انحرافات نجوم الرياضة في مصر: أزمة أخلاق أم جنون شهرة؟
استمع إلى الملخص
- يرى الخبراء أن النجومية المبكرة والثراء المفاجئ قد يسببان صدمات نفسية، ويؤكدون على أهمية الدعم النفسي والاجتماعي، مع تنظيم محاضرات توعوية حول الاحتراف والثبات النفسي.
- يشدد الخبراء على ضرورة وجود قدوة إيجابية ومشروع ثقافي يعيد تقديم النماذج الجيدة، مع بناء منظومة قيم تحمي الشباب من السلوكيات المدمرة.
لا تتوقف أزمات نجوم كرة القدم المصرية عند حدود المنافسات داخل الملعب أو ملفات الإدارة والتخطيط، بل تمتد أحياناً إلى ساحات المحاكم وأقسام الشرطة، حيث وجدت بعض الأسماء اللامعة نفسها طرفاً في وقائع أثارت جدلاً واسعاً، وأعادت إلى الواجهة تساؤلات متجددة حول الضغوط التي قد يتعرض لها نجوم الرياضة، وحدود المسؤولية الأخلاقية والشخصية في عالم الشهرة والثروة.
وبرزت خلال الشهور الماضية قضية لاعب المنتخب المصري السابق علي غزال، بعدما تداولت وسائل إعلام مصرية صدور أحكام قضائية بحبسه ثلاث سنوات في عدد من القضايا، بينها النصب وخيانة الأمانة، على خلفية توقيعه إيصالات وشيكات ترتبط بوعود بإقامة مشروعات تجارية. ولفتت القضية الانتباه إلى هشاشة الوضع القانوني الذي قد يقع فيه بعض اللاعبين بعد اعتزالهم أو تراجع حضورهم الكروي، كما أعادت إلى الأذهان نمطاً معروفاً في الريف المصري باسم "المستريحين"، وهم أفراد يستغلون ثقة المواطنين لجمع الأموال.
وشغلت واقعة أخرى الرأي العام المصري، تعلقت باسم اللاعب الدولي رمضان صبحي، لاعب بيراميدز والنادي الأهلي السابق، بعد أن ألقت أجهزة الأمن القبض على شاب يؤدي الامتحانات نيابة عنه، مستخدماً بطاقة هوية مزوّرة. ورغم نفي اللاعب تورطه، إلا أن تداول الواقعة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أثار نقاشاً واسعاً حول إمكانية استغلال النفوذ أو الشهرة، ومدى التزام النجوم بالتزاماتهم التعليمية، لا سيما في ظل غياب بيانات رسمية قاطعة حتى الآن بشأن نتيجة التحقيقات.
في صيف 2023، أُثيرت قضية أخرى تتعلق بلاعب الزمالك وأحد أبرز نجوم منتخب مصر، أحمد فتوح، عقب وقوع حادث مروري على طريق العلمين الجديدة، أسفر عن وفاة أحد أفراد الشرطة. وتناولت تقارير إعلامية آنذاك معلومات عن توجيه تهمة القتل الخطأ للاعب، إضافة إلى القيادة تحت تأثير مادة يُشتبه في أن تكون مخدرة. وأشارت مصادر قانونية إلى صدور حكم بحبسه عاماً مع إيقاف التنفيذ، إلى جانب التصالح مع أسرة الضحية. ورغم غياب تفاصيل دقيقة عن ملابسات الواقعة في بيان رسمي شامل، فإن الحادثة أثارت جدلاً واسعاً حول ضغوط الحياة العامة التي قد يتعرض لها لاعب في أوج نجوميته.
وفي واقعة أخرى تعود إلى عام 2022، برز اسم إمام عاشور، لاعب وسط الأهلي ومنتخب مصر، في قضية مشاجرة وقعت داخل محل تجاري بينه وبين أحد رجال الأمن. وأفادت تقارير رسمية، بأن محكمة الجنح أصدرت حكماً بالحبس ستة أشهر بحقه، قبل أن تُغلق القضية بعد تصالح الطرفين. رغم ذلك، طُرحت تساؤلات عن الضوابط التي تنظم السلوك العام للاعبين خارج الملعب، ومدى تكرار مثل هذه الحوادث بين النجوم الشباب.
وتعود وقائع سابقة إلى الذاكرة، وهي تُبيّن أن الجدل حول السلوك الشخصي لبعض نجوم الرياضة في مصر ليس حديث العهد. ففي منتصف الثمانينيات، تعرض لاعب الأهلي السابق محمد عباس لتوقيف أمني بتهمة تعاطي المواد المخدرة والاتجار بها، وهي القضية التي أنهت مشواره الكروي في سن مبكرة، رغم حصوله لاحقاً على البراءة من تهمة الاتجار. وقد اعترف عباس لاحقاً في لقاءات صحافية بأن قراراته الشخصية في تلك المرحلة كانت سبباً في انهيار مسيرته.
وفي عام 2014، أُثيرت قضية قانونية بحق نجم الزمالك السابق فاروق جعفر، بعد بلاغ من زوجته تتهمه بإجبارها على التنازل عن ممتلكاتها. وأفادت تقارير إعلامية آنذاك بصدور حكم غيابي ضده بالسجن ثلاث سنوات، قبل أن يغيب فترة عن الساحة، ثم يعود في ما بعد إلى الظهور الإعلامي محللاً رياضياً، دون صدور بيانات رسمية جديدة بخصوص القضية.
وفي السنوات الماضية، ظهر اسم اللاعب الدولي السابق محمد زيدان في قضية شيكات من دون رصيد لصالح شركة عقارية. وأُفيد حينها بصدور حكم غيابي بالحبس ضده، قبل التوصل لاحقاً إلى تسوية بين الطرفين. كما وردت تقارير بشأن اتهام أحمد السيد، مدافع الأهلي السابق، في قضية تتعلق بالتلاعب بأوراق رسمية متصلة بقطعة أرض، إلى جانب أحكام قضائية سابقة بحق المهاجم أحمد بلال في قضايا مالية وتزوير، انتهى بعضها بالتصالح وتسوية المديونيات خارج الإطار الجنائي.
وتعود إحدى أكثر القضايا إثارة إلى لاعب المنتخب الأولمبي السابق إبراهيم المصري، الذي صدر ضده حكم بالحبس في قضية اتهامه بالشروع في قتل صحافي خلال مشاجرة، وهي القضية التي بقيت في ذاكرة الوسط الرياضي رغم قلة المعلومات الرسمية المتاحة حولها بعد سنوات من وقوعها.
مسؤولية فردية أم أزمة منظومة؟
يفتح التتابع في القضايا التي تورط فيها نجوم ولاعبون أو طاولت أسماءهم، الباب لتساؤلات جوهرية حول البيئة التي تُنتج النجم الرياضي في مصر، وهل ما يحدث مجرد حوادث فردية معزولة، أم أن هناك خللاً أعمق في منظومة إعداد اللاعبين وتأهيلهم النفسي والاجتماعي للتعامل مع ضغوط الحياة العامة؟ ويعتقد خبراء الرياضة وعلم النفس أن النجومية المبكرة قد تُنتج نوعاً من الصدمة النفسية، خاصة إذا لم يُرفق ذلك بدعم نفسي ومجتمعي حقيقي، وأن بعض الأندية والمؤسسات تتعامل مع اللاعب بوصفه أداة لتحقيق النتائج، دون الاهتمام ببناء شخصيته أو تدريبه على تحمل الضغوط أو إدارة النجاح والشهرة، ما يترك فراغاً قد تملؤه قرارات غير محسوبة.
وأرجع الناقد الرياضي جمال الزهيري تفاقم انحرافات بعض نجوم الكرة في السنوات الأخيرة إلى مجموعة من العوامل، أبرزها ضعف الثبات الانفعالي لدى العديد منهم في مواجهة الشهرة والثراء المفاجئ. وقال الزهيري لـ"العربي الجديد" إن "الشهرة عبء ثقيل، وليست مجرد هالة من الأضواء أو تصفيق الجماهير، بل تتطلب من صاحبها التزاماً أخلاقياً وسلوكياً مضاعفاً داخل الملعب وخارجه". وأوضح أن "لاعب الكرة في نهاية المطاف شاب صغير السن، ومن الطبيعي أن تصدر عنه بعض الانفعالات، تماماً كما يحدث مع أي شاب آخر، فما بالك إذا كان هذا الشاب محاطاً بملايين المتابعين وأضواء الإعلام؟".
وتابع الزهيري قائلاً: "الارتفاع الجنوني في تعاقدات اللاعبين يمثل أحد أبرز العوامل التي أحدثت خللاً نفسياً لدى كثير من النجوم، لا سيما أن غالبية اللاعبين المصريين ينتمون إلى طبقات اجتماعية بسيطة، وهو ما يفسّر غياب كرة القدم عن أندية النخبة مثل الصيد وهليوبوليس والجزيرة، التي تنتمي إلى شرائح اجتماعية أكثر استقراراً مادياً". وأشار إلى أن بعض وقائع التصادم بين اللاعبين والجماهير، كما في واقعة إمام عاشور، قد تتطلب – من الناحية القانونية – تعويضات مالية، وهو ما يعكس هشاشة العلاقة بين اللاعب والمجتمع من حوله. وأكد أن ظاهرة انحراف اللاعبين ليست جديدة، لكنها تصاعدت بشكل لافت في السنوات الأخيرة.
من جانبه، اعتبر الناقد الرياضي طارق رضوان أن الأموال الطائلة التي يحصل عليها لاعبو الكرة باتت تشكل "عنصراً هداماً" في تكوينهم النفسي، وأضاف لـ"العربي الجديد": "اللاعب في مصر يتقاضى أضعاف ما يحصل عليه أفضل لاعب في أي من دول شمال أفريقيا، حيث لا تتجاوز العقود هناك 200 ألف دولار، في حين يقترب بعض نجوم الدوري المصري من المليون دولار سنوياً". وأشار رضوان إلى أن شعور بعض اللاعبين بالنجومية الفائقة، مقترنة مع ضعف الاتزان المعنوي في التعامل مع الثراء، يُنتج سلوكاً عدوانياً تجاه الجمهور، كما حدث في عدد من الوقائع الأخيرة وقال: "يجب التفكير جدياً في وضع سقف مالي لتعاقدات اللاعبين، لكن تنفيذ ذلك صعب في ظل تدخل رجال الأعمال ومحبي الأندية، الذين يعوضون اللاعبين عن الفروقات المالية من جيوبهم الخاصة". وطالب رضوان الأندية والاتحاد المصري لكرة القدم ووزارة الشباب والرياضة بتنظيم محاضرات توعوية للاعبين، تشرح مفهوم الاحتراف الحقيقي، وتعرض نماذج إيجابية، مثل محمد صلاح، الذي أصبح رمزاً للثبات النفسي والانضباط السلوكي رغم ما وصل إليه من شهرة عالمية وثروة هائلة.
في السياق ذاته، قدّم الدكتور فتحي عفيفي، أستاذ المخ والأعصاب بجامعة الأزهر، تفسيراً طبياً واجتماعياً لسلوكيات بعض النجوم المنحرفة، قائلاً: "بعض الأشخاص لديهم استعداد جيني للاندفاع والعنف، وهذه السمات قد تظهر بقوة بعد التعرض لمؤثرات بيئية واجتماعية حادة، مثل الشهرة أو الثراء المفاجئ". وأضاف لـ"العربي الجديد": "الأمر يُشبه إناءً مغطى، رُفع عنه الغطاء فجأة، فتفجرت السلوكيات الكامنة بداخله. الشهرة ليست عاملاً مفسداً بحد ذاته، لكنها تسرّع انكشاف ما كان خافياً". وأكد عفيفي ضرورة وجود "مرشد سلوكي" داخل الفرق الرياضية، يكون متخصصاً في المتابعة النفسية والتقويم السلوكي للاعبين، بما يضمن التوازن الشخصي والمهني، ولفت إلى أن المجتمعات المتقدمة، رغم انفتاحها، لا تسمح بانفلات القواعد السلوكية، بل تتعامل مع الانحراف كاستثناء وليس قاعدة. وشدد على أن الوقائع المنسوبة لبعض نجوم الرياضة أو الفن، تبقى حوادث فردية، وليست ظواهر عامة، لكن لكل حالة مدخل خاص لعلاجها، ويجب أن يكون تقويم السلوك بعيداً عن العنف أو التشهير، حتى لا يؤدي إلى نتائج عكسية.
من جانبها، قالت الدكتورة ثريا عبد الجواد، أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس، إن تغطية الإعلام المصري المكثفة لحوادث انحراف المشاهير، وخاصة لاعبي الكرة، تلعب دوراً في تضخيمها، مشيرة إلى أن هذه التغطية المبالغ فيها قد تُستخدم لتزييف الوعي العام وإلهاء المواطنين عن قضايا مجتمعية كبرى. وأضافت لـ"العربي الجديد": "ربما يرتكب سياسيون أخطاءً أخطر بكثير من تصرفات لاعب كرة، لكن الإعلام لا يسلّط الضوء عليها، بل يُهملها تماماً". وأكدت عبد الجواد أن ظاهرة "الترند" في وسائل التواصل والإعلام باتت تُستخدم أداة لصرف الأنظار، قائلة: "علينا أن نعيد طرح السؤال: لماذا تُضخّم حوادث لاعبي الكرة؟ وهل هذا يتم بشكل عفوي أم مقصود؟ هناك مؤشرات على وجود تعمد في تضخيم قضايا سطحية لتغطية أخرى أكثر جوهرية".
بدورها، حمّلت الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، مسؤولية جزء كبير من الأزمة إلى غياب القدوة الإيجابية في حياة الشباب، داعية إلى مشروع ثقافي شامل يعيد تقديم النماذج الجيدة في مختلف المجالات، وقالت لـ"العربي الجديد": "البيئة التي نشأ فيها النجم ليست مبرراً، فكم من عظماء خرجوا من قرى نائية ومجتمعات بسيطة، ومع ذلك حافظوا على توازنهم بفضل التربية السليمة والأخلاق". وطالبت خضر وسائل الإعلام بوقف الترويج للقدوة السيئة، والاستعاضة عنها بنماذج إيجابية من مختلف المجالات، مؤكدة أن حماية الأجيال القادمة من الانحراف يبدأ من الأسرة، ثم المدرسة، والنادي، والمؤسسات الثقافية والدينية، وأضافت: "نحتاج إلى مشروع مجتمعي متكامل يعيد بناء منظومة القيم ويمنح الشباب حصانة داخلية ضد الانجراف نحو السلوكيات المدمرة".