الفيتو الإسرائيلي

الفيتو الإسرائيلي

29 سبتمبر 2019
+ الخط -
تتمتع" إسرائيل" بحق فيتو دولي يعلو على ما تتمتع به الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، المملكة المتحدة)، وإن كان بطريقة مختلفة عن تلك الدول، إذ ليس لدولة الاحتلال الحق في إجهاض أي من قرارات مجلس الأمن الدولي أثناء انعقاد الجلسة كدول المجموعة، لكنها تطبق حق الفيتو على أرض الواقع، مع الثقة المطلقة بأنها محمية من تبعات استهتارها بأي من القرارات والقوانين الدولية، بل وتجاهر بعزمها على انتهاك القانون الدولي ضاربة به عرض الحائط، غير مبالية ولا مكترثة بأي نتائج مباشرة أو غير مباشرة، عملية كانت أم سياسية واقتصادية، حتى فيما يتعلق بصورتها الدولية المزعومة شعبيا ورسميا.

ومنها، على السبيل الذكر لا الحصر، تصريحات رئيس الوزراء "الإسرائيلي" نتنياهو ضمن حملته الانتخابية الأخيرة، التي تعهد من خلالها بعدة أمور تنتهك القانون الدولي المزعوم، كإعلان السيادة الإسرائيلية على مناطق قال إنها تشكل أهمية "أمنية وتاريخية" في الضفة الغربية المحتلة، بالإضافة إلى تعهده بضم الأغوار بعد الانتخابات، وتشديده على عدم ضم أي من البلدات والقرى الفلسطينية الموجودة في هذه المناطق، بالتزامن مع ضرورة السماح للفلسطينيين باستخدام "الطرق الإسرائيلية" التي تتيح لهم التوجه شرقاً أو غرباً، مما يفتح الباب أمام حملة تطهير عرقي جديدة في المنطقة، وترانسفير جديد للفلسطينيين. وهو ما يمثل انتهاكاً لعدة قوانين وقرارات ومعاهدات، كتلك الموقعة مع الجانب الفلسطيني بإشراف أميركي ودولي، مرورا ًبنقض قرار التقسيم، وعشرات القرارات الأممية الأخرى، التي تدين وتجرم الاستيطان وفرض السيطرة على أراضي الغير بالقوة العسكرية، وجميع سياسات فرض الأمر الواقع، وليس انتهاء بتلك التي تعنى بالجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي.

طبعا لا يمكن اعتبار تصريحات نتنياهو الانتهاك الأول ولن يكون الأخير، بل على العكس نجد في تاريخ الاحتلال الحديث والقديم نسبيا انتهاكات كثيرة وعديدة أكثر فداحة وألما، من اقتحام المسجد الأقصى، إلى حصار قطاع غزة، ومئات المجازر والممارسات التي تنتهك حرمة الأراضي الفلسطينية، وتحاصر الفلسطينيين، وتخنقهم، وتدفعهم خارج أراضيهم ومنازلهم ووطنهم مرغمين لا مخيرين. وعليه لا يمكن اعتبار تعهدات نتنياهو الأخيرة مجرد هواجس شخصية ناجمة عن الخوف من خسارة المعركة الانتخابية فقط، بل هي جزء أصيل ومكون أساسي من بنية الإجرام والعنصرية الصهيونية المسؤولة عن عذابات الفلسطينيين وعن مئات الجرائم بحقهم، وعلى رأسها عمليات التطهير العرقي المستمرة حتى اللحظة، وهي أيضا تجسيد جديد للاستثناء الإسرائيلي الذي يعطيها حق فيتو عالمي غير قابل للمس مهما أوغلت في الإجرام وفي المجاهرة به.

لكن وبذات الوقت فإنه انتهاك جديد في ظل ظروف ومعطيات جديدة، كتطور وسائل الإعلام وسرعتها وتعددها وسهولة نقل المعلومة وتوثيقها في ثوانٍ معدودة، التي قد تعود علينا وعلى حقوقنا المشروعة والكاملة بالنفع إن امتلكنا الإرادة والكفاءة المناسبة لاستثمارها، ولنا في تعليق إدارة فيسبوك مؤخراً حملة الليكود الانتخابية عبر موقعها مثالا لذلك. ومن تلك الظروف أيضا تصدع العملية التفاوضية، إن لم نقل انهيارها، وهو ما فتح ويفتح الباب واسعا في الأوساط الفلسطينية والشعبية العربية أمام نقاشات واستقراءات واسعة تطاول جميع تفاصيل القضية الفلسطينية، من أدقها حتى برنامجها الوطني أو التحرري، وشرعية أو عدم شرعية منظمة التحرير والفصائل والقيادات الحالية، وهو ما ينذر بأفق جديد يلوح في المستقبل القريب نسبياً. وصولا إلى تصاعد الشكوك والمخاوف من انهيار القيم والمبادئ التي شيد على أساسها - ولو نظرياً - النظام العالمي، ممثلا بالأمم المتحدة وهيئاتها العديدة، الأمر الذي قد يشيع أجواء الاضطراب دوليا، ويهدد السلامة والاستقرار العالمي، مما يدفع العديد من شعوب العالم نحو البحث عن مكمن الخلل العالمي، وعن جوهر السبب الكامن وراء تفشي الحروب، وحماية المجرمين والقتلة أفرادا كانوا أم مؤسسات ذات حضور وشرعية دولية كممثلي دولة الاحتلال.

لذا وعلى ضوء هذه المعطيات، واستنادا إلى الحقائق الميدانية التي تؤكد نوايا الاحتلال العنفية والإجرامية، قريبة وبعيدة المدى، تجاه الأراضي والمواطنين الفلسطينيين والعرب إجمالاً - كإعلان السيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان -، فإن علينا التعاطي مع هذه التهديدات بجدية وحذر كاملين، بعيداً عن حرب التصريحات الهزلية من قبل السلطة الفلسطينية، والتي هددت ربما للمرة الألف بوقف العمل بجميع الاتفاقات والمعاهدات المبرمة مع الاحتلال!!! بحيث يتم التعامل معها وفق منطق منهجي وجذري يضع تصريحات نتنياهو الأخيرة ضمن سياقها التاريخي الحقيقي والكامل، الحافل بمئات التصريحات الرسمية والحزبية "الإسرائيلية"، الرامية إلى رفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة كاملة، مهما كان موقعها وحجمها. كما أنها تتطلب رؤية وطنية وإنسانية شاملة وكاملة، تعبر عن تطلعات وحقوق جميع الفلسطينيين في الضفة وغزة، وفي الأراضي المحتلة عام 48، والقدس وجميع دول الشتات، وذات مضمون حضاري وإنساني يمد يده نحو الآخر المتحرر من قيود الصهيونية الإجرامية والعنصرية، من أجل القضاء على مرتكزات الحركة الصهيونية وإقامة دولة علمانية فلسطينية على كامل التراب الوطني، يتمتع فيها مواطنوها بكامل حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية دون أي تمييز ديني أو عرقي.