استمع إلى الملخص
- نظم البابا مباراة بين الأديان لتعزيز التفاهم، محذرًا من التجاوزات التجارية في الرياضة، ومؤكدًا على أهمية المسؤولية الاجتماعية والمصلحة الجماعية.
- بعد وفاته، تم تأجيل مباريات الدوري الإيطالي حدادًا، ودعت اللجنة الأولمبية الإيطالية لتكريمه، بينما دعا البابا للاحتفال بتواضع بعد فوز الأرجنتين في مونديال 2022.
لم يخف البابا فرنسيس ( الراحل عن 88 عاماً) شغفه بكرة القدم التي اعتبرها وسيلة للسلام والتعليم، بعدما اعتبرها "أجمل رياضة في العالم"، خلال 12 عاماً من فترة حبريته. ومن مواطنَيه ليونيل ميسي ودييغو مارادونا، مروراً بالسويدي زلاتان إبراهيموفيتش والإيطالي جيانلويجي بوفون، استقبل خورخي بيرغوليو (البابا فرنسيس) أكبر نجوم كرة القدم في الفاتيكان، موقعاً على عشرات القمصان والكرات من الزوايا الأربع للعالم.
ورغم ممارسته اللعبة الشعبية خلال صغره في شوارع العاصمة الأرجنتينية بوينس أيرس بكرة مصنوعة من الخرق، إلا أن البابا، الذي غيبه الموت اليوم الاثنين، لم يلمع في الملاعب. وأقر البابا فرنسيس في سيرته الذاتية "أمل" الصادرة مطلع 2025 بأنه "في العاصمة الأرجنتينية بوينس أيرس، كان يُطلق على أمثالي "باتا دورا"، أي لدي قدمان يسريان، لكني كنت أمارس اللعبة غالباً حارسَ مرمى". ولا ينفصل شغف البابا الـ266 بكرة القدم عن ارتباطه بنادي سان لورنزو في العاصمة بوينس أيرس وبملعب فييخو غاسوميترو المهدّم الآن، حيث كان يذهب لمشاهدة المباريات مع والده وأشقائه. وتذكر: "كانت كرة قدم رومانسية وعائلية". حتى بعد انتخابه في 2013، احتفظ البابا فرنسيس ببطاقته مشجعاً (سوسيو) للفريق الأزرق والأحمر. وبقي على اطلاع على نتائج الفريق، بفضل أحد أفراد حراسه السويسريين الذي كان يتركها مع ترتيب الدوري على مكتبه، فيما احتفل بالعديد من القداديس الضخمة في ملاعب كرة القدم خلال رحلاته إلى الخارج. وبعيداً عن اعتباره الرياضة غاية في عينها، فضّل اليسوعي الأرجنتيني أن يرى في كرة القدم وسيلة للسلام والتعليم، رغم حالات الفساد وحجم المال المنفق عليها.
وفي عام 2014، وبمبادرة منه، استضاف الملعب الأولمبي في العاصمة الإيطالية روما "مباراة بين الأديان" من أجل السلام. كما أعلن في عام 2019: "يرى كثيرون أن كرة القدم هي الرياضة الأجمل في العالم. أنا أعتقد ذلك أيضاً". ومنذ 2012، ذكّر اللاعبين بـ"مسؤولياتهم الاجتماعية" أمام وفود لفرق إيطالية وأرجنتينية، محذراً من التجاوزات "التجارية" و"مخاطر تلويث" المال كرة القدم.
من جهته، قال الأسقف إيمانويل غوبيليار، مندوب الفاتيكان إلى دورة ألعاب باريس الأولمبية 2024 الذي رافق مجموعات من الرياضيين إلى العاصمة روما في مناسبات عدة: "لا فرق، سواء كنت لاعب كرة قدم هاوياً أو محترفاً، سواء أحببت مشاهدتها على التلفاز أم لا: هذه الرياضة جزء من حياة الناس. هكذا كانت مقاربته". وأضاف الأسقف غوبيليار أن نقطة مشتركة مع الدين هي "وضع المصلحة الجماعية فوق كل اعتبار لتجاوز المصلحة الفردية. نحن في خدمة شيء أعظم من ذواتنا يتجاوزنا شخصياً وجماعياً"، متذكراً نظرته "اللامعة" بمجرد ذكر اسم أحد اللاعبين. هذا الإعجاب بكرة القدم الذي لم يخفه البابا الراحل تطرقت إليه هوليوود أيضاً، في الفيلم الناجح "الباباوان"، الذي عرض على منصة نتفليكس في عام 2019، يشاهد البابا الراحل بنديكتوس السادس عشر والكاردينال بيرغوليو المباراة النهائية لكأس العالم بين بلديهما الأرجنتين وألمانيا معاً. مشهد خيالي بحت، لأن البابا "فرانتشيسكو" أقر بأنه توقف عن مشاهدة التلفاز منذ 1990 بقرار شخصي، فيما كان عالم اللاهوت الألماني يفضل الموسيقى الكلاسيكية والقراءة. ولم يتطرق البابا فرنسيس إلى كأس العالم 1978 أثناء فترة الديكتاتورية في الأرجنتين، عندما كان مسؤولاً عن اليسوعيين. "لاعباً، كان مارادونا عظيماً، لكنه أخفق بصفته إنساناً"، هكذا وصف لصحافي إيطالي أواخر 2023 "الولد الذهبي" لكرة القدم الأرجنتينية الذي عكرت المخدرات والكحول مسيرته الرياضية الخارقة.
وفي سيرة ذاتية ظهرت عام 2024، خُصّص فصل كامل لـ"يد الله"، الهدف الذي سجله مارادونا بيده في ربع نهائي مونديال 1986 في مرمى منتخب إنكلترا: "عندما استقبلته قبل سنوات في الفاتيكان، مازحته قائلاً: أي يد هي المذنبة؟". لكنه وصف ليونيل ميسي، أفضل لاعب في العالم ثماني مرات، بـ"المهذب"، لكنه أقر لشبكة "راي" الإيطالية: "بالنسبة لي، من بين الثلاثة، فإن الجنتلمان الكبير هو (النجم البرازيلي الراحل) بيليه. رجل يملك قلباً كبيراً". وإذا كان من السهل تخمين حبه للمنتخب الأرجنتيني، إلا أن رأس الكنيسة الكاثوليكية تجنب دوماً الانحياز. وفي عام 2022، وقبل نهائي مونديال قطر بين بلاده وفرنسا، دعا الفائز إلى الاحتفال "بتواضع". وكان من المقرر إقامة أربع مباريات في الدوري الإيطالي لكرة القدم، ولكنها أُجّلت حتى إشعار آخر حداداً على وفاة البابا فرنسيس عن عمر ناهز 88 عاماً. فمتى سوف تقام المواجهات التي تجمع تورينو مع أودينيزي، وكالياري وفيورنتينا، وجنوى ولاتسيو، ثم بارما أمام يوفنتوس؟
ودعت اللجنة الأولمبية الإيطالية إلى وقف جميع المسابقات الرياضية، بما فيها الدوري الإيطالي (سيري آ)، بعد وفاة بابا الفاتيكان، وقالت في بيانٍ رسمي: "يدعو رئيس اللجنة الأولمبية الإيطالية جيوفاني مالاغو جميع الاتحادات الرياضية الوطنية والجهات الرياضية والهيئات المعنية بالترويج الرياضي إلى تعليق جميع الأنشطة الرياضية المقررة، والوقوف دقيقة صمت خلال الأحداث التنافسية المقررة في إيطاليا لبقية الأسبوع الحاليّ على وفاة البابا فرنسيس وتكريماً لذكراه".