الصفقة تمر والسلطة تراقب

الصفقة تمر والسلطة تراقب

22 فبراير 2020
+ الخط -
عوّل فلسطينيون عديدون على قرارات السلطة الفلسطينية في مواجهة الإعلان الأميركي عن بنود صفقة القرن، لاسيما بعدما أعلن أبو مازن، في خطاب جامعة الدول العربية بتاريخ 1 /2 /2020، عن قطع السلطة كافة أشكال التعاون والتنسيق مع الاحتلال، بما فيها التنسيق الأمني، إذ اعتبروه خطوة أولى سوف يتبعها مزيد من الخطوات الجريئة والحاسمة أثناء مشاركة محمود عباس في اجتماع مجلس الأمن بتاريخ 11 /2/ 2020. لكن وبعد إلقاء رئيس السلطة كلمته الأخيرة التي انتظرها العديد بحماس وترقب، سادت حالة من الصدمة الممزوجة بالإحباط والخذلان من فحوى الخطاب ودلالاته الكارثية. فقد سارت سفن السلطة بقيادة أبو مازن على نقيض التمنيات والتطلعات الشعبية، ليكشف خطابه عن عبثية التعويل أو حتى المراهنة على أي خطوة جدية من قبل السلطة اليوم أو غداً.

فقد أثبت أبو مازن ومن خلفه سلطته العتيدة أنهم لا يتقنون سوى نهج الاستجداء والتوسل واللهاث خلف كسب ود الاحتلال وداعميه، لذا لم يتم البناء على ما تصوره البعض قرارا حاسما بوقف جميع أشكال التنسيق وعلى رأسها الأمني؛ واتخاذ جميع الخطوات التي يتطلبها تغيير دور السلطة الوظيفي. بل على العكس تماما، تم هدم كل ذلك في بضع دقائق لا أكثر تضمنها خطاب أبو مازن في مجلس الأمن، الذي عبر عن إصرار الرئيس وفريقه على المضي قدما بذات الوظيفة الأمنية الموكلة لهم في حماية الاحتلال. فضلاً عن تنكّره لبعض نصوص القانون الدولي المتعلقة بحق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، هذه المقاومة التي تصر السلطة ورئيسها على وسمها بالإرهاب، وتتعهد بمحاربتها داخل المناطق الخاضعة لسيطرتها، فضلاً عن تكرار ذات التعابير الحاسمة والقاطعة والجازمة الدالة على تمسك السلطة بالعملية التفاوضية كخيار وحيد وأوحد من أجل الوصول إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية؛ مهما تنكر الاحتلال وداعموه للاتفاقات الموقعة، ولحقوقنا المعترف بها قانونيا ودوليا. وبالتالي، فقد أوضح أبو مازن حدود الرد الفلسطيني من دون أي مواربة أو تجميل، مما سهل علينا تلخيص الخطابات وردود السلطة بعبارة صغيرة ومعبرة هي "العدم السياسي والعدم الميداني".

فالعدم الميداني تعبير عن خواء نهج السلطة عملياً داخل مناطق سيطرتها فيما يتعلق بخطوات الاحتلال العملية، كالمستوطنات والجدار وإخلاء القدس من الفلسطينيين، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للاحتلال. في حين يعبر العدم السياسي عن رد السلطة؛ بالأصح غياب الرد؛ على إعلان بنود صفقة القرن، وعلى محاصرة وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين- الأونروا- وقطع التمويل الأميركي عنها، وعلى إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ليضحي العدم شعار السلطة المطلق على أي خطوة قادمة سياسية كانت أم ميدانية تلتهم الحقوق الفلسطينية واحدا تلو الآخر. وعليه، فلا طائل من انتظار أي رد رسمي في المستقبل القريب مهما توغل الاحتلال وداعموه في استباحة حقوقنا التاريخية المتمثلة بالحق في الأرض؛ والحق في عودة جميع الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم وأراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم الأصلية؛ والحق في تشييد دولة فلسطينية حرة ومستقلة وذات سيادة كاملة وغير منقوصة على كافة الأراضي الفلسطينية التاريخية.

وذلك كونها سلطة ذات دور وظيفي ثابت ومحدد من الصعب تغييره من دون تجاوزها أو فنائها كليا، يتمثل في دور أمني يقوم على حماية الاحتلال، عوضاً عن حماية الأرض والفلسطينيين أينما كانوا؛ من جميع تعديات الاحتلال وتجاوزاته. كما تلعب دور المراقب الخارجي والحيادي المتابع لمجريات ما يحدث في فلسطين وللفلسطينيين وقضيتهم العادلة، وكأنها غير معنية بالموضوع، لذا فهي عاجزة، حتى لو أرادت، عن رد الصفعة الأميركية، أو حتى عن تفادي أي صفعات جديدة مهما كان مصدرها وقوتها. وبالتالي، فإن انتظار تصريحات وردود السلطة وخطواتها القادمة مجرد مضيعة للوقت وهدر للطاقة الوطنية الصاعدة، ومن الأجدى لنا تناسيها وإسقاطها من حساباتنا الوطنية، من أجل العمل على تأطير رد فلسطيني شعبي يعبر عنا وعن حقوقنا، بمعزل عن السلطة ونظيراتها من قوى وفصائل فلسطينية تشاركها مسؤولية ما نحن فيه اليوم.