الضفة الغربية... أولوية الالتهام

الضفة الغربية... أولوية الالتهام

26 مايو 2019
ستقدم إسرائيل على إجراءات أحادية في الضفة(عصام ريماوي/ الأناضول)
+ الخط -
تتجه الأولوية السياسية في كيان الاحتلال الإسرائيلي في الفترة الراهنة إلى شرعنة احتلالها وبسط سيادتها على الضفة الغربية المحتلة، فبعد أن أطبقت إسرائيل سيطرتها بدعم أميركي على القدس المحتلة وشَرعت في إنهاء خدمات "أونروا" وأسقطت حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها وطوت الجولان المحتل تحت سيادتها، تتفرغ الآن لالتهام الضفة المحتلة وضمها لدولة إسرائيل باعتراف وقرار أميركيين، مغلفةً ذلك بوعود منمقة بإنشاء دولة فلسطينية جديدة تنبثق من صفقة القرن مبهمة المعالم.

بنيامين نتنياهو وخلال السباق الانتخابي الإسرائيلي في إبريل/ نيسان المنصرم تعهد على القناة 12 الإسرائيلية بضم أجزاء من الضفة الغربية تشمل الكتل الاستيطانية المتفرقة والصغيرة والمستوطنات المركزية والكبيرة، لتصبح جزءًا من السيادة الإسرائيلية، قائلًا في حديثه فيما يخص الضفة الغربية: "سننتقل إلى المرحلة التالية المتمثلة في تطبيق السيادة الإسرائيلية تدريجيًا على الضفة الغربية، ولن أتنازل عن المستوطنات فيها، وكل بؤرة استيطانية هي جزء من دولة إسرائيل ولن نُخليها كي يملأ الفراغ الإسلام المتطرف".

وصرح نتنياهو بأنه أطلع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه على نيته ضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى إسرائيل، مؤكدًا أن هذا الأمر سيتم بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية، وفي السياق ذاته وبعد تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة ذكرت تقارير صحافية إسرائيلية أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سيلجأ إلى عقد صفقة يبتز من خلالها شركاءه المحتملين في الحكومة المقبلة كي يوفروا له من خلالها شبكة آمنة لحمايته من الملاحقة في قضايا الفساد، مقابل الحصول على اعتراف أميركي بسيادة إسرائيل على المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.

الموقف الأميركي جاء منسجمًا مع ما صرح به نتنياهو، إذ في تصريح للسفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان أمام مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) قال إن الرئيس ترامب يفهم حاجة إسرائيل إلى الاحتفاظ بالضفة الغربية، وإن إدارة ترامب تتفهم حاجة إسرائيل لأن تكون لديها سيطرة أمنية غالبة في الضفة الغربية ضمن أي اتفاق سلام يتم التوصل إليه مستقبلًا مع الفلسطينيين.

فيما صرح وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أثناء مقابلة تلفزيونية مع قناة CNN، بأنه لا يرى بحديث نتنياهو الخاص بفرض السيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة أي ضرر بخطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط المعروفة إعلاميًا باسم صفقة القرن.

بات من الواضح أن أهم أهداف صفقة القرن هو تسهيل بسط السيادة الإسرائيلية على الضفة المحتلة وانتزاعها من أن تكون قابلة للتفاوض عليها في أي تسوية أو محادثات سلام لاحقة، وأن الصفقة تلبي الرؤية الإسرائيلية المستقبلية للصراع ونُسجت بما يتوافق مع مصالح دولة الاحتلال ويرسخ كيانها في المنطقة، ويمكن في هذا الشأن الاستدلال بما صرح به وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بشأن الموعد الذي ستكشف فيه الولايات المتحدة عن خطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية قائلًا: "سنتخلى عن المعايير القديمة التي تتعلق بقضايا مثل القدس والمستوطنات"، مؤكدًا فشل المقاربة القديمة، ومضيفًا أن "عرض خطة السلام الأميركية قد يستغرق 20 عامًا"، ويتضح من تصريح بومبيو أن الإدارة الأميركية ليس لديها خطة لتحقيق السلام في المنطقة ولن تكون هناك دولة فلسطينية لا جديدة ولا وفق حل الدولتين، وهذا ما ذهب إليه الصحافي الأميركي جوناثان كوك في مقال نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني، جاء فيه أن "إسرائيل حققت معظم أهدافها من صفقة القرن، وأبرزها: سرقة الأراضي، وضم المستوطنات، وتكريس هيمنتها الحصرية على القدس، دون أن تعلن بشكل رسمي أن تلك هي الخطة التي تسعى لتنفيذها على الأرض ودون أن تضطر إلى الاعتراف علانية بأن الدولة الفلسطينية باتت سرابًا".

إسرائيل ومنذ وقت مبكر شَرعت في تغيير الواقع الميداني في الضفة المحتلة من خلال مصادرة الأراضي الفلسطينية وتهويدها وبناء المستوطنات عليها، بما يقطع التواصل الجغرافي للمناطق الفلسطينية لتصبح كانتونات متباعدة، وشيدت جدار الفصل العنصري الذي عمل على تقطيع أوصال القرى والبلدات الفلسطينية وعزلها عن بعضها البعض، واستطاعت بأكثر من حيلة ووسيلة السيطرة على مصادر المياه الجوفية والموارد الطبيعية الموجودة في أراضي الضفة، وتَعمد الاحتلال الإسرائيلي زرع مئات الحواجز العسكرية على مداخل المدن الفلسطينية لتتحكم في الداخل والخارج منها، ولتعيق حركة المرور والتجارة وتصعب كل ما يتعلق بحياة الفلسطينيين فيها، فضلًا عن اعتمادها أسلوب شن حملات الاعتقال والتفتيش والمداهمات بشكل شبه يومي على التجمعات والبيوت الفلسطينية، وسعت إسرائيل إلى تكريس الفصل بين قطاع غزة والضفة المحتلة ورسخت التعامل مع كل منهما على أنه كيان منفصل عن الآخر، وقد منحها الانقسام الفلسطيني هذه الفرصة على طبق من ذهب، وتأتي خطوة محاولات ضم الضفة اليوم تتويجًا لتلك الخطط والإجراءات.

تسارعت في عهد ترامب تطلعات الحكومة الإسرائيلية وأطماعها في الضفة الغربية وتصاعدت خصوصًا بعد قراره بشأن القدس والجولان ومواقفه المؤيدة للتوسع الاستيطاني في الضفة ودعمه علانية لاستراتيجية إسرائيل التوسعية، وهي توقن أن ما يقدمه لها ترامب قد لا يقدمه لها غيره، واستغلت تلك الفرصة بطريقة مثلى، في حين أن السلطة الفلسطينية والطرف الفلسطيني عمومًا يمر بأضعف مراحله وأشدها غُربة، فمن حصار غزة إلى وقف الدعم المالي عن السلطة إلى محاولة القفز عن الإرادة الفلسطينية وفرض الحلول عليها من الخارج، وذلك في ظل ماراثون مبادرات التطبيع العربي مع إسرائيل والتحالف والتعاون والتنسيق العلني والعميق معها في مجالات مهمة وحساسة عنوانها مواجهة الخطر الإيراني.

يتبلور التصور الإسرائيلي لمستقبل الضفة الغربية في محاولة الاحتلال ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية، خاصة في غور الأردن والمرتفعات الغربية ومحيط القدس، وفي حال رفضت السلطة الوطنية مشروع صفقة القرن وفلسطين الجديدة، ستقدم إسرائيل على اتخاذ خطوات أحادية باتجاه ضم أكبر مساحة من الأراضي بأقل عدد من السكان العرب، ويبدو أن الحملة الإسرائيلية في المرحلة المقبلة ستكون موجهة ضد الضفة الغربية المحتلة وستلتهمها قطعة قطعة حتى تُضم بشكل كامل لدولة الاحتلال ويطرد جُل أهلها منها، ولن تنشئ دولة فلسطينية إنما ستفصل المناطق الفلسطينية بعضها عن بعض إلى قطع متناثرة تدار كل واحدة منها بمعزل عن الأخرى ويُشغل قاطنوها تحت فوهة بنادق الاحتلال بتدبير شؤون حياتهم اليومية وتلبية احتياجاتهم المعيشية فقط بعيدًا عن المطالبة بالحقوق أو التطلع للحرية وتقرير المصير، ما يعني بجملة أخرى الإجهاز على القضية الفلسطينية، أرضًا وشعبًا، وإنهاءها على الوجه الذي ترتضيه دولة الاحتلال الإسرائيلي.

المساهمون