عن وهم الرؤية المصرية للمصالحة

عن وهم الرؤية المصرية للمصالحة

28 يونيو 2019
+ الخط -
لا يمكن الحديث أبداً عن رؤية مصرية جديدة وجدية للمصالحة الفلسطينية، ما جرى تسريبه بهذا الخصوص بعد زيارة وفد المخابرات المصرية لرام الله وغزة منتصف يوليو/تموز الجاري، ليس سوى ترويج لوهم وألعوبة سياسية إعلامية للتغطية على فشل وتعثر المصالحة، كما لفت الانتباه عن السبب الحقيقي لزيارة الوفد الأمني المصري لرام الله.

ثمة ثلاثة أسباب رئيسية حالت وتحول دون إنجاز المصالحة، أولها الدور الإشكالي المريب للوسيط المصري ثم مواقف الرئيس محمود عباس المصرّ على الإمساك بكل السلطات والصلاحيات بين يديه، وأخيراً مقاربة حماس المتضمنة رفض التخلي عن سلطتها في غزة باعتبارها حقاً ديمقراطياً وواقعياً، كما عن سلاحها الذي تعتبره غير قابل للنقاش أصلاً.

نشرت "العربي الجديد" في 12 تموز/ يوليو الماضي أن الوفد المصري حضر إلى رام الله لغايات أميركية، وأن الهدف الرئيسي للزيارة تمثل بتخفيف حدة الموقف الفلسطيني من الإدارة الأميركية وصفقة القرن، ومحاولة إقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتهدئة وانتظار الاطلاع على الصفقة والتفاوض حولها على الأقل، وعدم معارضتها مسبقاً. وهنا يمكن تذكر الغزل الأميركي بعباس وقيادة السلطة بالتزامن مع وجود الوفد المصري في رام الله.

أضافت "العربي الجديد" كذلك نقلاً عن مصادر مطلعة أن المصالحة لم تطرح بشكل جدي موسع، وإنما على نطاق ضيّق من باب وقف التراشق الإعلامي، وعدم الذهاب نحو تصعيد أكبر بين طرفي الانقسام.

قال جبريل الرجوب عضو اللجنة المركزية لفتح في التسريب الشهير -خلال اتصاله مع القيادي في حركة حماس حسام بدران – إن النظام المصري هو العراب الرئيسي لصفقة القرن، والمكلف بالترويج لها إقليمياً، وهذا صحيح طبعاً ونراه ونلمسه علناً من خلال تساوق النظام التام مع السياسة الأميركية الإسرائيلية. هنا يمكن تذكّر تهجير أهالي مدينتي رفح والشيخ زويد لتفريغ المنطقة الحدودية المخصصة وفق صفقة القرن لإقامة مشاريع إنمائية تخص غزة، كما قرار الجنرال السيسي الأخير بتمكين الجيش من مطار العريش الذي سيوضع أيضاً في خدمة غزة وفق الصفقة الهادفة أساساً إلى تصفية القضية الفلسطينية، وشطب ثوابتها المركزية.

وبعيداً عن صفقة القرن والتورط فيها فإن النظام المصري لا يملك الأهلية والمناقبية للوساطة، وببساطة فإن فاقد الشيء لا يعطيه، ومع انهيار الأوضاع على كافة مستوياتها في مصر، وإجهاض النظام أي حلول أو آفاق للتسوية الداخلية تصبح قدرته على إنجاز المصالحة الفلسطينية أمراً صعباً، وحتى مستحيلاً.

أما فلسطينياً؛ فيعتقد الرئيس محمود عباس منذ اتفاق الشاطئ - 2014 - أن الظروف وموازين القوى تعمل لصالحه، لذلك سعى إلى فرض الاستسلام على حماس، وتسلم السلطة كلها في غزة لتصبح كما الضفة خاتماً في إصبعه -حسب تعبيره الحرفي – وبعد صموده ونجاحه في مواجهة صفقة القرن، وإفشال ورشة البحرين زاد استبداداً وغروراً، وقرر الهيمنة حتى على السلطة القضائية بعدما فعل ذلك مع السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو ما زال متشدداً في شروطه تجاه حماس - أبلغها بشكل عام للوفد المصري - المتمثلة بتمكين حكومة محمد اشتية بالكامل، ولا حديث عن شراكة طبعاً ولا عن انتخابات رئاسية، بل برلمانية فقط، وعموماً يتصرف عباس بذهنية استبدادية تقليدية وفق القاعدة الأحادية "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".

حركة حماس من جهتها ما زالت تصر ورغم ظروفها الصعبة، خاصة مع قيادتها الحالية على عدم التفريط بسلطتها فى غزة، تتحدث عن شراكة وحكومة توافق تجري انتخابات شاملة رئاسية وبرلمانية، وعقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، كما ترفض التنازل عن سلاحها. ولكن تقبل وضعه تحت وصاية المنظمة بعد إصلاحها، رغم أن هذا يتعارض مع اتفاق أوسلو-تحدث فقط عن قوة شرطية قوية- المنظم لعمل، بل وجود السلطة نفسها الذي لم يتم إلغاؤه كما الاتفاقيات السياسية الاقتصادية الأمنية المجحفة المنبثقة عنه.

لذلك بناء على المعطيات السابقة فلا حلحلة أو تقدماً جدياً في عملية المصالحة، والوسيط المصري فاقد الشيء والعاجز عنه، كانت حركته وما زالت محكومة بالسقف الأميركي الإسرائيلي لضمان عدم الانفجار في غزة، وتطويع السلطة في رام الله لضمان عدم ذهابها بعيداً في معارضة صفقة القرن، وبالتالي إحراج القاهرة وعواصم الثورة المضادة الداعمة للصفقة جهراً وليس سراً.