فلسطين… نفي الأصلية لتمرير الجديدة

فلسطين… نفي الأصلية لتمرير الجديدة

26 مايو 2019
+ الخط -
فلسطين الجديدة، هذا مصطلح محض خادع في الحقيقة، هو الاسم الحركي لصفقة القرن الأميركية التي تسعى لتصفية القضية، نفى تشويه فلسطين الأصيلة والأصلية. كما أرادها تمناها أبناؤها ومناصروها، والتي باتت قديمة بنظر واضعي الصفقة ولا تصلح للزمن الجديد، زمن الرئيس دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وحلفائهم الموتورين والدمويين من الفلول الجدد في العالم العربي.

فلسطين الجديدة هي إذن الاسم الحركي المخادع للصفقة الهادفة لتصفية القضية، واستخدام وصف الجديد هنا هو أيضاً للتحايل والتلاعب والإيحاء كأننا أمام شيء جذاب برّاق ومفيد أفضل من القديم، الذي تقادم وعفى عليه الزمن.

مصطلح الجديد له علاقة بالذهنية التي يفكر بها ترامب - ومساعدوه - ذهنية الغطرسة والقوة والانفصام، وتخيّل أنه وحده القادر على اجتراح الحلول الجديدة غير التقليدية، أو المألوفة الجديدة مثلما حدث في نقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة، كما كافة الملفات الأخرى مثل العلاقات مع المكسيك وكندا أو حلف الناتو والاتحاد الأوروبي والصين، وحتى الحلفاء أو المفترض أنهم كذلك مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتركيا.

جوهرياً فلسطين الجديدة تنفي وتلغي وتتناقض بشكل تام مع فلسطين الأصلية، الجديدة أو المصطنعة بالأحرى، هي بدون القدس عاصمة لها بعدما تم الاعتراف بالمدينة عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل، كما يقول ترامب ومساعدوه الصهاينة.

فلسطين الجديدة زوراً وبهتاناً والمصطنعة هي أيضاً بدون اللاجئين - نصف الشعب الفلسطيني - مع شطب حق العودة نهائياً وإزالته عن جدول الأعمال، وحتى التحايل لتغيير المصطلح ومعنى كلمة لاجئ، ليتم نسخه لدى الأبناء الأحفاد واقتصاره على الأجداد بعدما اتضح أن الذاكرة الجمعية عصية على النسيان وتوريث الأجداد لأحفادهم الذهنية الوطنية الجامعة المتمسكة بالعودة الرافضة للتنازل أو التفريط بحقوقهم في فلسطين الأصيلة والتاريخية.

فلسطين المصطنعة بدون حدود واضحة وقائمة على خطوط حزيران/ يونيو 1967، هي توجد حيثما الكثافة السكانية في المدن الفلسطينية والأرياف الكبرى. أما المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة فستبقى تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر. وهنا تستند الفكرة مباشرة إلى المقاربة الصهيونية الليكودية العنصرية المتطرفة بحشر أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين في أقل نسبة من الأراضي؛ 40 في المائة من الضفة، وأقل من 10 في المائة من فلسطين التاريخية، بينما تتم استباحة بقية مناطق الضفة التي تبلغ مساحتها الثلثين تقريباً، أي ستين في المائة، بما فيها غور الأردن، والتي تضم الأراضي الزراعية الخصبة وخزانات المياه الجوفية والتلال والجبال الاستراتيجية.

أما غزة في فلسطين الجديدة فمستنزفة مشغولة بنفسها، وبمشاكلها وأزماتها وإغراءات إعادتها إلى الحياة الطبيعية، وهي منفصلة عن الضفة الغربية وفق الوضع الراهن، حيث الإقرار والقبول، بل تشجيع الانقسام السياسي الجغرافي وتخلي الوسيط المصري وللأسف حتى أصحاب الشأن أنفسهم عن عملية المصالحة وتعقيداتها بعدما تحولت إلى مرض مزمن.

في فلسطين الجديدة ووفق سيرورة الأمر الواقع المراد تأكيده وتطويره، تتوجه غزة جنوباً نحو مصر - نظام عبد الفتاح السيسي أحد عرابي الصفقة الإقليميين - التي ستكون رئتها ومنفذها نحو العالم. أما شمالاً فتتوجه الضفة شرقاً نحو الأردن الذي سيكون مضطراً ورغم ممانعته للمسيرة كلها، إلى أن يكون كذلك رئتها ومنفذها نحو العالم.

فلسطين الجديدة ببساطة هي الاسم الحركي لشطب حقوق الشعب الفلسطيني وتحويله في الداخل إلى مجموعات سكانية متفرقة خاضعة لهيمنة الاحتلال ووصاية الدول العربية في الجنوب والشرق وتخييره في الخارج بين التوطين أو الهجرة إلى المنافي البعيدة.

فلسطين الجديدة تسعى إذن إلى تكريس تأكيد واقع الفلسطينيين الحالي في الوطن والشتات، مع بذل جهود لتحسين أحوالهم الاقتصادية الاجتماعية، لكن دون أي حقوق سياسية جماعية، تحديداً الحق الأصيل في السيادة العودة وتقرير المصير.

جانب سيئ آخر في فلسطين الجديدة يتمثل بسعي إدارة ترامب - كوشنر لاستخدام الأموال العربية لتصفية القضية الفلسطينية، وشطب حقوق الشعب الفلسطيني تحت ستار المساعدة في تحسين أحوالهم الاقتصادية الاجتماعية. أما الأسوأ فهو اشتراط المساعدة بقبول التسمية المخادعة كما الشروط العامة للصفقة كلها. الخطة لا تقتصر على شطب الحقوق وتصفية القضية، واستخدام أموال العرب لإخضاع الفلسطينيين، إنما استخدامها لتحقيق التطبيع العربي الإسرائيلي وتنفيذ المشاريع الاقتصادية المشتركة من دون أي ثمن سياسي جدّي مع تجاهل وشطب المبادرة العربية التي مثّلت الحدّ الأدنى المقبول عربياً، والأكثر بشاعة وضع بعض الدول العربية وإسرائيل في مواجهة الشعب الفلسطيني.

لا بد من الانتباه طبعاً إلى أن فكرة فلسطين الجديدة تكاد تكون تطبيقاً حرفياً لنظرية السلام الاقتصادي لليمين الصهيوني المتطرف من دون أي آفاق سياسية، مع تأخير وتأجيل القضايا الحقوق السياسية إلى أجل مفتوح غير مسمى على أمل أن يفرض الواقع نفسه ويتحول الحل المؤقت إلى حلّ دائم.

في الحقيقة لا شيء يعبّر عن جوهر حقيقة فلسطين الجديدة المصطنعة أكثر من توصيف عرابها - جاريد كوشنر - حين قال إنها رهان المال الذكي، صهر الرئيس العنصري المتغطرس وسمسار العقارات الفاشل يظن أنه سيستخدم أموال العرب بشكل ذكي لتمرير الصفقة، ولإجبار الفلسطينيين على قبولها والتنازل عن حقوقهم الوطنية المشروعة.

ببساطة هذه مقايضة ابتزاز لا يمكن أن يقبل بها الفلسطينيون أبداً. قال السفير الفرنسي السابق في واشنطن، جيرار أرو، والذي أنهى خدمته حديثاً، إن كوشنير صديقه ولا يعرف شيئاً عن القضية الفلسطينية وتاريخها وتعقيداتها، وأضاف أنه لو خيّر الفلسطينيون بين الموت أو الاستسلام والخضوع لإسرائيل، أي بين فلسطين الأصلية وفلسطين المصطنعة، سيختارون الأولى حتى لو قاتلوا من أجلها حتى آخر رجل، بل آخر طفل منهم.

السفير الفرنسي توقع فشل الصفقة بنسبة 99 في المائة، واعتبر كذلك أن إسرائيل في طريقها بل هي تحولت فعلاً إلى دولة أبارتهايد - فصل عنصري - بينما يسعى كوشنير وعصابته من الصهاينة المتطرفين عبر فكرة صفقة فلسطين الجديدة إلى إخفاء وتجميل العنصرية الإسرائيلية، ودفع الفلسطينيين للقبول بها مقابل تحسين أحوالهم المعيشية. هذا أمر لا يمكن أن يقبل به أي شعب حرّ، تحديداً الفلسطيني، بعد التضحيات الهائلة التي قدمها خلال قرن من الجهاد والصمود في مواجهة آلة القمع الاستعمارية الصهيونية المدعومة بلا حدود، وعلى كل المستويات من أميركا والغرب بشكل عام.