتائج السيئة التي جنيناها في السنوات الموالية، لقد كانت كارثية، حيث احتللنا المركز الخامس في بطولة أفريقيا، وانهزمنا في الدور النهائي لنسخة 2019 ضد مصر على أرضنا بطريقة مسيئة، وأصبحنا عُرضة لهزائم ثقيلة أمام فرق ضعيفة رغم تاريخنا الكبير.
هل يتحمل المدرب محمد علي الصغير بمفرده المسؤولية؟
بن عزيزة: أنا أكنّ كل الاحترام لمحمد علي الصغير، لقد كان لاعباً مميزاً في الجيل الذي لَعبت فيه، وقائداً لمنتخب الشباب، لكنني تمنيت أن يسير بالتدرج، وأن يبدأ مسيرته التدريبية في المنتخب مساعداً، أو كان عليه أيضاً تعزيز الإطار الفني بنجم دولي سابق، مثل أنور عياد، الذي أثق كثيراً في إمكاناته التدريبية، وأعتقد أنه سيكون الأفضل في تونس خلال السنوات المقبلة، رغم أن الاتحاد حاربه ووضع له العديد من العراقيل، هناك أسماء أخرى مثل وليد بن عمر وحاتم بوصفّارة ومنير حسن، كل هؤلاء يستحقون الفرصة، وأعتقد أن الاتحاد التونسي كان عليه أن يكلّف لجنة فنية لاختيار المدرب الأنسب للمنتخب وفقاً لمعايير علمية ودقيقة، تتكون من أصحاب الخبرة، مثل المدرب الكبير السيد العياري.
لو كنت مكان محمد علي الصغير هل سترفض مهمة قيادة المنتخب؟
بن عزيزة: أعتقد أن تعيينه مديراً فنياً للمنتخب الأول هو هدية مفخّخة، قدمها له ابن مدينته المهدية، رئيس الاتحاد، كريم الهلالي، الهدف منها مسح الفشل في المدرب، لقد كان محمد علي الصغير يعمل في الخفاء، تحديداً في منتخبات الشباب والناشئين، أو في الأندية العربية، الآن أصبح تحت الأضواء وأعتقد أن الشارع الرياضي سيحمّله مسؤولية هذه الخيبة، طبعاً لو كنت مكانه وبمثل هذه المجموعة من اللاعبين، لرفضت المهمة دون شك.
ألا تعتقد أن الأندية التونسية تتحمل جزءاً من المسؤولية؟
بن عزيزة: المشاكل في الأندية كبيرة جدا، المسؤولية لم تعد في يد أبناء اللعبة، والدليل هو الضعف الكبير الذي أصبح عليه الدوري التونسي، اللاعبون لم يعد لديهم طموح للاحتراف في أوروبا، الكل يبحث عن الانتقال إلى الترجي أو إلى الدوريات العربية، لأن قيمة الأجور في هذه الأندية تفوق ما سيحصلون عليه في أوروبا، لقد اندثرت المعايير الصحيحة لاختيار اللاعبين في المنتخب، وهي نتيجة حتمية لاستراتيجية فاشلة تسبب بها مسؤولو الاتحاد التونسي في السنوات الأخيرة، مثل المناعي والهلالي ومراد المستيري ومعاذ بن زايد، لقد اهتموا بالحروب في ما بينهم ولم يخدموا كرة اليد التونسية.
كيف ترى مستقبل منتخب تونس في المرحلة المقبلة؟
بن عزيزة: للأسف، هذا الجيل من اللاعبين لا يمكن أن نبني عليه مستقبل المنتخب، رغم احترامي لهم جميعاً، يجب التفكير في الأجيال القادمة والمراهنة على الشباب، اللاعبون الحاليون مميزون في أنديتهم المحلية، لكنّ هذا غير كاف، فلَو نقارن مع مصر فسنجد أن كل عناصرهم يحترفون في أندية أوروبية، أما تونس فعدد محترفينا ضعيف جدا، وهذا ما يصنع فرقا شاسعا في المستوى الفني، وأنا أؤكد لكم أن تونس لن تستطيع الفوز أمام مصر في السنوات العشر المقبلة، أو حتى اللعب ضدها بندية، ربما الجزائر ستستطيع مقارعة مصر، أما تونس فمستحيل أن تعود سريعاً لمنافسة الفراعنة، صدقاً أخشى أن يأتي يوم لا نرى فيه المنتخب في بطولة العالم تماماً، وذلك في ظل غياب استراتيجية واضحة لتطوير اللعبة.