المصالحة الفلسطينية... الطريق الأقصر للمقاومة

المصالحة الفلسطينية... الطريق الأقصر للمقاومة

29 سبتمبر 2019
الحقوق الفلسطينية ضاعت في متاهة الانقسام(جعفر اشتيه/فرانس برس)
+ الخط -
تفردت إسرائيل في المنطقة واستفردت بالفلسطينيين، أرضهم وحريتهم وحتى ثورتهم وأحلامهم، وقد باتت تعلن ما في جعبتها على الملأ، لا كمجرد وعد انتخابي، كما يظن البعض، لكن كإيديولوجية وكإستراتيجية وكأمر واقع. وتقول تل أبيب أنها ستضم ما تبقى من أرض فلسطين، ثم تفاخر وهي في ذروة النشوة من تمددها وفتح أبواب بعض العرب التي كان يُظن أنها مغلقة في وجهها، بأنها لن تسمح لهم بإقامة دولة فلسطينية وإنّ كانت على حدود الرابع من حزيران من العام 1967. تسرق اسرائيل أرض الفلسطينيين وتاريخهم وأعمارهم ومياهم وثرواتهم من باطن الأرض، ولم يكن ذلك بفضل قوتها أو تخطيطها وحسن تدبير منها، بقدر ما كان ذلك بفضل تآكل في المشروع الوطني الفلسطيني واستمرار الخلل في أدواته وسوء تقدير في قراءة المتغيرات الإقليمية والدولية.

لا يختلف الفلسطينيون على ضرورة التحرير لكنهم يختلفون كيف يمكن التحرير وهنا يتنازع مشروعان في ذلك، مشروع التسوية التائه منذ ربع قرن ومشروع المقاومة الذي شيطنته اسرائيل وأخذت منه ذريعة للخروج للحروب المتكررة.

لم يكتف الفلسطينيون باختلاف الأدوات لكن الأمر تدحرج إلى الانقسام وهو مصطلح تجميلي للاقتتال الذي حدث في العام 2007 ، ولا يزال مستمراً وقد أتت تبعاته على الأخضر واليابس فحتى الحاضنة الشعبية ممثلة في الانسان الفلسطيني تآكلت وتراجعت وباتت تتحمل تكلفة اللاشيء، لا تسوية ولا مقاومة، ووقفت على قارعة طريق بين المشروعين. لم ينجز مشروع الدولة ولم تحرر الأرض وإسرائيل هي المتحكم في كل شيء بما في ذلك السعرات الحرارية التي يستهلكها الفلسطيني، ورغم ذلك يستمر الانقسام ويتمسك كل طرف بروايته حتى بات حديث التصالح وجولاته وحواراته مثار تهكم بين عامة الناس الذين يعيشون في عنق الزجاجة منذ أكثر من عقد من الزمان.

لا خيارات ولا أدوات ولا بدائل ولا يمكن إيقاف التآكل الحاصل داخلياً والزحف الإسرائيلي خارجياً إلا إذا اتفقنا كفلسطينيين على الأدوات والخيارات والقراءات والقرارات. إنّ استمرار الانقسام يعني استمرار النتائج المترتبة عليه، من تآكل وزحف وتراجع وتردّ وربما تلاشي المشروع الوطني وتلاشي القضية بعدما تلاشت الحركة الوطنية الفلسطينية لصالح مكوناتها.
الوحدة الوطنية الحقيقية، القائمة على الشراكة والتفاهم والتعاضد، هي السبيل وهي الطريق وهي الممر الإجباري لوقف هذا التآكل الحاصل في كل ولكل ما هو فلسطيني. والمطالبة بالوحدة اليوم ليست شعاراً يمكن التلاعب بألفاظه، بل ضرورة وطنية كبرى في ظل التحديات الراهنة، ومنها تكليف نتنياهو بتشكيل حكومته السادسة في إسرائيل والتهديدات الوجودية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يجاهر بدعمه اللامحدود لإسرائيل ورفضه المطلق للتعاطي مع الفلسطينيين.

ويمكن البناء على مبادرة الفصائل الثمانية التي قدمت في 19 من الشهر الجاري لإتمام المصالحة، والمصالحة اليوم بحاجة إلى نوايا صادقة وليست بحاجة إلى كثير من الجهد، وإذا صدقت نوايا الطرفين وتحللا من الضغوط الخارجية فالمصالحة هي الطريق الأسهل والممر الأهم لتجاوز محاولات تصفية القضية الفلسطينية.