هل سيعترف النظامان العالمي والعربي بالنتائج؟

هل سيعترف النظامان العالمي والعربي بالنتائج؟

27 أكتوبر 2019
فوز حماس لم يحظ باعتراف دولي(محمد عابد/فرانس برس)
+ الخط -
لم تكن القضية الفلسطينية يومًا بمعزل عن السياسة العربية والدولية، فهي حاضرة وبشكل مستمر في الأروقة السياسية المختلفة، ولا يخفى على أحد مدى تأثير القضية الفلسطينية وتأثُرها أيضًا بما يجري في الساحة العربية والدولية من أحداث ومجريات، وقد استخدمتها حكومات مختلفة في منعطفات عدة كورقة رابحة تكسب بها المواقف أو تتجاوز بها الملمات، وتنطلق خصوصية القضية الفلسطينية من طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي وأهمية هذه الشريحة من الأرض التي تحتل من الناحية الجغرافية موقعًا استراتيجيًا متميزًا، وتحمل على ظهرها الكثير من المتضادات العرقية والدينية والتاريخية والاجتماعية.

ولهذا يزيد الاهتمام العربي والدولي بكل ما يجري على الساحة الفلسطينية وبكل ما يتعلق بها داخليًا وخارجيًا من أحداث بشكل عام وبالانتخابات ونتائجها بشكل خاص، حيث تنشغل الأجهزة الأمنية والاستخبارية في عدد من الدول العربية والغربية وفي دولة الاحتلال الإسرائيلي وكذلك مراكز الدراسات والأبحاث السياسية بدراسة العملية الانتخابية الفلسطينية وإفرازاتها ووضع سيناريوهات وفرضيات عن أدواتها ومسارتها ومآلاتها، وقد كان هذا الأمر واضحًا وضوح الشمس في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة والتي جرت في عام 2006 وفازت فيها كتلة التغير والإصلاح التي تمثل حركة حماس، مما دفع الكثير من المراقبين إلى وصف ما حدث بالتسونامي الأخضر، وقد شكل فوز حركة حماس حينها صدمة حقيقية للجميع حتى لأولئك الذين كانوا يتوقعون فوز حماس لكن بنسبة أقل بكثير مما حصلت عليه، وقد تجاوزت أصداء الفوز الحمساوي المنطقة العربية لتصل إلى دول العالم كافة، ولكن وعلى الرغم من وصول حماس إلى البرلمان عبر عملية ديمقراطية مشهودة النزاهة إلا أن النظام العالمي لم يتعاطَ معها ولم يتعامل مع أي من أطروحاتها، ورفض بطريقة غير مباشرة نتائج هذه الانتخابات وتنكر للعملية الديمقراطية برمتها، إذ اشترط على حماس حزمة من الشروط التعجيزية التي لا يمكن للحركة أن تقبل بها أو أن تتعاطى معها لتعارض هذه الشروط بشكل جذري مع برنامج الحركة السياسي وخلفيتها الأيديولوجية.

إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عزمه إجراء انتخابات فلسطينية أثناء كلمته التي ألقاها في الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة أثارت الكثير من علامات الاستفهام عن سبب إقدامه على هذا الإعلان من على منبر الأمم المتحدة في سابقة لم يقم بها رئيس قبله، في حين أن هذا شأن فلسطيني داخلي يفترض أن يؤخذ بعد توافق وتشاور ودراسة من كافة ألوان الطيف الفلسطيني، ومما يثير الدهشة أيضًا أن هذا الإعلان قد سبقه إعلانات مشابهة لم يرَ أي منها النور، وجاء كذلك بعد 13 عاماً من آخر انتخابات أجريت في الأراضي الفلسطينية، وفي ظل قطيعة وانقسام فلسطيني حاد بين قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس والضفة الغربية التي تسيطر عليها حركة فتح، وإن كان من دلالة يمكن لمسها من حيثيات إعلان عباس فهي أن هناك إرادة دولية أو على الأقل عربية يمكن أن تكون السبب في دفع السلطة إلى إجراء الانتخابات، ومن المستبعد أن يخطو الرئيس عباس هذه الخطوة تحت سقف الأمم المتحدة وفي هذه الظروف الحرجة والحساسة في عمر القضية الفلسطينية من دون أن يجمع حوله التأييد والموافقة العربيين والدوليين اللازمين لإنجاز الأمر.

حتى اللحظة لم تتبين بعد جدية السلطة الفلسطينية في التوجه للانتخابات ولم يعلن عن موعدها، وتحيط بها العديد من العقبات وتترصدها الكثير من المخاطر التي قد تؤدي إلى إجهاضها وعدم إجرائها، وعلى رأس تلك المخاوف رفض الاحتلال الإسرائيلي إجراء انتخابات في القدس الشرقية، إذ إنها عاصمة أبدية لدولة الاحتلال وفقا للاعتراف الأميركي، وقد ترفض حماس إجراء انتخابات تشريعية دون الرئاسية والمجلس الوطني فتمنع إجراءها في قطاع غزة الذي تسيطر عليه منذ الأحداث الداخلية في صيف 2007، وقد يتعرض الرئيس عباس لضغوط من الجهات الأمنية للتراجع عن قراره خوفًا من فوز حماس بالانتخابات وتفوّقها على فتح، خاصة في الضفة الغربية. وهذه المخاوف قد تمنع حدوث انتخابات لكن هب أن الفلسطينيين استطاعوا التوافق في ما بينهم والمضي نحو الانتخابات وإجرائها على أعلى درجة من الديمقراطية والشفافية والنزاهة، فهل ستُحترم نتائجها عربيًا ودوليًا وأميركيًا، وهل ستُفتح للفائز بها أبواب البرلمانات العالمية وستتقبله الأسرة والمجتمع الدولي متفهمة لبرنامجه الانتخابي وتطلعاته الوطنية، وهل ستُحترم إرادة الشعب الفلسطيني في حرية اختياره لمن يمثله ويقوده، أم إننا سنقف مرة أخرى أمام نفس المعضلة التي أعقبت الانتخابات الماضية وما زالت نتائجها وآثارها قائمة حتى الآن؟

لم تكن المشكلة في انتخابات 2006 تتعلق بالعملية الديمقراطية ولا بمجريات الانتخابات بل كانت فيما أفرزته هذه الانتخابات من نتائج وصعود حركة حماس المصنفة حركة إرهابية إلى سدة الحكم والقيادة، وذات المشكلة ستبرز في أي انتخابات فلسطينية قادمة إذا ما أفرزت هذه الانتخابات قوى حزبية تحمل توجهات فكرية وسياسية لا تتوافق ولا تنسجم مع توجهات الحكومات العربية، والمجتمع الدولي، والإدارة الأميركية التي وبما أقدمت عليه من قرارات بقيادة الرئيس دونالد ترامب فضحت انحيازها التام والمطلق للمصالح الإسرائيلية، وستتفجر فور إعلان نتائج الانتخابات الفلسطينية الكثير من الأسئلة الحتمية من القوى العالمية كافة عن الموقف من دولة الاحتلال الإسرائيلي وعملية التسوية السلمية وأوسلو وسلاح المقاومة والسيادة على الأرض والمستوطنات، ومصير الوصاية والرعاية العربية للقضية الفلسطينية والموقف من العلاقات العربية الإسرائيلية المتطورة بشكل مترد، وأسئلة أخرى أكثر من أن تحصى أو أن تُتَوقع. وستنطلق الحملات الدولية والعربية الهادفة لتغير المسار الديمقراطي وحرف الفلسطينيين عن هدفهم في بناء نظام سياسي حضاري وترتيب البيت الفلسطيني، وممارسة الضغط عليهم لابتزازهم وانتزاع المواقف منهم وكسر إرادتهم وخفض سقف تطلعاتهم، بما يتوافق مع حالة الانهزام والتبعية التامة لواشنطن وتل أبيب، مع التلويح كما الحال عند المساومة على القضايا المصيرية والثوابت الوطنية بالترغيب والامتيازات مرة وبالترهيب والعقوبات أخرى.

التحذيرات والتوقعات بدأت مبكرة هذه المرة فقد نشرت صحيفة يسرائيل هيوم العبرية تقريرًا جاء فيه، أن تقديرات إسرائيلية وأردنية وفلسطينية، تشير إلى أن حركة حماس ستفوز في الانتخابات التشريعية، في حال إجرائها، وقد ذهب التقرير إلى أنه من المستبعد أن تجري الانتخابات التشريعية في عهد الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس، على الرغم من إعلانه الذهاب لها، خوفًا من سيطرة حماس عبر الانتخابات، على الضفة الغربية المحتلة أيضًا، وبالنظر إلى الواقع فإن الأنظمة العربية وبحكم علاقاتها ومصالحها المتشابكة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد حرب اليمن وما تبعها من أحداث، لن تكون قادرة على مخالفة الإرادة الإسرائيلية أو أن تتجاوز موقفها من الانتخابات ونتائجها، وهي بالتأكيد لا ترغب في عرس ديمقراطي فلسطيني حقيقي يفرز لها مجلسا تشريعيا بأغلبية لا تتوافق مع سياساتها ولا تندمج معها في مشاريعها التطبيعية والتصفوية، ولن يكون الموقف الأميركي من الانتخابات في صف المصلحة الفلسطينية وسترفض الإدارة الأميركية نتائجها وتضع العراقيل أمامها، وستتساوق الإجراءات الأميركية مع رغبة الاحتلال في إبقاء الشعب الفلسطيني غارقًا في الأزمات ومقيدًا بالخلافات حتى لا يتمكن من بناء نظام سياسي وطني توافقي يعمل على انتزاع حقوقه وتحقيق مآربه التحررية، وحينها سنجد أنفسنا مرة أخرى أمام سيناريوهات من الفوضى والتشظي لا تختلف كثيرًا عن تلك التي عايشناها بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية السابقة.

وخلاصة القول إن واشنطن والأنظمة العربية والغربية ورغم تغنيها بالديمقراطية، إلا أنها لن تعترف بنتائج انتخابات لا تتوافق مع قواعدها السياسية ومساراتها الإجبارية، وستعمل على إسقاط أي تجربة لا تخدم أجندتها ومصالحها، حتى وإن قامت تلك الانتخابات على أسس ديمقراطية وحضارية سليمة.

المساهمون