نصف الكوب
هذا اللاعب هو الأفضل في العالم لأنه سجل 100 هدف وصنع 70، بينما منافسه يستحق المركز الثاني بعد تسجيله 90 هدفا وقيامه بعمل 65 أسيست، وهكذا كانت الأحكام في ما يخص جائزة الكرة الذهبية خلال السنوات الأخيرة، اللاعب صاحب النصيب الأكبر من الأهداف أو البطولات كأرقام هو الأجدر، ويتم التسويق الشامل لهذه الفكرة حتى موعد الحفل المنتظر.
لا يتعلق الأمر فقط بالبالون دور ومسابقات الفيفا، لكنه يشمل أيضا الحكم الكلي على مردود لاعب ما عن طريق ما صنعه من أرقام، بمعنى أن لاعب وسط ما مرر 150 تمريرة صحيحة، بالتالي هو أفضل ممرر ممكن، رغم عدم تحديد مدى أهمية هذه التمريرات، وهل هي طولية أم قصيرة، وكيف كان يلعب الخصم؟ ربما كان يدافع بشكل متأخر لذلك حصل هذا اللاعب على مساحة كبيرة للتصرف بحرية.
حتى التسديدات لم تسلم من القاعدة الجديدة، فهناك لاعب يوصف بأنه أفضل مسدد ممكن، لأنه قام بتسديد أكبر عدد ممكن من التسديدات، رغم أن دقته فيها لم تصل إلى 40 %. أيضا لاعب آخر تصل نسبة دقة تسديداته إلى 75 %، ويتم الحديث عنه وكأنه أفضل مصوب، لكن عندما تنظر إلى عدد تسديداته ستجدها فقط 4.
وعلى مستوى المراوغات، قام محمود داهود لاعب مونشنغلادباخ بعمل 4 مراوغات أمام برشلونة، ليحصل على لقب أفضل مراوغ في المباراة، رغم أن فريقه لم يفعل شيئاً يذكر وانهزم بالأربعة، وبالعودة إلى مردوده، سنجد أن معظم المراوغات غير مؤثرة وبعيدة تماما عن أماكن الخطورة، لكن لا أحد يقدر على الاعتراض، لأننا نحصل على الأرقام ونقوم بنشرها دون تدقيق أو دراسة.
أرقام ظالمة
ستيفان رينارتز لاعب ألماني غير مشهور، لعب لفترة طويلة مع باير ليفركوزن كارتكاز دفاعي، ثم انتقل إلى فرانكفورت لكنه تعرض لإصابة قوية، ليعلن اعتزاله اللعب تماما منذ قرابة العام، واتجاهه إلى العمل التكتيكي لكن بشكل مختلف. لم يحاول أن يصبح مدربا أو حكما، لكنه قرر تطوير عالم الإحصاءات لاعتقاده بالظلم الواقع على أكثر من لاعب نتيجة القياس الخاطئ لهذه البيانات الصماء.
يقول رينارتز في حديث سابق مع شبكة Espn عبر الصحافي هونغستين، إنه شعر بأن أرقام الاستحواذ، التمرير، المراوغات، كلها أمور لا تعبر في النهاية عن النتيجة أو مستوى كل لاعب، لذلك قرر مع زميله ينس هيغلر، زميل سابق له في باير ليفركوزن ولاعب ألماني اعتزل في 2014، وركز الثنائي على تطوير النظرة الأخيرة على التمرير ودقته.
على مدار 18 شهرا من العمل المستمر، نجح ستيفان وينس في الخروج بفكرة جديدة تعرف بالـ "Packing + Impact"، عن طريق حساب عدد اللاعبين الذين نجحت تمريرة ما أو مراوغة في المرور منهم داخل الملعب، بمعنى أن هذه التمريرة تصبح فعلا مميزة عندما تنجح في اختراق حاجز قوي من الأسماء، وليس فقط مجرد تمريرة من زميل لآخر على نفس الخط، وبعد رصد ذلك تتم التصفية بطريقة أكثر دقة عن طريق تحديد عدد المدافعين الذين تخطتهم التمريرة أو المراوغة، لأنهم أصعب بمراحل من زملائهم المهاجمين الذين يضغطون على استحياء طلبا للكرة.
مثال توضيحي، في مباراة قديمة بين برشلونة وملقة، تمريرة تشافي كسرت الخطوط ومرت من 8 لاعبين دفعة واحدة، ليحصل عليها داني ألفيش بعد تحركه ويمررها لميسي الذي يسجل هدف.
هنا تشافي يحصل على 8 نقاط، ألفيش يحصل على نفس الرقم أو أقل بنسبة قليلة، بسبب تحركه وضرب الدفاع بأكمله، وبالتالي يعطي هذا النموذج دعما كاملا لأصحاب التمريرات الكاسرة للخطوط.
عبقرية التحرك
في عالم الإحصاءات الحالي، يحصل كل لاعب على لقب "أسيست" عندما يمرر قبل كرة الهدف، حتى وإن كانت التمريرة غير مقصودة، حتى وإذا كانت نيته التسديد وعدم التمرير، حتى في حالة قيام اللاعب الآخر بعمل كل شيء في لقطة الهدف. هذا هو العمل في نظام الأرقام لكن بمنظور آخر، فإن هذه اللعبة لا تحتسب كـ "أسيست"، ولكنها تصب في مصلحة اللاعب الذي قام بعمل كل شيء حتى تسجيل الهدف وليس فقط صاحب اللعبة قبل الأخيرة.
ورغم قيمة أوزيل الكبيرة، يقول رينارتز بأن مواطنه مظلوم بشدة على مستوى تحركاته، فالمسعود خلال يورو 2016 الأخيرة وفق النموذج الإحصائي الجديد، تحرك في أماكن صحيحة لدرجة أن التمريرات التي يستلمها تضرب 63 لاعبا في المباراة الواحدة، بمعنى أنه إذا استلم في المباراة 10 كرات، فإن كل كرة تمر من 6 لاعبين دفعة واحدة، تكسر أكثر من خط بسبب دقتها وبسبب ذكاء الألماني في تمركزه.
وبالتالي يصبح في مكان أفضل ويستطيع بناء الهجمة بهدوء، وبالطبع هذه الأمور لا تحسب على الإطلاق في عملية الأرقام الخاصة بالهدف، الصناعة الأخيرة، المراوغة، دقة التمرير. لذلك من الصعب جدا قياس العمل التكتيكي وفق جداول "أوبتا" أو بواسطة كافة أشكال الإحصاءات التي يتداولها الجمهور، ولاعب بقيمة جيرارد يؤكد هذه الرؤية من خلال التصريحات القادمة.
قيمة التكتيك
يكشف كابتن ليفربول التاريخي عن محادثة قديمة دارت بينه وبين مدربه السابق براندن رودجرز في أواخر 2013، وقتها قال له ستيفن بالنص، "أشعر بحالة سيئة، رغم كل أرقامي المميزة، إلا أنني لا أستحق أكثر من 6 من 10. رجاء مراجعة أرقامي وحالتي البدنية حتى أستطيع الحكم بجدية على أدائي، خصوصا في ما يتعلق بالشق الهجومي كلاعب وسط متقدم في التشكيلة".
وبعد مراجعة أرقام اللاعب بالتعاون مع فريق الإحصاءات، وجدوا جميعا أن جيرارد لا يزال يملك القوة والاندفاع البدني، ولم تتراجع أرقامه بالشكل الذي يؤثر على لعبه بالسلب، لتزيد حيرة اللاعب خصوصا مع شعوره بأن هناك خطأ ما. وبعد الدراسة المتأنية بالفيديو من جانب المدرب، تم التأكد فعليا من الخلل الناتج عن قصور في الحركة تجاه المكان الصحيح، والتمركز الخاطئ في بعض الأحيان بعيدا عن الكرة، جيرارد لا يتحرك بشكل فعال، كذلك لا يغلق زوايا التمرير أمام منافسه بطريقة صحيحة.
من هنا وضع الجهاز الفني يده على مواطن الخلل، إنه عامل تكتيكي بحت مرتبط بالتمركز وسرعة التفكير. بكل تأكيد الأرقام مهمة وضرورية من أجل الوقوف على عدة أمور، لكنها لا توفر أبدا الإجابة الكاملة، لأن في حالة جيرارد كانت أرقامه مبهرة، ولكن تحركاته سيئة، تضر بالفريق ككل في الأوقات الحاسمة.
الإحصاء الرقمي لا غنى عنه، لكنه ليس دليلاً على أي شيء دون اقترانه بالجانب التكتيكي وعامل التحرك دون الكرة، وفي النهاية تظل كرة القدم عبارة عن علم غير مكتمل الأركان، تفاصيل صغيرة جدا قد تحدث أقوى فارق.