الانتخابات الأوروبية.. أهمية التصويت لمصلحة الجاليات العربية

الانتخابات الأوروبية.. أهمية التصويت لمصلحة الجاليات العربية

21 مايو 2019
برلمانيون أوروبيون: مشاركة الجاليات أمر حاسم (ناصر السهلي/العربي الجديد)
+ الخط -

خلال العقود الثلاثة الماضية، بدأ جيل شاب عربي، في مجتمعات أوروبا، حيث ولد أو كبر، يتمرد على حالة "تهميش" ذاتي و"تحريم ديني" عن المشاركة السياسية والانتخابية في مجتمعاتهم، وإن بتفاعل بطيء، لكنه متراكم ومتزايد، لينفض عن نفسه اتهامات العزلة.

وأثارت أخيرا، في سياق التحضير لانتخابات برلمانية أوروبية، ومحلية في الدنمارك، على سبيل المثال، مبادرة قوية من قبل هؤلاء الشباب في مختلف مدن الدنمارك للرد العملي على حزب يدعو إلى تجريدهم، وأهاليهم، من الجنسيات وإبعادهم عن البلد، وتكرار استفزازات زعيم حزب "سترام كورس"، راسموس بالودان. استمالت مبادرة شابات وشبان، من أصل عربي، نحو أكثر من 10 آلاف منهم متعهدين أن يحولوا في 
إلى "تغيير في المشاركة الإيجابية"، والبعض يرغب بتوسيع التجربة لتشمل أبناء الجاليات في كل أوروبا.

"جاليات- العربي الجديد" حاورت بعض وزراء سابقين وبرلمانيين أوروبيين ومرشحين من أحزاب مختلفة وطلبة يشاركون في العملية الديمقراطية حول رؤيتهم لمشاركة أبناء الأقليات العربية.

فقد أثار الجدل حول مشاركة الجيل الشاب من أصل عربي في السجال الدائر حول الحقوق والواجبات في العملية الديمقراطية انتباه وسائل الإعلام والأحزاب السياسية، معتبرة إياها "نقلة ومؤشراً جدياً على أن البقاء على الهامش أمر غير مفيد بوجود ثقل انتخابي ضخم يمكن أن يمثله مواطنون من أصول مهاجرة في دول القارة، وبالأخص في الدنمارك"، بحسب ما تذكر السياسية المخضرمة، وعضو البرلمان الأوروبي خلال 15 سنة، والمستمرة في الترشح لهذه الدورة، مارغريتا أوكن.

وتذكر أوكن لـ"العربي الجديد" أن "المسألة لا يجب أن تقتصر على ردة فعل آنية، وأتمنى بحق أن يصبح الرد على هذا الجنون العنصري الشعبوي في القارة بخروج مكثف للعرب في كل مدن أوروبا ليقولوا: نحن هنا مواطنون نمارس مواطنتنا وحقنا وواجبنا".



وتعتبر مارغريتا أوكن وجها سياسيا معروفا في بلدها، فهي تنتمي لحزب "الشعب الاشتراكي" وكانت عضوا في برلمان بلدها لـ23 سنة وتقلدت مناصب عديدة في بلدها قبل أن تصبح الآن في البرلمان الأوروبي. وتضيف في سياق التجربة أن "الإحباط من وجود مرشح عنصري مثل راسموس بالودان ليس هو الرد، فلدينا في أنحاء القارة استغلال يميني متطرف لعزوف أبناء الأقليات، وبينهم ملايين العرب. انظر ما يجري في النمسا وألمانيا وفرنسا من تشدد.. بل حتى في سويسرا باتوا يجرمون من يقدم مساعدة للاجئ.. التفرج والجلوس على الكنبة والشعور بالإحباط لا يغير شيئا.. أرجو بعد هذه التجربة الطويلة من أبناء ذلك الجيل الذي عرفته عن قرب أن يخرجوا نحو الصناديق وليختاروا من يشاءون من الأحزاب ليقولوا ببساطة: نحن هنا ولا يمكن لأحد أن يتجاوزنا".

حتى في يمين الوسط تجد من ينظر هذه الأيام إلى مسألة مشاركة أبناء الجاليات في الانتخابات الأوروبية بأنها "رد عملي لإظهار أن لديك تأثيرا بممارسة حقك في بلد تحمل جنسيته، بلد قبول الاتهام بأنك تختار أن تكون سلبيا وعلى الهامش"، وفقا لما يذكر لـ"العربي الجديد" الوزير السابق وعضو البرلمان الدنماركي عن حزب "فينسترا" الحاكم، ياكوب المان ينسن.



زعيم حزب "راديكال فينسترا" (يسار وسط) ووزير التعليم السابق، وعضو البرلمان، مورتن أوسترغورد، يقول في السياق "إذا ما تركت المهمة للآخرين فسيقررون عنك، وأنت تتفرج فقط.. هذه المبادرة التي يقوم بها الشباب من مواطنين من خلفيات إثنية مختلفة يجب أن تتحول إلى حالة ثابتة، فممارسة حقك في المواطنة واجب لا يجب تركه لليمين المتطرف متسلحا بأن العرب وغيرهم على الهامش.. وأنهم لا يريدون أن يكونوا جزءا من مجتمعاتنا.. الرد يكون بقيامك بواجبك وحقك.. وأدعو أيضا حتى من لا يحملون جنسية وليس لديهم حق التصويت لإظهار أنفسهم والتطوع بمساعدة الأحزاب التي يرون أنها قريبة لتفكيرهم وتوجههم لتقديم يد المساعدة ولو بتعليق ملصق انتخابي، وبمثل هذه الطريقة يصبح الناس مرئيين وجزءا واضحا في العملية السياسية والديمقراطية، الأمر لا يتعلق فقط بالدنمارك بل أينما تواجد هؤلاء في أوروبا".

ومن البرلمان الأوروبي، يذكر عضوه ومرشحه مورتن هليفي بيترسن أن "العملية الانتخابية جزء أساسي من ديمقراطيتنا ومواطنتنا في أوروبا، ومن المهم جدا أن يشارك الناس ويظهروا حرصهم على مصالحهم وتأثيرهم، وخصوصا في هذه الأوقات التي يتقدم فيها اليمين المتطرف، فإذا كنت تريد إظهار معارضتك لهذا التيار ليس أمامك الجلوس في البيت والشعور بالإحباط، بل الخروج بكثافة وإظهار أن للناس وزنا يجب أن يؤخذ بالاعتبار".

ومن الملاحظ أن التحركات التي بدأت بمثل هذه المبادرة التي تتوسع أكثر مع اقتراب الانتخابات المحلية والأوروبية، وتسليط وسائل الإعلام والتواصل، على ما يقوم به أبناء الجاليات، باتت تدفع عددا من السياسيين إلى محاولة تغزل، وخصوصا في صفوف اليمين ويمين الوسط، بأصوات يظهر أنها ذاهبة للتصويت بقوة.
وباتت بعض المساجد، التي كانت تحرم سابقا المشاركة في الانتخابات، تحث الناس على المشاركة.
وفي ذات الاتجاه أيضا يبدو أن ظهور أبناء العرب بهذا الشكل القوي بات يفرض بعض التراجعات والقلق لدى السياسي المتطرف، راسموس بالودان، الذي بدأ ينكر أنه حرق القرآن، رغم أن التلفزة أعادت إظهاره وهو يفعل، وبات يقول إن "بالتأكيد من يحملون جنسية الدنمارك لهم الحق في العيش في البلد"، وهو يعاكس تصريحاته وبرنامجه السابق بضرورة ترحيل الجميع.

وفيما يعبر البرلمانيون والسياسيون عن إعجابهم بمبادرة الشباب للتوجه بكثافة إلى التصويت تذكر الشابة "فاطمة" لـ"العربي الجديد" أنها تأمل "اتساع الحالة لتشمل مئات آلاف العرب حول القارة الأوروبية". ويذهب زميلها في جامعة آرهوس الشاب من أصل فلسطيني، محمود.ن، مع زميليه الدنماركيين فريدريك وتوماس، للاتفاق على أن "المشاركة بشكل مختلف هذه المرة يساهم في ردم هوة تتسع بين مواطني المجتمع وأبناء الأقليات". ويضيف محمود "لو أن العمل الشبابي العربي في أوروبا تزايد بهذا الاتجاه، لحث كل شخص محيطه، وأهله، على المشاركة، لك أن تتخيل كم من ملايين العرب في القارة سيكون تأثيرهم. فبدل ترك تقرير المصير بيد الآخرين يمكن لعرب أوروبا أن يشكلوا كتلة وثقلا مختلفا، ولنا في تجارب أقليات أصغر منا عددا أمثلة في أكثر من مكان". وتتفق الطالبتان الدنماركيتان، آنا بيند وهانا نيسلن بالقول "المشاركة السياسية والانتخابية ضرورة في المواطنة وضرورة إن كان الناس يريدون أن يكون لهم نفوذ في مجتمعاتهم الأوروبية، وهؤلاء الذين نتحدث عنهم كأقليات هم ليسوا أقلية حين يتعلق الأمر بإدلائهم بأصواتهم بل يمكن أن يحسموا الكثير في الانتخابات الديمقراطية".


نحو مشاركة تضامنية..

يعتبر عضو البرلمان الدنماركي، ومرشح اللائحة الموحدة اليساري إلى البرلمان الأوروبي، نيكولاي فيلُموسن، وجها سياسيا شابا معروفا في أوساط العرب، والفلسطينيين بشكل خاص في الدنمارك. فالرجل تعرض لطرد من دولة الاحتلال نتيجة مواقفه، وهو من أشد مؤيدي فلسطينيي أوروبا. ويدعو في حديث مع "العربي الجديد" إلى ضرورة مشاركة الجاليات وبقوة "فإذا أردنا أوروبا تضامنية ومواجهة التيار المتطرف فمن واجبنا الخروج والإدلاء بأصواتنا".

ولا يتوقف الأمر عند نيكولاي على قضايا "تأثير التصويت على سياسات داخل أوروبا، فاختيار التصويت للأحزاب والأشخاص القادرين على فرض نقاش أوروبي فيما خص القضية الفلسطينية والقضايا العربية، إلى جانب قضايا الجاليات، يحقق نقلة ويرسل رسالة قوية عن ثقل ووزن المشاركين في العملية الديمقراطية". ويقول نيكولاي إن "مقدار الخطر الذي يشكله اليمين المتطرف نحن من يحدده، بوقوفنا سوية ومتضامنين ومشاركين يمكننا التصدي بقوة. أما السلبية والعزوف فللأسف سيقويان من شوكتهم".

المساهمون