من يتصدى لصفقة القرن

من يتصدى لصفقة القرن

23 فبراير 2019
+ الخط -
يفرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب أهم مرتكزات صفقة القرن قبل الإعلان عن حيثياتها، من الإصرار على طمس أهم الحقوق الفلسطينية كمقدمة لتصفية مجمل القضية، إلى تعميم نموذج هيمنة إسرائيل على مناطق السلطة ومؤسسات السلطة الفلسطينية اقتصاديا وأمنيا، على المستوى العربي، تحت مسميات وعناوين براقة، مثل السلام الاقتصادي والضرورات الأمنية في مواجهة كل ما يزعزع أمن واستقرار المنطقة. إذ يحاول الأميركيون النجاح في ذلك عبر استغلال الظروف العربية والفلسطينية السائدة حاليا، من تصاعد حدة الصراعات العسكرية والسياسية في المنطقة، فلسطينيا– فتح وحماس-، وعربيا – كالصراع الخليجي-، ومع بعض القوى الإقليمية كإيران. إلى استغلال الأزمات الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على دول المنطقة، لا سيما النفطية منها، التي أدت إلى تراجع وتذبذب أسعار النفط، خصوصا بعد دخول النفط الصخري كمنافس حقيقي لمصدر دخلها الأساسي، مما أدى إلى تخبط وتراجع عائدات المتنفذين العرب منه، وهو ما دفع الحكام إلى البحث عن بدائل اقتصادية جديدة، تدر لجيوبهم المزيد من الثروات المشبوهة والسرية، عبر الترويج للمشاريع الاستثمارية الريعية وخصوصا من خلال التعاون مع الاحتلال، سواء داخل مناطق السلطة أو في مجمل المنطقة العربية كما يتم الترويج له إعلاميا، وكأننا مقبلون على إعلان تحالف استثماري ريعي في المنطقة بقيادة وإدارة الاحتلال.
لذا يبدو أن الجسم الرسمي العربي والفلسطيني غير معني في مواجهة صفقة القرن؛ إذا ما استثنينا بعض التصريحات الجوفاء؛ أو إفرازاتها المباشرة كالاعتراف الأميركي بالقدس كعاصمة "إسرائيل"، ونقل السفارة الأميركية إليها، وتقويض عمل أونروا وقطع الدعم المالي الأميركي عنها، وهو ما يؤدي إلى حصارها، ويحد من دورها في وسط اللاجئين، الأمر الذي يمثل خطوة أولى من أجل تحقيق الهدف الأميركي –الإسرائيلي الساعي إلى إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني بصورة تخالف مجمل القوانين الدولية، وبما يضمن تقليص أعداد اللاجئين بشكل كبير. بالإضافة إلى احتضان جولات مستشار الرئيس الأميركي كوشنر، والمبعوث الأميركي الخاص بالشرق الوسط غرينبلات، في المنطقة العربية، وخصوصا لدى بعض العواصم الخليجية، التي تهدف وفق تصريحاتهم إلى تمويل صفقة القرن قبل الإعلان عنها، وتأمين غطاء عربي لها.
إذ يتم تسويق المسار القديم الجديد المدعو السلام الاقتصادي، على اعتباره نافذة نحو مستقبل فلسطيني وعربي مشرق وزاخر بالرفاه والنعيم الاقتصادي، في مقابل تنازلنا عن حقوقنا المسلوبة كفلسطينيين وعرب. وإن كانت التسريبات عن طبيعة السلام الاقتصادي المزعوم؛ ومراجعة تجربة السلطة الفلسطينية الاقتصادية، تؤكد أن الرفاه سوف ينحصر في إطار ضيق يحيط بالقوى الحاكمة والمتنفذة، القادرة على ضبط الأوضاع الشعبية والتي تلبي جميع مطالب الاحتلال وداعميه، حيث لن يكون هناك اقتصاد فلسطيني مستقل عن الاحتلال، وقادر على تلبية حاجات المجتمع دون الحاجة إلى القروض والمنح المشروطة. بالتزامن مع تسويق التطبيع الأمني مع الاحتلال تحت عناوين مختلفة، وأهمها التصدي إلى التهديد والخطر الإيراني؛ حيث يعتبر مؤتمر وارسو نموذجا عن الانطلاق من ثانوية المخاطر التي يمثلها الاحتلال الإسرائيلي علينا وعلى المنطقة، لصالح أولوية التعاون الأمني معه من أجل ضرب المشروع الإيراني في المنطقة. وهو ما لن نخوض في تفكيكه وتحليله الآن، بل سوف نكتفي بالإشارة إلى كونه بوابة لفرض تعريف الاحتلال للإرهاب، وفرض مواجهته وفق المنهج والأسلوب "الإسرائيلي"، كما يعمل على فرض التنسيق والتواصل الأمني مع الاحتلال في المنطقة، وبالشكل الذي يخدم ويحمي الاحتلال، وإن كان متخفيا بشعارات مختلفة. وكأننا مقبلون على تحكم أمني إسرائيلي كامل في مجمل المنطقة، سوف يضرب فكر وثقافة المقاومة والنضال من أجل استعادة الحقوق.
لذلك، وفي ضوء العجز العربي والفلسطيني الرسمي الواضح، وفي ضوء توافق مصالح النظام العربي والفلسطيني ضمنا مع مضمون الصفقة، يحق لنا التساؤل عن كيفية التصدي لهذه الصفقة وطرق مواجهتها. وعليه أعتقد أن لا جدوى تذكر من التعويل، أو انتظار تغير جذري تجاه قضايانا العادلة والصفقات المشبوهة مثل صفقة القرن، في الخطاب الرسمي العربي، وفي مجمل المنظومة السياسية الفلسطينية من خطاب منظمة التحرير الفلسطينية والقوى الممثلة ضمنها، إلى القوى والحركات غير الممثلة فيها وعلى رأسها حركتا حماس والجهاد. في حين علينا تلمس حجم الاحتقان الشعبي المتصاعد خصوصا داخل فلسطين، والبحث عن وسائل دعمه وتأطيره وحمايته من فساد وعبث المنظومة السياسية الفلسطينية. إذ تحول المناخ السياسي الفلسطيني والعربي عموما إلى أحد العوامل التي تهدد إمكانيات تطور مظاهر السخط والغضب الشعبي، وتمنع تحولها إلى ظاهرة منظمة وواعية وقادرة على مواجهة التحديات الكبيرة المحيطة بنا وعلى رأسها صفقة القرن.
وبالتالي فنحن في مرحلة مركبة تقتضي مواجهة صفقة القرن على قدم المساواة مع ضرورة التصدي لإفرازات النظام السياسي الفلسطيني والعربي، الذي يعمل على تقويض الحركة والنضال الشعبي، وحرفه نحو صراعات جانبية وفئوية تصب في صالح الاحتلال وداعميه، وعلى تناقض مع المصالح الشعبية الطبيعية. لذا من الخطأ حصر صفقة القرن في القرارات الأميركية فقط، أو في البنود التي سوف تتضمنها الخطة الأميركية التي يعتزم طرحها بعد انتخابات الكنيست؛ كما أعلن أكثر من مسؤول أميركي؛ بل علينا أن نعي تركيبتها الكاملة، التي تنتهي بحيثيات الصفقة وتبدأ من لحظة تقويض حركة التحرر الفلسطينية، وحجز الفضاء السياسي الفلسطيني في أطر قائمة على المحاصصة الفصائلية والنخبوية وأحيانا العربية، مما حولها إلى مجموعات محدودة العدد وضيقة الأفق وسلبية التأثير، أو بالأصح ذات أثر مدمر على مستقبل فلسطين والفلسطينيين. ومنها تحولت إلى مجرد أدوات لقوى خارجية عربية وإقليمية وعالمية، وفق الجهة الداعمة، وهو ما همشها وهمش تأثيرها خصوصا في مواجهة المخططات الدولية والأميركية، الأمر الذي خدم الاحتلال ومهد الطريق أمامه كي يفرض وقائع جديدة على الأرض برعاية أميركية ودولية، وفي ظل صمت رسمي عربي وفلسطيني، إن لم نقل في ظل تواطؤ عربي وفلسطيني. طبعا لا تتساوى جميع القوى والأطراف العربية والفلسطينية في الخنوع للاحتلال وخدمته، لكنها ساهمت في تهيئة المناخ المناسب لفرض الصفقات المشبوهة مثل صفقة القرن، وكبح جماح الحركة الشعبية وإعاقة إمكانيات تطورها ونضوجها على مدار الحقبة الماضية، حتى أصبحنا في خضم صراع مباشر مع الاحتلال وداعميه الدوليين، ومع الخانعين والخاضعين له من الفلسطينيين خصوصا.