واقع الضفة الغربية: الضم والسيطرة

واقع الضفة الغربية: الضم والسيطرة

29 سبتمبر 2019
الضم يعني اقتطاع 28% من مساحة الضفة(مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -
لا شك في أن الضفة الغربية والقدس شهدتا تحولات استيطانية وديموغرافية كبرى منذ عام 1967، اشتدت وتيرتها بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، وصعود اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى سدة الحكم بعد عام 2009، في سياق تطبيق مخطط السيطرة الأمنية والعسكرية الشاملة على الضفة الغربية، وتنفيذ المخطط التهويدي التوراتي على مدينة القدس والأماكن المقدسة. ولم يكن غور الأردن وشمال البحر الميت بعيداً عن هذه المخططات الاستيطانية، فقد سيطر الاحتلال عملياً على أكثر من 88% من مساحة الأغوار وشمال البحر الميت البالغة 2400كم2، وتمكن من تقليص عدد الفلسطينيين بنسبة 40% منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967.

لقد قامت سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي دشنتها حكومات حزب "المعراخ" أو العمل الإسرائيلي المحسوبة على معسكر اليسار التاريخي، واستكملتها أحزاب اليمين بعد عام 1977، وليس انتهاء بنتنياهو واليمين الديني والعلماني المتطرف، على السيطرة على الضفة الغربية والقدس. كانت مخططات الاستيطان وخرائط السيطرة العسكرية الأمنية في الضفة الغربية تقتصر على وضع اليد على المناطق الاستراتيجية الحاكمة، والتلال الهامة، والأحواض المائية، بالإضافة إلى غور الأردن، إلا أن الواقع الفلسطيني بعد اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية وحالة التردي العربي شجعت اليمين، وحتى أحزاب الوسط، على سياسة أكثر جسارة على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وتتمثل هذه السياسة في تهويد وأسرلة مدينة القدس بالكامل، مع تقويض التواجد الفلسطيني الديموغرافي إلى 12% من عدد السكان الكلي، وابتلاع الضفة الغربية، وحشر الفلسطينيين في أقل بقعة جغرافية محاصرة بالمستوطنات والجدران والطرق الالتفافية والثكنات العسكرية. وعليه، نجح اليمين الإسرائيلي الحاكم، خلال العقد الأخير، بالاستناد إلى حقائق الحكومات السابقة، في خلق واقع سياسي واستيطاني وديموغرافي مختلف عما كان عليه واقع المدينة المقدسة والضفة الغربية وغور الأردن عشية عدوان 1967، ومع بداية عام 2019 كان واقع الضفة والقدس كالتالي:

تستحوذ المستوطنات على نحو 12% من مساحة الضفة الغربية، فقد وصل عدد المستوطنات في الضفة والقدس بداية عام 2019 إلى 198 مستوطنة و220 بؤرة استيطانية "عشوائية" يقطنها حوالي 820 ألف مستوطن، منهم 320 ألفا في القدس و9500 في غور الأردن.

يسيطر الاحتلال واقعياً على أكثر من 80% من المنطقة "C" أو "ج"، بحسب اتفاق أوسلو، والتي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، وتتوزع ما بين مناطق استيطانية وطرق التفافية، وثكنات عسكرية، ومحميات طبيعية، "وأراضي دولة"، ومناطق متفرقة ما بين جدار الفصل العنصري والخط الأخضر.

يقتطع جدار الفصل العنصري الذي يبلغ طوله حتى الآن 725كم، حوالي 13%، من مساحة الضفة والقدس البالغة 5840كم2، ويمتد الجدار من أقصى شمال الضفة الغربية إلى جنوبها، ويتلوى في عمق الضفة الغربية والقدس الشرقية ما بين بضعة كيلومترات إلى أكثر من 100كم، ضاماً معه الكتل الاستيطانية الكبرى وبعض المناطق الفلسطينية شبه الفارغة، ويعزل الجدار في القدس 30 تجمعًا فلسطينيًا يقطنها حوالي 150 ألف فلسطيني، أي حوالي 38% من سكان محافظة القدس.

تفتقد مناطق التجمعات الفلسطينية والتي تبلغ حوالي 39% من مساحة الضفة والقدس إلى التواصل المباشر بفعل المستوطنات والطرق الالتفافية والمناطق العسكرية، وتنقسم الضفة إلى ثلاثة أجزاء رئيسية، وهذه الأجزاء تتشظى إلى أكثر من ستين معزلا، والتي تبدو فيه التجمعات الفلسطينية كالجزر المتناثرة في بحر المستوطنات، في وقت تتمتع فيه المستوطنات، والتي تشبه دولة داخل الضفة الغربية، بشبكة تواصل سريعة وكفؤة، عبر منظومة حديثة من الطرق والأنفاق والجسور.

غور الأردن ووعود نتنياهو بالضم
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، في سياق المعركة الانتخابية، عن نيته ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت، في حال فوزه بالانتخابات. ورغم أن حديث نتنياهو جاء لدعاوي انتخابية، إلا أن فكرة الضم جزء من التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي للسيطرة على الضفة الغربية، وتأمين محيطها أمنياً وعسكرياً، وفصل الضفة الغربية نهائياً عن امتدادها الجغرافي العربي مع الضفة الشرقية لنهر الأردن.

وقد شكل مخطط يغال آلون، وزير العمل الإسرائيلي عام 1967 الاستيطاني، الأرضية لكل المخططات الاستيطانية والأمنية بعد ذلك، والذي يقترح أن يكون نهر الأردن هو الحدود الشرقية لإسرائيل، أي ضم غور الأردن، وتشييد حزام استيطاني من الشمال إلى الجنوب، مع بناء سلسلة من الاستحكامات العسكرية حتى يتم الفصل ما بين شرق وغرب نهر الأردن. وعليه، لا يمكن النظر إلى نوايا نتنياهو بضم غور الأردن وشمال البحر الميت فقط من زاوية المنافسة الانتخابية وحشد أصوات اليمين والمستوطنين، فهناك ما يسمى "بالإجماع الوطني الإسرائيلي" على مخطط الضم، أي أن المسألة عابرة للأحزاب مع بعض الاستثناءات المتواضعة، وراسخة في جوهر الرؤية الامنية والاستراتيجية. وحتى لو تراجع نتنياهو بعد الانتخابات إن شكل حكومة، فإن أي حكومة قادمة ستنتظر الفرصة المواتية للسير قدماً في مخطط الضم، ولكن في حال فرض نتنياهو أو أي حكومة إسرائيلية قادمة المخطط، فما شكل الضفة الغربية، وما تداعيات ذلك على مشروع الدولة الفلسطينية أو حل الدولتين وعملية التسوية الذي ما زالت السلطة الفلسطينية تعول عليه:

تنفيذ مخطط الضم يعني اقتطاع حوالي 28% من مساحة الضفة الغربية (باستثناء مدينة أريحا التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية وتشكل 7.4% من مساحة الأغوار) والتي تمثل منطقة "C"، حسب اتفاق أوسلو، 88% من مساحتها، ما يعني إبقاء 35% فقط من مساحة الضفة الغربية للسلطة لتفاوض عليها في المستقبل.

خطوة أخرى على إفراغ حل الدولتين من مضمونه، فماذا يتبقى للسلطة الفلسطينية بعد اقتطاع 28% لصالح إسرائيل؟ مزيد من الضغط والحصار على حوالي 65 ألف فلسطيني في الأغوار لدفعهم إلى ترك أراضيهم والهجرة إلى أي جهة أخرى. حرمان الفلسطينيين من مخزون مائي استراتيجي والذي يتركز في حوض شمال الأغوار، واقتطاع حوالي 38% من مساحة الأغوار، وهي مناطق زراعية خصبة تعتبر جزءا أساسيا من الثروة القومية الغذائية الفلسطينية، لصالح الإسرائيليين.

إن الناظر إلى المزاج العام الإسرائيلي بكافة أطيافه السياسية والحزبية، وفائض التطرف بين اليمين الإسرائيلي العلماني، واليمين الديني الاستيطاني الأشد تطرفاً، والواقع الدولي شبه المتواطئ، والإقليمي المتواطئ أو اللامبالي (إن لم تحدث مفاجآت)، يدرك أن المشروع الصهيوني الهادف إلى ضم أكثر من 60% لصالح المشروع الاستيطاني، يسير بخطى حثيثة إلى الأمام، وأن الأغوار ومنطقة شمال البحر الميت تحظى بالأولوية في مشروع السيطرة والضم، فيما يشبه الإجماع لدى المجتمع والقيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية.