عام انكشاف التطبيع والهرولة باتجاه إسرائيل

عام انكشاف التطبيع والهرولة باتجاه إسرائيل

29 ديسمبر 2019
ريغيف خلال حضورها بطولة رياضية في الإمارات(فرانس برس)
+ الخط -


بوتيرة متسارعة انتقلت العلاقات العربية الإسرائيلية خلال العام 2019 من العمل في الخفاء وتحت جنح السرية إلى العمل العلني الواضح والصريح، وترسخ التطبيع بين الجانبين وشهدت العلاقة ما بين الحكومة الإسرائيلية وكثير من الأنظمة العربية تقاربًا غير مسبوق تفاخر به بنيامين نتنياهو عبر تغريدة في حسابه على تويتر قال فيها إن دولته "تقيم علاقات مع ست دول عربية على الأقل"، مضيفًا أن "التطبيع يتقدم، خطوة بعد خطوة، وهذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى علاقات سلمية"، وفي السياق نفسه، قال وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس "إن تعزيز التقارب بين إسرائيل والعالم العربي هو أولوية قصوى"، وأن "هدفي، بدعم كامل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، هو العمل من أجل التطبيع العلني، وتوسيعه وإعلانه علنًا، والوصول إلى توقيع اتفاقيات سلام رسمية مع دول الخليج السنية المعتدلة في غضون بضع سنوات"، فيما أكد المحلل السياسي الإسرائيلي إيدي كوهين في مقابلة تلفزيونية أن "هذا عصر التطبيع العلني، دائمًا كان هناك تطبيع وراء الكواليس، الآن أصبح كل شيء على المكشوف"، ونفى كوهين أن "تكون إسرائيل هي التي اخترقت الدول العربية"، مؤكدًا على أن "الدول العربية هي التي فعلت ذلك".

الوقائع على الأرض في الاثني عشر شهرًا الماضية كشفت النوايا الحقيقية لبعض الأنظمة العربية التي كانت وما زالت تصدح بقرارات وتصريحات منمقة تؤيد الفلسطينيين وتؤكد على حقوقهم، لكنها في الحقيقة تعمل عكس ما تصرح به من تعميق علاقاتها وتوثيقها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولم تعد تتحرج من إعلان ذلك على الملأ في سابقة، كانت قبل قليل من الزمن تعد خيانة وخروجًا عن الوطنية والعروبة. ففي تصريح لصحيفة "التايمز أوف إسرائيل"، شدد وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة على أن بلاده "تعترف بحق إسرائيل في الوجود، وتعلم أنها باقية، وتريد السلام معها"، داعيًا الإسرائيليين إلى "التواصل مع القادة العرب"، وعلى المنوال ذاته، دعا وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش علانية إلى "تسريع وتيرة التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل"، ووصف مقاطعتها بالخاطئة.

فيما شهدت منحنيات الزيارات العلنية المتبادلة بين قيادات ووفود إسرائيلية وأخرى عربية ارتفاعًا لافتًا، فمن اجتماع نتنياهو جنبًا إلى جنب مع الوفود العربية والتقائه بهم عبر لقاءات ثنائية على هامش مؤتمر وارسو في بولندا الذي عقد في فبراير/ شباط 2019 لمناقشة قضايا الأمن في الشرق الأوسط، والذي تبعه عدد من اللقاءات جمعت بين وفود عربية وإسرائيلية وأجنبية في عدد من العواصم من ضمنها المنامة، عاصمة البحرين، حيث شاركت إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 في مؤتمر البحرين لحماية الملاحة البحرية في الخليج العربي، إلى مشاركة وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس في مؤتمر الأمم المتحدة المناخي الذي عقد في الإمارات في يونيو/ حزيران 2019، والذي وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بأنه "أحدث دليل على دفء العلاقات بين أجزاء من العالم العربي وإسرائيل"، وقد أعلنت الإمارات أنها ستسمح للإسرائيليين بدخول أراضيها بجواز السفر الإسرائيلي وذلك خلال معرض إكسبو 2020 الذي سيقام في دبي بالإمارات العربية المتحدة وخصصت فيه جناحا للصناعات والمنتجات التكنولوجية الإسرائيلية سيحمل ثيمة "لا جدران"، فيما شهد التطبيع السياحي قفزة كبيرة قياسًا بالأعوام السابقة، ويتربع التطبيع الرياضي في صدارة المبادرات التطبيعية، فمن مشاركة فريق إسرائيلي في دوري الجودو الدولي المقام في الإمارات، إلى حضور المنتخب السعودي لمقابلة نظيره الفلسطيني في الضفة الغربية والذي رفض في 2015 الحضور للضفة عبر المعابر والحواجز الإسرائيلية.

انتقلت العلاقات العربية الإسرائيلية من التطبيع السياسي إلى الاعتراف الدبلوماسي، إلى بناء علاقات في المجالات الاقتصادية، خاصة تلك التي تتعلق بالتكنولوجيا الأمنية، حيث كشف تحقيق أجراه موقع بلومبيرغ عن مشروع بنية تحتية أمنية وضعته شركة إسرائيلية بمهندسين إسرائيليين في الإمارات بقيمة 6 مليارات دولار، وكشف موقع "الخليج أونلاين" عن إتمام السعودية صفقة شراء أجهزة تجسس عالية الدقة والجودة من إسرائيل، قيمتها 250 مليون دولار أميركي، نُقلت إلى الرياض وبدأ العمل بها رسمياً بعدما تم تدريب الطاقم الفني المسؤول عن إدارتها وتشغيلها. وكشف تحقيق مطوّل نشرته صحيفة هآرتس العبرية عن إبرام أبوظبي صفقة ضخمة مع إسرائيل، بحيث تزودها الأخيرة بقدرات استخبارية متقدمة، تشمل طائرتي تجسس حديثتين. وكشفت وكالة قدس نت عن لجوء مؤسسات حكومية سعودية إلى التعاون مع شركات إسرائيلية في مجال الترجمة من العربية إلى الإنكليزية والعكس، ونقلت الوكالة عن مصادر قولها إن المؤسسات الحكومية تقدمت بطلب إلى شركات إسرائيلية لترجمة تقارير حكومية في عدة مجالات تتعلق بالمحافظات السعودية، رغم أن هذه الخدمات تقدمها العديد من المؤسسات العربية.

وفي الوقت ذاته، لم تقدم الدول العربية على خطوات عملية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي يمكن من خلالها وقف الهيمنة الإسرائيلية على الحقوق الفلسطينية ولجم أطماعها في التهام الأراضي الفلسطينية، وقد اقتصرت مواقفها على الرفض والتنديد واستنكار الجرائم والجنايات الإسرائيلية فقط، دون أي موقف يمكن أن تُبنى عليه خطوات عملية تؤدي إلى إنصاف الفلسطينيين وتحصيل حقوقهم المشروعة. ولم تمارس الحكومات العربية ضغطًا حقيقيًا على دولة الاحتلال لاستئناف عملية السلام المتعثرة مع الفلسطينيين من أجل الوصول إلى دولة فلسطينية كانت شرطًا عربيًا لبدء التطبيع، ولم تُقَدم الأنظمة العربية المطبعة للسلطة الوطنية الفلسطينية ما يعزز صمودها ويقوي موقفها الرافض للقرصنة الإسرائيلية، ولم تفي بما عليها من التزامات تجاه الشعب الفلسطيني والتي أقرتها جامعة الدول العربية، الأمر الذي دفع بأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات للتصريح بأنه "لا يوجد أي فلسطيني يقبل أن تفتح دول عربية باب التطبيع على مصراعيه مع إسرائيل في ظل الظروف السياسية الراهنة، وبقاء الفلسطينيين تحت الاحتلال". وقد طالب مستشار الرئيس الفلسطيني للعلاقات الخارجية والدولية نبيل شعث الدول العربية بأن "توقف أي تطبيع مع إسرائيل، والالتزام بمبادرة السلام العربية القاضية بعدم التطبيع إلا بعد انسحاب إسرائيل الكامل من كل المناطق التي احتلتها عام 1967"، مشيراً إلى أن "الحديث عن التطبيع من أجل دفع السلام غير صحيح؛ لأن مشروع إسرائيل، ومعها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لا علاقة له بالسلام أو بحقوق الشعب الفلسطيني"، إلا أن التطبيع ماضٍ ومستمر وعلى ما يبدو أننا أمام مرحلة جديدة نشهد فيها تحالفًا عربيًا إسرائيليًا ليس من ضمن أولوياته المصالح والحقوق الفلسطينية.

وخلاصة القول إن الأنظمة العربية في عامنا المنصرم قد فلتت من عقالها واتجهت مهرولة للتطبيع بشكل رسمي علني مفضوح مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وقد تملصت من لاءاتها وشروطها القديمة لتبدأ موسم التطبيع بمبررات شتى ليس للشأن الفلسطيني فيها مكان أو اعتبار.