شعلة المرأة تتوقد هذا العام

شعلة المرأة تتوقد هذا العام

29 ديسمبر 2019
+ الخط -
يكثر الحديث عن الإنجازات والإخفاقات في نهاية 2019، على الرغم من قلة التغيرات الحاصلة منذ زمن بعيد، لكن وكما جرت العادة السنوية سوف نحمّل العام الجديد كل آمالنا وتمنياتنا وأحلامنا العريضة في استعادة جميع حقوقنا المسلوبة، على الرغم من أن الوقائع السياسية، ولا سيما الرسمية منها، لا توحي بذلك. إلا أننا شاهدنا اتقاد شعلة خجولة في العام الماضي تبعث التفاؤل والأمل مستقبلا، لأنها تجسد تطوراً في وعي المجتمع الفلسطيني لحقوقه وحقوق جميع مكوناته وعلى رأسها المرأة، فجرتها قضية قتل الشابة الفلسطينية إسراء غريب من قبل ذويها، بتواطؤ رسمي وشبه رسمي معهم، الأمر الذي فرض على المجتمع الفلسطيني التصدي لظاهرة العنف المجتمعي أو الأسري تجاه المرأة تحديدا.

فقد سادت حالة من الغليان والغضب الشعبي على تستر بعض دوائر السلطة وقواها المجتمعية على هذه الجريمة النكراء، الذين حاولوا طمس معالمها وإخفاءها، ومن ثم المضي قدما وكأن شيئا لم يكن، وهو ما كشف المكشوف أصلاً عن تدني الحقوق الفردية، وخصوصا النسوية، لدى الدوائر الرسمية، لا سيما في القضايا والحالات المعروفة بالجرائم الأسرية، التي تصل في حالات منها إلى حد القتل عن قصد أو دون قصد نتيجة العنف المتحلل من أي قيود. لذا فقد فتحت قضية إسراء الباب على مصراعيه أمام جميع الجرائم بحق النساء، وبغض النظر عن الذرائع التي قد يسوقها الجاني - أب، أخ، زوج، أو أيا كان - لتبرير أفعاله الشنيعة هذه، على الرغم من محاولة حرف قضية الاعتداء والضرب والقتل من قبل بعض الأطراف إلى موضع مختلف ديني أو أخلاقي، كمخالفة العادات والتقاليد، أو استحضار الجن، وما إلى ذلك من ذرائع واهية، كما اعتاد المجتمع، أو جزء منه، على أن يفعل لطمس معالم جميع أو غالبية الجرائم الأسرية المرتكبة بحق المرأة. إذ تصدى المجتمع بوعي مميز لهذا الخطاب التسويفي بكل قوة وحزم، رافضاً أن تتحول القضية من قضية حقوقية صرفة إلى لعبة لف ودوران تخفي الجريمة وتلقيها في بحر من التبرير واختلاق الأعذار، لينتصر منطق الحق على منطق العرف لأول مرة على المستوى الاجتماعي.

وعليه قد تشكل الجريمة المرتكبة بحق إسراء نقطة فارقة في تاريخ الفلسطينيين الحديث، تؤسس لبدء مرحلة جديدة تبنى على قانون يصون الحقوق الفردية والجماعية، قانون يحمي المجتمع أفرادا ومجموعات، ويضبط العلاقات بين أفراده، ويقف حاجزاً منيعاً في وجه جميع محاولات القمع والاضطهاد والظلم والاستغلال، سياسية كانت ممثلة بالنظام المسيطر، أو اجتماعية ممثلة بالسلطة الذكورية، وهو ما سوف ينعكس إيجابيا على مجمل الوضع السياسي والنضالي، لأن حماية المرأة وحماية جميع مكونات المجتمع الفلسطيني من أي سلطة جائرة استبدادية اجتماعيا وسياسيا قضية واحدة لا يمكن الفصل بينها، ومرتكز صلب يبنى عليه نضال مجتمع متكامل تشارك المرأة فيه بكل قواها الحية والصلبة، فقد آن أوان حماية المرأة ومنحها حقوقها كاملة دون أي نقصان، وهو ما سوف يُمكنها من لعب دورها السياسي والنضالي في معركة التحرر من الاحتلال دون خوف أو ورع من إجرام الأقربين بحقها تحت حجج واهية - حتى ولو ثبتت صحتها في بعض الحالات - إذ لا يمكن بأي شكل من الأشكال تبرير أي نمط من أنماط التعديات الجسدية واللفظية بل وحتى الفكرية، التي تنتقص من قيمة المرأة وحقوقها وقدراتها. لذا وانطلاقا من موقف المجتمع الفلسطيني المبدئي تجاه المسيئين بحق المرأة ممثلة بإسراء غريب في العام 2019، ومن حراك "طالعات"، الذي جسد في أكثر من مناسبة مثالا ناجحا على وحدة المسار والهدف بين النضالين الوطني والاجتماعي، يمكن التفاؤل، أو بالأصح يجب العمل كي يصبح العام الجديد عام الاعتراف بالحقوق الكاملة والمتساوية بين جميع مكونات المجتمع وعلى رأسهم النساء، ما يمهد الطرق أمامهن وأمامنا كي نستلهم قصة النجاح - المأمولة - في تصويب مسار النظام القانوني والاجتماعي الفلسطيني، من أجل تصويب مسار نضالنا الوطني الذي ضل الطريق، وفقد الجزء الأكبر من عوامل قوته، ومن ضمنها قوة ودور المرأة الفلسطينية، والتي قد نستعيدها قريبا، أو بدقة أكثر قد نلمس قدراتها ودورها وإمكاناتها الكاملة لأول مرة في قادم الأيام.

المساهمون