الألعاب الأولمبية القديمة: منافسة الدولة للمدينة وتأثيرات السياسة

28 يوليو 2024
صورة من حفل افتتاح أولمبياد أثينا 2004 في اليونان (إيان والدي/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الألعاب الأولمبية القديمة كانت مرتبطة بالميثولوجيا الإغريقية والدين والمجتمع والسياسة، وكانت وسيلة للتنافس السلمي بين المدن المستقلة في اليونان.
- انتشار المستعمرات اليونانية كان مرتبطاً بالرياضيين الأولمبيين الناجحين، مما ساعد في تعزيز العلاقات الثقافية والسياسية بين دول المدينة.
- خلال الحرب البيلوبونيسية، استخدمت الألعاب الأولمبية لإعلان التحالفات وتقديم التضحيات، ولكنها أيضاً استغلت لتحقيق مكاسب سياسية، مما أدى إلى مؤامرات وتفكك اليونان.

ارتبطت الألعاب الأولمبية قديماً بالميثولوجيا الإغريقية، وكانت لديها علاقة وثيقة بالعديد من النواحي داخل المجتمع خلال تلك الفترة، منها ما هو متعلق بالدين والمجتمع، إضافة إلى السياسة التي لعبت دوراً مهماً وكبيراً خلال تلك الحقبة، والتي ستكون اليوم محور حديثنا، لنقفل بذلك ملف الألعاب القديمة.

أصبحت السلطة في اليونان قبل القرن الثامن ميلادي مبنية على سياسة "الدولة المدينة" (أي دولة ذات سيادة خاصة مستقلة تتكون ببعض الأحيان من مدينة واحدة والأرض التابعة لها، مثال حيّ من عصرنا الحالي الفاتيكان)، وغالباً ما تعيش "دول المدن" على مقربة شديدة من بعضها، ما يخلق منافسة على الموارد المحدودة، ورغم الصراع كانت المصلحة الذاتية هي المشاركة في التجارة والتحالفات العسكرية والتفاعل الثقافي. وكانت العلاقات قائمة على ثنائية متضادة - متقاربة، الاعتماد على الجار في التحالفات العسكرية لصد الغزوات الخارجية، والمنافسة بطبيعة الحال في الوقت عينه على الموارد الحيوية الموجودة في تلك البقعة، وكانت الألعاب الأولمبية بالتالي مكاناً لممثلي "دولة المدينة" للتنافس السلمي، بعكس ما كانت عليه الألعاب في أول 200 عاماً، إذ كانت ترتكز على الأهمية الدينية الإقليمية.

ارتبط انتشار المستعمرات اليونانية في القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد مراراً وتكراراً بالرياضيين الأولمبيين الناجحين، على سبيل المثال، يروي باوسانياس (رحالة وجغرافي يوناني)، أن "Cyrene" (شحات أو قورينا أو سيرين، مدينة ليبية أسسها اليونانيون عام 630 قبل الميلاد في الجبل الأخضر أقسى شمال ليبيا)، جرى الوصول إليها من قبل مستوطني ثيرا بدعمٍ من أسبرطة، وذلك من خلال إعارة البطل تشوينيس لهم لتمثيلهم في الألعاب (الأخير حقق الميدالية الذهبية في أكثر من رياضة ست مرات)، بالتالي ساعدت هذه الطريقة في الحفاظ على العلاقات الثقافية والسياسية بين دول المدينة بالقرب من أولمبيا.

النقطة المفصلية التي واجهتها الألعاب والبلاد كانت الحرب البيلوبونيسية، أي في عام 460 قبل الميلاد، ومن ثم الأهم بين أعوام 431-403 قبل الميلاد. حصلت الحرب بسبب توسعات أثينا على حساب كورنث حليفة أسبرطة، التفكك أدّى إلى تزعزع اليونان إلى الأبد، ولم تنجح بعدها في صدّ هجمات الفرس بحسب إيسوقراط، الذي كان يصفهم بالبرابرة، واستُخدِمَت الألعاب الأولمبية خلال هذا الوقت لإعلان التحالفات وتقديم التضحيات إلى الآلهة من أجل النصر. الأهم أنّه خلال فترة الألعاب الأولمبية عقدت هدنة بين الأطراف المتنازعة، وأُرسِل ثلاثة عدائين معروفين باسم "spondophoroi" من إليس (منطقة بيلوبونيز) إلى كلّ المدن لإعلان ذلك، وعلى إثرها منعت الجيوش من دخول أولمبيا، حيث وضعت النزاعات خلف ظهر الجميع وحظر استخدام عقوبة الإعدام. هذه الهدنة أتاحت للرياضيين والزائرين السفر بشكلٍ آمن.

بحسب ثوسيديديس المؤرخ الإغريقي الشهير، هجم الأسبرطيون حينها على مدينة ليبروم خلال فترة الهدنة، فغُرِّموا 2000 مينا، لكنهم اعترضوا على ذلك، مدعين أن الهدنة لم تكن قد رسخت أو بدأت بعد، مع العلم أنهم مُنعوا من حضور الألعاب. على هذا النحو أصبحت الألعاب وسيلة لدول المدينة لترويج نفسها، وكانت تنتج منها مؤامرات سياسية وخلافات أعمق. على سبيل المثال، يشرح المؤرخ باوسانياس ما حصل مع الرياضي سوتاديس الذي فاز في المهرجان التاسع والتسعين في السباق الطويل، وكان من الكريت أو إقريطش، لكنه في المهرجان التالي تلقى رشوة من مدينة أفسس ليمثلها، وبالفعل عمد إلى ذلك لينفيه الكريتيون. إذاً الأولمبياد القديم ساهم في تفكك اليونان، لما كانت تمثله تلك الألعاب من قيمة لهم.