نتنياهو الخامس... ما كان سيكون

نتنياهو الخامس... ما كان سيكون

28 ابريل 2019
سيمضي نتنياهو - الخامس - في التطبيع(توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -
حقق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفاؤه في معسكر اليمين المتطرف فوزاً معتبراً وحاسماً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حاز على 65 مقعداً من أصل 120، وهو في طريقه، رغم بعض الصعوبات الائتلافية المعتادة والتقليدية لتشكيل حكومته الخامسة، وليصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأكثر بقاء في السلطة.

قبل الحديث عن سياسة نتنياهو في فترته الخامسة لا بد من الانتباه إلى أن الانتخابات الأخيرة جرت كما العادة في السنوات الأخيرة بين اليمين واليمين المتطرف، وتحديداً منذ تشكيل أرئيل شارون - 2005 - لحزب كديما الذي أطاح بالليكود وحلفائه نحو اليمين المتطرف، ووضع كديما وورثته في خانة اليمين - الوسط بالمعيار الإسرائيلي- الخانة التي ملأها لسنوات حزب كديما نفسه، ثم بتحالفه مع العمل - المعسكر الصهيوني - ومع نهاية التحالف واندثار الحزبين تقريباً ملأ الفراغ أخيراً حزب الجنرالات - كاحول لافان - اليميني الذي عجز عن بلورة بديل سياسي جدي لنتنياهو وتهرب زعيمه الجنرال بني غانتس من طرح رؤيته تجاه الصراع في فلسطين مكتفياً بالدعوة إلى إسقاط منافسه لفساده، كما لما أثاره منهجياً ومتعمداً في الشارع الإسرائيلي من انقسام واستقطاب.

في حكومته الأولى تساوق نتنياهو مرغماً مع الرئيس الأميركي بيل كلينتون وجهوده، من أجل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي في فلسطين، تفاوض حتى مع الشهيد ياسر عرفات، توصل معه الى اتفاق واي ريفير حول مدينة الخليل، نتنياهو راعى شكلاً الأجواء العامة في إسرائيل -المؤيدة لأوسلو- وإصرار إدارة كلينتون على العمل من أجل اتفاق نهائي، وصولاً حتى إلى إسقاطه ولو غير مباشرة عبر دعم ومساعدة خصمه إيهود باراك في انتخابات 1999.

تساوق نتنياهو الثاني والثالث شكلاً كذلك مع مساعي الرئيس باراك أوباما لاستئناف المفاوضات، تبنى كلامياً حل الدولتين في خطاب بار إيلان ولكن مع وضع العصي في الدواليب، وصولاً إلى تفجيرها نهائياً مفشلاً مساعي وزير الخارجية جون كيري -2014- التي مثّلت آخر جهد أميركي جدّي للانخراط في عملية التسوية وفق الأسس التي استندت إليها عملية مدريد- أوسلو القائمة على قاعدة الأرض مقابل السلام والقرارين 242 و338.
في حكومته الرابعة وبتحالفه مع حلفائه الطبيعيين في اليمين المتطرف أفيغدور ليبرمان - حزب إسرائيل بيتهم - ونفتالي بينيت - البيت اليهودي - رفقة الأحزاب الدينية التي شكلت بعد انتخابات 2015 - وحرب غزة الأخيرة، سعى نتنياهو لتجاوز خطاب بار إيلان الذي قبل فيه بقيام دولة فلسطينية وإفشال عملية التسوية والمفاوضات بشكل عام، وتبنى سياسة واضحة تستند إلى إدارة الصراع وإدامة الوضع الراهن عبر الحفاظ على التهدئة مع غزة ، والعمل على إدامة الانقسام والفصل بين الضفة الغربية وغزة، بل تعميقه وتأبيده.

بتفصيل أكثر فقد استفاد نتنياهو الرابع من انشغال إدارة أوباما في عاميها الأخيرين، بالملف النووي الإيراني بعد سحب يدها من الملف الفلسطيني، ومع قدوم إدارة ترامب المنحازة بدا مرتاحاً وساعياً إلى تحسين الوضع الراهن أكثر علماً أنه يميل لصالحه أصلاً.

رغم مسيرة العودة المستمرة لأكثر من عام والتي أعقبت ثلاث سنوات من الهدوء، لم يسارع نتنياهو للضغط على الزناد، كانت التهدئة هي القاعدة لسياسته مع توظيف لاعبين إقليميين ودوليين لمنع الانفجار، ومحاولة تحسين الأوضاع وتخفيف الاحتقان في غزة، التمسك بالتهدئة بموازاة الحفاظ على الانقسام والانفصال، ووضع العراقيل أمام المصالحة الفلسطينية، واستخدام سياسة لئيمة تلحظ تقوية نسبية لغزّة وإضعافاً نسبياً للضفة، في سياق معقد مركب لإضعاف السلطتين معاً، وإشغالهما بتحدياتهما الآنية والحياتية، وبقاء الانفصال والانقسام والتباعد بينهما.
خطوات وممارسات نتنياهو تستند إلى القاعدة السياسية المركزية للحفاظ على الوضع الراهن قدر الإمكان - إذا لم تكن فرصه لتغييره لصالحه-، وعدم كسره أو تغييره بشكل جذري لا في غزة ولا في الضفة الغربية.

رغم مبالغة افيغدور ليبرمان ورفع السقف في مفاوضات الائتلاف الحكومي الجديد، إلا أن مطالب اتحاد أحزاب اليمين - ورثة البيت اليهودي - كانت واضحة وتعطي فكرة عن سياسة نتنياهو في حكومته الخامسة، المتضمنة عدم القبول بدولة فلسطينية، عدم تفكيك مستوطنات - مع مطالب ائتلافية حزبية فئوية تقليدية - كونهم يعرفون أن الحديث عن ضم مستوطنات الضفة كان انتخابياً - مثل تشريع الماريجوانا - وعليه يمكن القول إن السياسة نفسها ستستمر حيث التهدئة فى غزة، والتنسيق غير المباشر، والهدوء في الضفة والتنسيق المباشر وإبقاء الاتصالات السياسية في حدها الأدنى للفصل بينهما، كما بين مناطق ج ومناطق أ وب في الضفة الغربية.

ببساطة سنكون أمام استمرار لسياسة الوضع الراهن، الحفاظ عليه، وعدم كسره ضمن سياسة إدارة الصراع، غير القابل للحل، كما يؤمن نتنياهو واليمين المتطرف وحتى اليمين التقليدي في "كاحول لافان" كون الجنرال موشيه يعلون هو أحد رموز هذه السياسة وصاحب عبارة لندع سلاح الأعداء يصدأ في مخابئه.

بموازاة التهدئة، منع الانفجار، وعدم كسر الوضع الراهن فلسطينياً، سيمضي نتنياهو - الخامس - قدماً في التطبيع مع الدول العربية، لو بشكل سري أو بمستوى منخفض معلن رياضي تجاري مع تهميش القضية الفلسطينية لصالح التركيز على الخطر الإيراني باعتباره الخطر الأكبر والمركزي على استقرار المنطقة، وليس الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ومناطق عربية أخرى.

في الأخير واختصاراً، فإن نتنياهو الخامس سيكون هو نفسه تقريباً نتنياهو الرابع، حيث لا حرب مع غزة لا مفاوضات أو اتفاق مع الضفة الغربية، مع تهويد للقدس وتوسيع للمستوطنات الكبرى والعشوائية النائية أيضاً وعدم ضمها رسمياً مع سعي لتغيير الوضع الراهن، والواقع بشكل تدريجي، وكلما سنحت الظروف، كما هو الحال في الحرم القدسي الشريف، أو حتى مع الأسرى في السجون، الأمر يعتمد على ردة الفعل الفلسطينية، إلا أن السوابق تظهر تراجع نتنياهو لمنع التصعيد أو الانفجار، والعودة إلى المربع الأول الذي يخدمه أصلاً ويصب في مصلحته.

لا حرب أيضاً على الجبهة السورية مع التفاهمات الإسرائيلية الروسية الراسخة، وتحجيم موسكو لطهران خشية من ضياع مكتسباتها بما فيها بقاء نظام بشار الأسد، الاحتمال الجدّي الوحيد للحرب هو على الجبهة اللبنانية مع هيمنة حزب الله على مقاليد السلطة ومفاصل القرار في الدولة اللبنانية، ربما تسعى تل أبيب لاستغلال المدى الزمني المتبقي على حقبة ترامب لإزالة خطر الحزب، بعد إضعافه عبر العقوبات، وبعد الخطأ الكارثي له بالانخراط إلى جانب النظام في جرائمه ضد ثورة الشعب السوري، وعلى عكس التضخيم الإعلامي المتعمد تعتقد تل أبيب أن الحزب بات مستنزفاً معزولاً عربياً إسلامياً، خاصة مع هروبه الكارثي إلى الأمام وهيمنته تماماً على مقاليد السلطة في لبنان الذي سيتحول هو الآخر - للأسف- إلى هدف لآلة البطش الإسرائيلية في أي حرب محتملة مقبلة.