نجمة حبيب خليل.. الفلسطينية-الأسترالية.. أدب في المهجر

نجمة حبيب خليل.. الفلسطينية-الأسترالية.. أدب في المهجر

26 ابريل 2020
خاض الزوجان رحلة طويلة في مسيرتها الأدبية(العربي الجديد)
+ الخط -
لم تَثنِها الغربة الصعبة، ولا تقدم العمر عن الاستمرار في مسيرة طويلة من العطاء الأدبي في المهجر. وحتى في وباء كورونا، لا تزال هذه السيدة مصرة على العطاء في جامعة سيدني، وإن عبر تقنيات حديثة للتواصل مع طلابها في قسم الآداب واللغة العربية بجامعة سيدني، وهي التي امتهنت التعليم منذ حصولها على الثانوية العامة في لبنان عام 1963.

اليوم في جعبتها ما يستحق أن يروى. فهي أستاذة شغوفة باللغة والأدب العربي، وهواجس المنفى والعودة. لكن ذلك لم يحصل تلقائياً، فلتكون أستاذة في جامعة أسترالية كان لا بد من تحصيل دكتوراه، وكانت رسالة الدكتوراه، بعد 4 سنوات بحث، بعنوان "رؤى النفي والعودة في الرواية الفلسطينية"، كما تذكر خليل، ليسود قليل من الصمت، وكأن شيئاً من ربيع العمر اقتحم المشهد، ليحضر زوجها وشريك عمرها، كامل حبيب، "فهو آمن بما كتبت، وتفهّم مسيرتي في التحصيل الأكاديمي". كيف لا والسيدة نجمة كانت أماً لأربعة أبناء حين كانت تخوض مراحل دراسية مختلفة.


البداية
ليست سيدني محطة أولى في رحلة هجرة هذه الأسرة الفلسطينية لشريكين وُلدا على أرض فلسطين. فالزوج كامل حبيب من البصة، قضاء عكا، فيما هي من كفربرعم في أقصى الشمال الجليلي، وإن وُلدت في حيفا. فقد طاول أسرتيهما التطهير العرقي الذي طاول مئات آلاف من شعبيهما، لمصلحة مشروع صهيوني أحلّ لمستوردين من أصقاع الأرض أن يحتلوا بيوت الشعب الأصلي.

على حدود فلسطين الشمالية مع لبنان، ظل الأهل في بلدة رميش يتوقون إلى العودة إلى كفربرعم. كان والدها مقاتلاً مع ثوار ما قبل النكبة، 1948، "وتضايقت الحكومة اللبنانية من محاولات الفلسطينيين المُهجرين العودة إلى قراهم التي لا تبعد عن الحدود، وبعد 10 سنوات، في 1958، جرى إجلاء وترحيل رسمي حكومي نحو كفرشيما (قضاء بعبدا في محافظة جبل لبنان)".


بعد سنوات سينتقل الأهل للعيش قرب مخيم الضبية، حيث تحصلت الشابة نجمة في عام 1963 على شهادة (البكالوريا) الثانوية العامة، لتخوض بعدها رحلتها الأولى في التدريس في مدارس البعثة البابوية، وتستمر في ذلك إلى يومنا، وإن في المهجر الأسترالي.

وفي عام 1964، وفي ذات الوقت الذي كانت تمارس فيه مهنة التعليم، التحقت بالجامعة العربية لتنال شهادة ليسانس في الأدب العربي. تزوجت في عام 1970 بشريك حياتها لنصف قرن، كامل حبيب، لتلقى منه كل تشجيع على مواصلة طريقها.


تذكر نجمة تفاصيل وتواريخ عن حقبة اجتياح مخيم الضبية، والتهجير القسري إلى غربي بيروت، في صدمة مع عروبتها التي أحبت ولا تزال. فقد شكل اجتياح المخيم واستهداف الفلسطينيين مأساة شخصية لها ولأسرتها "خطفوا والدي في 1976، في أثناء الهجوم على مخيم ضبية، ولم نعثر عليه مطلقاً، كان زمناً صعباً وضاغطاً".


نحو 10 سنوات ستمضي قبل أن تصاب نجمة بخيبة أخرى في 1986، "فإذا كانت المرة الأولى لتهجيرنا من شرق بيروت إلى غربها جرت على أيدي انعزاليين من الكتائب، وجدنا أنفسنا في حارة حريك في مواجهة عروبة أخرى بحرب حركة أمل على الفلسطينيين، ورحلنا إلى مار إلياس، لتصبح الصورة كئيبة، بضياع الانتماء إلى العروبة وانحسارها إلى طوائف ومذهبية أكثر".

كان يمكن أن تغادر نجمة مبكراً إلى أي بلد، فأهلها كانوا يقيمون منذ زمن في أستراليا، لكنها أصرت، وقد وُلد لها 4 أبناء في ذلك الحين، 3 بنات وصبي، على استكمال دراستها الجامعية لتلتحق بالجامعة اللبنانية وتنال ماجستير في الأدب واللغة العربية.

في أستراليا
قررت أسرة نجمة الالتحاق بالأهل في أستراليا "فلم يعد من الممكن وسط تلك الظروف أن تؤمّن شيئاً من المستقبل للأبناء في بلد كانت الحرب تنهش فيه في 1990".
وفي سيدني لم يكن الأمر سهلاً، "فلم نستطع العمل بشهاداتنا الجامعية، وكانت أستراليا تعيش ركوداً اقتصادياً". لم تتردد هذه السيدة وزوجها، وتفكيرهما منصب على مستقبل الأبناء، وأصغرهم كان في العاشرة، في تأسيس "عمل تجاري خاص أدرناه 7 أيام في الأسبوع ولـ 9 سنوات، إلى أن تخرجت آخر بنت من الجامعة، وحينها لم نعد بحاجة لهذا العمل الشاق". وتذكر نجمة أنها رفضت بالمطلق قبول مساعدات إعانة شهرية يحصل عليها المهاجرون "فقد كنت أشعر وكأنه تسوّل، ولذا آثرنا العمل بأيدينا طوال تلك السنوات".



في عام 2002، ولم تكن نجمة منقطعة أبداً عن الكتابة والأدب العربي في أثناء العمل التجاري، حيث كانت تنشر في أستراليا وخارجها، اتصل بها مدير قسم اللغة والأدب العربي في جامعة سيدني، د. أحمد الشبول، وقد سمع بها وقرأ كتبها التي كانت تصدرها تباعاً، عارضاً عليها العمل في تعليم العربية في جامعة سيدني. لم تتردد في القبول، "فهذا ما عشقته وعملت فيه طوال حياتي". وتخوض تجربتها مع الأستراليين غير الناطقين بالعربية، ومع طلاب عرب لنيل ليسانس آداب اللغات، حتى اليوم.

ورغم انشغالاتها في الإصدارات الأدبية ومقالاتها التي كانت تنشرها، وعملها منذ 1997 على إدارة تحرير دورية "جسور"، باللغتين العربية والإنكليزية، وبعد صدور كتابها "النموذج الإنساني في أدب غسان كنفاني"، الذي طبع في لبنان، إلى جانب مجموعة قصصية بعنوان "والأبناء يضرسون"، عن حرب لبنان 1976 والاجتياح الإسرائيلي لهذا البلد عام 1982، وجدت نفسها مرة أخرى تخوض طريق الدراسة لنيل الدكتوراه في 2012 من جامعة سيدني.

لكن قبل ذلك، كانت نجمة تخوض في أدب هجرة مختلف هذه المرة. في 2003 أصدرت كتابها "ربيع لم يزهر" (وهو هذه الأيام بصدد الترجمة إلى الإنكليزية من طريق ابنتها سمر، الحاصلة على دكتوراه في الأدب الإنكليزي من جامعة سيدني).

شعرت نجمة بامتنان لما منحت أستراليا لأسرتها من فرصة لتأكيد الذات. ولا تخفي في حديثها مع "العربي الجديد" بعض مرارة المقارنة "أنت مضطر إلى مقارنة الشعور بالانتماء إلى مجتمع يعاملك فيه الناس والحكومة بشكل آدمي وتلك المعاملة التي تضطر العربي إلى أخذ طريق الهجرة، وهذا حديث متشعب كثيراً، لكنني لا أخفي شعوري بالامتنان حقاً لهذا البلد". ولم تستطع الأديبة ألا تقارن بين الشعب الأصلي الأبورجيون وشعبها الفلسطيني، للتشابه في أمور كثيرة. ولأن البعض لا يعرفون، حتى بين الجالية العربية في أستراليا، الكثير عن أدب البلد، راحت نجمة تخوض تجربة إصدار "من أستراليا.. وجوه أدبية معاصرة" في 2006، وعد من أنجح وأكثر الإصدارات مبيعاً وشعبية. وقدمت الكاتبة فصول كتابها بصوتها أسبوعياً في إذاعة "سي بي اس" الأسترالية.

التخرج من جامعة سيدني.. مع د. أحمد الشبول ونجمة حجار (العربي الجديد)











دكتوراه
وُلدت نجمة حبيب خليل قبل عامين من النكبة. بحثت طويلا، وخاضت تجارب كثيرة. يبقى الأكثر ألما عندها ما تعرضت له والفلسطينيون في 1976 و1986، وتهجير متتال، حتى وصلت إلى سيدني. فهذه السيدة تتأسف كثيرا حين تقارن كيف تحتضن مجتمعات غريبة العربي المهاجر فيما مجتمعات العرب تلفظ أبناءها وأصحاب الكفاءات. ورغم الخيبات، وربما بسببها، تولدت إبداعات تنويرية فتقول إن "سلاحي هو الكلمة، وذلك ما آمنت به منذ أن أصبحت معلمة في عام 1963".


ومنذ حينه، لم يتوقف قلمها عن الكتابة، ولا عن الدراسة الجامعية، حتى في مرحلتي الأمومة وكفاح العيش في المهجر، الذي نالت فيه، في سن الـ65، درجة دكتوراه في الأدب العربي بعنوان "رؤى النفي والعودة في الرواية العربية الفلسطينية"، ونشرت عديد الأبحاث في مجلتي "الكرمل" و"تبين" وعدد من المطبوعات في أستراليا والعالم العربي.
حصلت نجمة على منحة أسترالية لإعداد الدكتوراه في الأدب العربي. ولم يثنها تقدم العمر والانشغال في العمل في الجامعة والإصدار الأدبي والأحفاد عن أن تتخرج من جامعة سيدني في 2012 بعد دراسة وأبحاث 4 سنوات بدرجة دكتوراه في بحث حمل عنوان "رؤى النفي والعودة في الرواية الفلسطينية"، الذي سيصدر في عمان بمعية الدكتور ماهر كيالي من المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

المساهمون