ألمانيا..تحدي الاندماج والشعور بالاغتراب

ألمانيا..تحدي الاندماج والشعور بالاغتراب

29 سبتمبر 2019
الاختلاف الثقافي والقيمي يعيق الاندماج في ألمانيا (العربي الجديد)
+ الخط -
تزداد هذه الأيام في برلين سجالات ونقاشات، على خلفية دراسة شاملة تتعلق بمجتمعات اللاجئين ــ المهاجرين، حول تأثير "الاختلاف بين ثقافة البلد الأصلي لبلدان الجاليات وثقافة مجتمع ألمانيا"، بشأن قضية الاندماج في المجتمع. فبحسب دراسة استقصائية محايدة وأكاديمية شاملة، بمشاركة باحثين وخبراء، في مجال الهجرة من جامعة لايبزيغ، يرى اللاجئون والمقيمون في ألمانيا أن "الاختلاف الثقافي بين الوطن القديم والجديد (ألمانيا)" يعد أمرا معيقا في مجال الاندماج التام وصعوبة في التعامل في البلد. ووفقاً لما ذكر المستطلعون من المقيمين الأجانب، هناك اختلاف مثلاً في ما يخص حقوق ومساواة المثليين، وهي من القضايا الهامة التي يلتزم فيها القانون الألماني ويمنع مضايقتهم أو الإساءة لهم.
وعبر نحو 40 في المائة من المستطلعين ممن حضروا كلاجئين خلال السنوات الماضية أنه "صعب جدا" عليهم التكيف مع هذه الاختلافات، على رغم اتفاق 30 في المائة أن تلك الحقوق في المساواة أمر طبيعي، حتى في دولهم.

أهم الفوارق الثقافية ــ المجتمعية المعيقة
وعلى الرغم من تركيز بعض أهم وسائل الإعلام الألمانية، مثل "شبيغل" على تلك القضية، إلا أن الدراسة تفيد أيضا بأن الفوارق الثقافية التي يصعب على الجاليات التعايش والتكيف معها تتعلق بـ"أهمية الأسرة". فالمستجيبون يرون بنسبة الثلثين أن "الألمان منشغلون أكثر بأنفسهم بشكل فردي وليس بعلاقاتهم الأسرية". ويفيد هؤلاء وبينهم أبناء جاليات عربية وبنسبة 40 في المائة أنه يصعب عليهم جدا التعايش مع مثل هذه الثقافة السائدة في البلد. وإلى جانب ذلك، ورغم أن نسبة 85 في المائة يرون أنه "مهم لألمانيا أن يكون فيها مساواة بين الجنسين (الرجال والنساء) من حيث الواجبات والحقوق"، إلا أنهم، أي المستطلعين، يعترفون بنسبة 49 في المائة أن هذه القضية لم تكن ذات أهمية في ثقافة مجتمعاتهم الأصلية، واعترف هؤلاء بأن هذه المساواة (الاختلاف بين ثقافتي المجتمعين) يسهل عليهم التعاطي معها في ألمانيا.

وفي ما يتعلق بثقافة "سيادة القانون"، رأى المستطلعون وبنسبة 80 في المائة أنها قضية مهمة في ألمانيا، ليتم التعامل مع جميع الناس على قدم المساواة، وهو عكس ما كانوا يظنونه في بلدانهم الأصلية حيث لم تتجاوز الأهمية لسيادة القانون سوى على 57 في المائة من المستطلعين.

الخبراء الذين شاركوا في سبر غور الاختلافات بين الخلفية الثقافية للجاليات ومجتمعهم الذي يعيشون فيه في ألمانيا، وجدوا أيضا أن تلك الفوارق "القيمية والمعيارية تلعب دورا مهما حتى في مسألة مناقشة الاندماج وسياساته المتبعة في ألمانيا، وخصوصا أثناء حلقات دروس الدمج التي تقدم للاجئين والمهاجرين". ويوصي الخبراء بأنه "لكي يكون لبرامج الدمج الثقافي والاجتماعي نتائج مفيدة وناجحة، يجب أن تحتوي الدورات على مضامين تتعلق بثقافة ألمانيا في أهمية المساواة وعلى مسائل البنى الأسرية والمشاعر تجاه أفراد العائلات وعلاقاتها العاطفية".
أعراض ما بعد الصدمة
من ناحية أخرى، لا تبدو قضية مصاعب الاندماج في ألمانيا، والتي يعاني منها أبناء جاليات مهاجرة، وبينهم العرب، كأكبر مجموعة لاجئين وصلت إلى ألمانيا خلال السنوات من 2015 وما بعدها، بحسب خبراء متخصصين في جامعة لايبزيغ، منفصلة عن الوضع النفسي لهؤلاء المقيمين الذين يسعى نظام الهجرة إلى دمجهم في المجتمع. فقد أظهرت الدراسة أن 2 من كل 3 لاجئين يعانون من مشاكل نفسية تتعلق بأعراض الصدمات التي تعرضوا لها قبل وصولهم إلى البلد، وخصوصا بين الذين يقيمون في معسكرات انتظار الحصول على إقامات.
وبيّنت دراسات سابقة في العام الماضي أن نحو 430 ألف طالب لجوء ممن تواجدوا في برلين، كمقيمين ومنتظرين حسم وضعهم القانوني، وبينهم نحو 23 ألف قاصر وطفل، يعانون من مشاكل نفسية بدرجات متفاوتة، إلى جانب الشعور بإنهاك معنوي وجسدي.


وحاول المسؤولون عن أوضاع الأطفال، مساعدة هذه الفئة من القُصَّر بالاستفادة من برامج علاجية دنماركية تستند على الموسيقى والحركية لتخفيف حالة الصدمة والتوتر النفسي عند الأطفال بسبب أهمية الموضوع في سياق دمجهم في المجتمع. وكان المشروع الدنماركي أثبت نجاعته بعد 2015 في تخفيف التوتر والخوف لدى الأطفال من خلال تلك المشاريع التي قام بها "مجلس اللاجئين" ومختلف البلديات المستقبلة لهم منذ 2015. وتتسم حالة من يعانون من صدمات ننفسية، وفقا للباحثين، بـ"ميل نحو عدوانية وقلق ويأس". وفي الدراسة الجديدة الصادرة في لايبزيغ يوم الأربعاء الماضي، يتبين أن ثلث اللاجئين في ألمانيا يعانون من "أعراض اضطراب ما بعد الصدمة"، PTSD. ويربط هؤلاء بين تلك الأعراض ومصاعب الاندماج والتكيف، إذ يصبح الأمر مرتبطا بأعراض "نفسية ــ جسدية"، حيث يؤثر العاملان واحدهما على الآخرعلى شكل شيوع القلق وأعراض اكتئاب واضطرابات معنوية.

الخبراء يرون أن كل تلك الأمور تضع مئات الآلاف خارج الاندماج في تلبية مطالب متابعة العمل أو دورات تعليم اللغة والثقافة في المجتمع والاحتكاك الإيجابي بالمحيط. وعلى مدى عامين من البحث والتقصي في ألمانيا لجاليات من دول عديدة، وبينهم من سورية والعراق ودول عربية أخرى، وبما يشمل الجنسين، رأى هؤلاء المختصون أن النتيجة "ليست مفاجئة نظرا لما عايشه القادمون في دولهم الأصلية من عنف وحروب وتفريق عن العوائل أو الآباء بالنسبة للشبان والقصر"، وفقا لما ذكرت البروفسورة في جامعة لايبزيغ هايدي غلايسمر.
وكثيرا ما يشكو بعض المقيمين في ألمانيا من "غياب تفهم" مراكز التشغيل لأوضاعهم النفسية في محاولة فرض التشغيل في أية مهنة، ولو كان البعض غير قادر على تلبية اشتراطات تلك الأعمال. ويبدو أن الدراسة الجديدة، والتركيز على الحالة النفسية، سيعيدان مرة أخرى النظر في كيفية التعاطي مع معاناة نفسية لدى فئة ليست قليلة من المقيمين في ألمانيا.

دلالات

المساهمون