علاقة السلطة بالاغتيالات... التنسيق الأمني واحدة من الأدوات

علاقة السلطة بالاغتيالات... التنسيق الأمني واحدة من الأدوات

30 نوفمبر 2019
خلال مواجهات مع الاحتلال في الخليل (حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -
أجمع خبراء ومحللون سياسيون على أن التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، كان من العوامل التي ساعدت الاحتلال في الوصول إلى بعض الفدائيين وقادة المقاومة في مختلف مناطق الضفة الغربية.

تلك العلاقة التي أنجبتها اتفاقية السلام بين منظمة التحرير وإسرائيل (اتفاق أوسلو) عام 1994، لطالما وصفتها قيادة المقاطعة بـ "التنسيق الأمني المقدس"، وأبدت قيادة الاحتلال إعجابها بالمستويات التي وصلت إليها. لكن السلطة الفلسطينية دأبت في السنوات الأخيرة على تهديد الاحتلال بوقف التنسيق الأمني، دون أي قرارات جدية تطفو على السطح حتى اليوم.
في هذا التقرير، سنتحدث عن الاغتيالات التي جرت في الضفة الغربية خصوصاً، عقب عام 1994، من حيث آليات الوصول، والأدوات، وأبرزها.

طرق عدة تقود الاحتلال إلى المطاردين
يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي علاء الريماوي، إن وصول الاحتلال إلى المطاردين وتصفيتهم يقسم إلى قسمين: القسم الأول يعتمد مباشرةً على العملاء والتنسيق الأمني من خلال تقديم المعلومات. أما القسم الثاني، فهو الاعتماد على تكنولوجيا التجسس، سواء عبر مراقبة أجهزة الهاتف أو تركيب أجهزة التنصت، ومراقبة السيارات.

ويتفق المحاضر في العلوم السياسية بجامعة بيرزيت صالح عبد الجواد، مع الريماوي، في أن الاحتلال يعتمد بالأساس على مزيج من التكنولوجيا والعنصر البشري على الأرض، في الوصول إلى المطاردين. وحول التنسيق الأمني، أكد عبد الجواد الذي سبق أن كتب وبحث في ملف الاغتيالات أن هناك تنسيقاً أمنياً قاد إلى الاغتيالات، لكن هذا يبقى تكهناً واستنتاجاً. وأشار إلى أن السلطة ملزمة وفق اتفاقية أوسلو بالتنسيق الأمني، وأن التنسيق من المفترض أن يكون من الجانبين، ولكن ما يجري هو تنسيق من طرف واحد نتيجة ضعف الطرف الفلسطيني.
أما المحلل والكاتب السياسي ساري عرابي، فيرى أن وصول الاحتلال إلى المطاردين يبقى معلومات استخبارية لا يمكن أن يجزم أي شخص بنسبة مئة بالمئة بكيفية الوصول إلى المطارد واغتياله. لكن وفق عرابي، إن أولى الأدوات التي اعتمد الاحتلال عليها، هي التكنولوجيا، ومن خلال تتبع العناصر الذين يتعاونون ويعملون مع المطارد، ومن خلال المعلومات التي تتجمع لدى الاحتلال من العملاء، بالإضافة إلى الاعترافات خلال التحقيق، إلى جانب ما يقال عن التنسيق الأمني.

هل توجد علاقة بين التنسيق الأمني والاغتيالات؟
يقول عرابي إن موضوع التنسيق الأمني سري وخاص من حيث حجم المعلومات التي يجري تبادلها بين السلطة وأجهزة أمن الاحتلال. لكن السلطة الفلسطينية تعترف بوجود التنسيق الأمني وفق عرابي، بدليل توصيات المجلسين المركزي والوطني أخيراً بوقف التنسيق الأمني، حتى لو لم تطبق، بمعنى أن هناك إقراراً من السلطة ومنظمة التحرير بوجود تنسيق أمني.
هذا التنسيق، أكد عرابي أنه يؤدي إلى تضييق حالة المقاومة كما لاحظنا ذلك في هبّة القدس الأخيرة، ولاحظنا كيف وصل الاحتلال بسرعة إلى المطاردين في الآونة الأخيرة، وكان هناك أكثر من حديث عن دور التنسيق الأمني.
علاء الريماوي يقسم دور السلطة الفلسطينية في الوصول إلى المطاردين ونجاح الاحتلال في الاغتيالات إلى جانبين:
الجانب الأول، أن هناك تنسيقاً أمنياً في ملاحقة بنية المقاومة، وهو ليس سراً، حيث تحدثت عنه السلطة الفلسطينية جهاراً، وقال الرئيس محمود عباس - كما ذكر الريماوي - إنه بالتنسيق مع الجهات الأمنية الإسرائيلية أُفشِل العديد من العمليات. وأضاف أن هذا يدفعنا إلى الاستنتاج أنه بالتنسيق يمكن الكشف على مكان وجود قيادات الفصائل.

بيئة لا تحمي المطاردين
الجانب الثاني، الذي تحدث عنه الريماوي، وهو متابع للشأن العبري، يتعلق بالبيئة السياسية والأمنية التي لا تحمي المطاردين في الضفة الغربية. وتابع: "نحن نتحدث عن بيئة غير حاضنة، بمعنى أن السلطة لا توفر حماية للمطاردين، ولا توفر حماية العامة لحركة المقاومة وفكرها، كما هو الحال في قطاع غزة، بل هناك ملاحقة واعتقال وكشف لبيئة المقاومة كما جرى مع باسل الأعرج عندما اعتقل مع مجموعته، وأدى بعد ذلك إلى استشهاده خلال اشتباك في وسط مدينة رام الله".

وبناءً على ذلك، يؤكد الريماوي أنه لا توجد حالة من التجانس ما بين المقاومة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، التي ترى من خلال تصريحات قيادتها أن المقاومة العسكرية تتنافى مع مشروع السلطة، ووصفها الرئيس محمود عباس في أكثر من مرة بـ "العبثية"، وبناءً على ذلك عندما نأخذ الصياغة العامة نجد أن هناك أزمة حقيقية ما بين المقاومة ومشروع السلطة الفلسطينية.

وفي هذا السياق، يرى ساري عرابي أن الإشكالية ليست في الضفة الغربية كمجتمع وبلد، حيث احتضنت الضفة الغربية العديد من المطاردين، من بينهم قائد كتائب القسّام محمد الضيف الذي جاء من غزة وعاش في الضفة الغربية لفترات، وهناك عمليات لم يتكشف الاحتلال منفذيها لسنوات، مثل خلية صريف في قضاء الخليل. وأشار إلى أننا لا نستطيع أن نقارن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث لا يوجد هناك على الأرض احتلال، وتوجد حكومة وسلطة توفر بيئة للمقاومة، وهذا الأمر لا يتوافر في الضفة الغربية. وأكد أنه منذ عام 2007 حتى اليوم، هناك ربط للناس بمنطق استهلاكي معين وحياة معينة في الضفة الغربية.

ولخص الريماوي السهولة التي يجدها الاحتلال في تنفيذ الاغتيالات بالضفة الغربية بعاملين: الأول أنه لا توجد حكومة متعاطفة مع حالة المقاومة، والثاني التطور الاستخباراتي العالي لدى الاحتلال، حيث تمتلئ شوارع الضفة بكاميرات المراقبة والحواجز.

كيف تُنفَّذ الاغتيالات في الضفة الغربية؟
يقول المحلل السياسي ساري عرابي، إن هناك عدة آليات لتنفيذ الاغتيالات، من بينها الاغتيالات التي جرتت عبر الاشتباكات المباشرة بين المقاوم وقوات الاحتلال. ومن الأدوات التي انتهجها الاحتلال الاغتيالات عبر القصف من الجو، وهناك اغتيالات جرت عبر تفخيخ المتفجرات.

مراحل متدرجة  
خلال بحث في أبرز الاغتيالات التي جرت في الضفة الغربية منذ عام 1994 وحتى اليوم، نستطيع تقسيمها إلى ثلاثة مراحل:

المرحلة الأولى، وهي منذ تشكيل السلطة الفلسطينية وحتى انتفاضة الأقصى، حيث لاحقت أجهزة الأمن قادة المقاومة وبنيتها.

المرحلة الثانية، فهي خلال انتفاضة الأقصى، ونفذت إسرائيل منذ عام 2000 وحتى اليوم نحو 430 عملية اغتيال بحق قيادات سياسية وعسكرية ونشطاء فلسطينيين في مختلف المناطق، حسب معطيات مؤسسة الحق الفلسطينية.

المرحلة الثالثة للاغتيالات في الضفة الغربية، فكانت التصفية السريعة لمنفذي العمليات الفردية عقب الهبّة الشعبية التي بدأت في أكتوبر 2015، من بينهم الشهيد محمد الفقيه عام 2016، وباسل الأعرج عام 2017، وأحمد نصر جرار وأشرف نعالوة وصالح البرغوثي عام 2018، وعمر أبو ليلى عام 2019.

المساهمون