ثلاثية 2019

ثلاثية 2019

29 ديسمبر 2019
+ الخط -
طبعت ثلاثية الانقسام والتهدئة وصفقة القرن المشهد الفلسطيني خلال عام 2018، وهو ما سيتواصل غالباً في عام 2019، حيث يتفوق الانقسام في ثنائية أو جدلية الانقسام – المصالحة، وتتغلب التهدئة في ثنائية جدلية التهدئة – التصعيد، بينما تبدو كل الاحتمالات مفتوحة، في ما يخصّ صفقة القرن التي تتساوى احتمالات طرحها وطيّها، خاصة مع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من سورية، ثم قرار الذهاب إلى انتخابات مبكرة - نسبياً - في إسرائيل، ما يجعل احتمال طرحها - النظري - في النصف الأول من العام القادم أمراً صعباً، وربما مستحيلاً أيضاً، علماً أنها لا تملك فرصاً جدية للنجاح في حال طرحها أصلاً.

هذه كانت مقدمة المادة التي كتبتها هنا في استعراض المشهد الفلسطيني العام الماضي 2018. الثلاثية نفسها هيمنت على العام الجاري 2019. وكما توقعنا، تفوق الانقسام على المصالحة، وتغلبت التهدئة على التصعيد، بينما لم تطرح صفقة القرن بعد ذهاب إسرائيل إلى انتخابات مبكرة أخرى في سبتمبر/ أيلول، علماً أن طرحها لم يكن محسوماً أو أكيداً، حتى لو لم تذهب إسرائيل إلى انتخابات أيلول حيث تعقد الأمر أكثر مع قرار الذهاب إلى انتخابات مبكرة ثالثة في آذار/ مارس المقبل.

خلال العام الجاري لم يتفوق الانقسام على المصالحة فقط، إنما غابت حتى الوساطات والحوارات المتعلقة بهذه الأخيرة التي لم تعد مطروحة على جدول الأعمال، ولم يعد أحد يسعى جدياً من أجلها، ولم تحدث أي لقاءات ثنائية بين طرفي الانقسام خلال العام الجاري، بينما سعى الوسيط المصري أساساً للحفاظ على الواقع الفلسطيني الحالي - بما في ذلك الانقسام نفسه - ومنع انفجاره، ما يؤثر سلباً بالتهدئة في غزة، كما بالاحتمالات، ولو النظرية، لطرح صفقة القرن الأميركية، خاصة أن الوسيط المصري هو العراب المركزي لها، كما يقول قادة السلطة في مجالسهم الخاصة، وكما جاء علناً على لسان القيادي الفتحاوي جبريل الرجوب في التسريب الشهير لاتصاله أو حواره الهاتفي مع نظيره الحمساوي حسام بدران.

أمر مماثل يمكن قوله عن جدلية أو ثنائية التهدئة – التصعيد، حيث تغلبت الأولى، وطوال العام الجاري الذي يوشك على الرحيل كانت التهدئة هي القاعدة، والتصعيد هو الاستثناء، ثم جاءت جولة نوفمبر الأخيرة لتقطع الشك باليقين، لكون حماس، وهي قوة المقاومة الأكبر، لم تنخرط فيها حفاظاً على التهدئة والمساعي المصرية لتحسين الأوضاع السيئة في غزة، مع تفهم فكرة أن من الصعوبة بمكان الانتقال نحو المرحلة الثانية الأكثر جدية منها، في ظل الأزمة السياسية العاصفة في إسرائيل، مقابل التركيز على تقوية ونجاعة المرحلة الأولى منها.

أما في ما يتعلق بالضلع الثالث والأخير في ثلاثية 2018، أي صفقة القرن، فقد تراجعت فرص طرحها خلال عام 2019، ليس فقط نتيجة ذهاب إسرائيل إلى انتخابات مبكرة للمرة الثالثة في غضون عام، بل أيضاً نتيجة العناد والرفض الفلسطيني القاطع لها، والاستعداد للمضيّ في مواجهتها حتى النهاية، مع الانتباه إلى فشل ورشة البحرين لإطلاق الشق الاقتصادي منها، بعد تخفيض سقفها شكلاً ومضموناً إثر مقاطعة السلطة وخوض معركة فلسطينية سياسية وإعلامية شاملة ضدها، كما تأكد تماماً أن لا أحد مستعد جدياً للمساهمة فيها، ولا أحد يستطيع التجرؤ أصلاً - رغم التأييد العربي المستتر - على إعلان دعمه السياسي، في ظل الرفض الفلسطيني الرسمى والشعبى القاطع لها.

من هنا، وبناءً على ما سبق، يمكن الاستنتاج أن الثلاثية نفسها ستستمر في عام 2020، لكن مع تحديث يتعلق بثنائية أو جدلية الانقسام المصالحة، لتصبح الانقسام - الانتخابات التي يجري الحديث عنها كعامل قد يسمح بإنهاء الانقسام، وإعادة توحيد المؤسسات السياسية والسلطوية الفلسطينية، وبالتالي سنتحدث في العام القادم عن ثنائية الانقسام - الانتخابات مع مؤشرات سلبية حول جدية الرئيس محمود عباس في إجرائها إثر رفضه إصدار المرسوم الخاص بها، انتظاراً لإعلان إسرائيل موقفها من إجرائها في القدس المحتلة، ما يعطيها عملياً الفيتو على مجمل العملية. علماً بأنه، أي عباس، تعرض لضغوط من أجل الموافقة على الانتخابات، وأعتقد أنه راهن على رفض حماس لها. ويبدو أن موقف الحركة الإسلامية الإيجابى دفعه إلى التلكؤ والبحث عن مبررات لعدم إجرائها نهائياً، رغم أن الاتحاد الأوروبي وأطراف إقليمية ودولية أخرى طالبوا علناً بإصدار المرسوم لإثبات الجدية الفلسطينية، من أجل الضغط على إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال لتسهيل إجرائها في القدس.

خلال العام المقبل ستتواصل كذلك ثنائية التهدئة – التصعيد، وستستمر الأولى في فرض نفسها، مع انعدام أي احتمال لأن يؤدي التصعيد إلى تغيير جذري في الواقع الحالى، في ضوء تركيز الاحتلال الإسرائيلي على الجبهة الشمالية، واستعداده لدفع الثمن المدني الإنساني، ولو جزئياً، في الجبهة الجنوبية في سياق أوسع لإدامة، وحتى تأبيد الانفصال بين الضفة وغزة.
أما صفقة القرن، فستبقى مطروحة نظرياً فقط خلال العام القادم 2020، خاصة أن تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة سيتأخر إلى منتصف العام، هذا إذا لم يجرِ الذهاب إلى انتخابات رابعة تزيد المشهد تعقيداً. وفى كل الأحوال سيتزامن ذلك مع دخول الانتخابات الرئاسية الأميركية شهورها الحاسمة، علماً أن ثمة دلائل واضحة على التخلي عن طرحها رسمياً في ضوء صعوبة تمريرها، مقابل السعى اللئيم لتكريسها على الأرض بشكل تدريجي مستمر، كما حصل عبر الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم الإقرار بشرعية المستوطنات في الضفة الغربية.

غير أن النبأ السار جاء نهاية العام الجاري مع موافقة المحكمة الجنائية الدولية على التحقيق في جرائم الحرب الإسرائلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا شك في أن هذا المستجد سيهيمن على جدول الأعمال في الأشهر الستة القادمة، وربما العام كله، وإذا ما جرت متابعته فلسطينياً، كما ينبغى، وحُشدَت الطاقات اللازمة له، فستُوضَع إسرائيل تحت الضغط، وستتراكم الصعوبات أمامها في سعيها إلى فرض الوقائع على الأرض، أو بالأحرى ارتكاب الجرائم فى غزة والضفة على حد سواء.

المساهمون