دلالات إصرار "حماس" على الانتخابات المتزامنة

دلالات إصرار "حماس" على الانتخابات المتزامنة

27 أكتوبر 2019
تعترض "حماس" على قانون الانتخابات (محمود همص/فرانس برس)
+ الخط -
تعددت المرات التي اتفقت فيها كل من حركتي فتح وحماس بضرورة الذهاب للانتخابات العامة، وعند الاقتراب من استحقاق الانتخابات وتفاصيلها تبدأ الخلافات على التفاصيل، هذا عين ما يحدث الآن، الرئيس الفلسطيني دعا من على منبر الأمم المتحدة إلى إجراء الانتخابات العامة، التقطت حركة حماس الدعوة وردت عليها بالإيجاب، وعند التفاصيل تبين أن السلطة تريد انتخابات تشريعية أولاً، في حين تطالب حماس بانتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة.

لم توافق حركة حماس على دعوة الرئيس عباس لإجراء الانتخابات العامة فقط، لكنها موافقة مشروطة فالحركة ترفض عقد الانتخابات في قطاع غزة في حال لم تكن متزامنة رئاسية وتشريعية، وأن تعتمد الانتخابات التشريعية على ما تم الاتفاق عليه عام 2011 أي النظام المختلط الجزئي 75% للقوائم و25% للدوائر، في حين تقول السلطة إنها ستعتمد مبدأ التمثيل النسبي الكامل.

إصرار حماس على تزامن الانتخابات بل والقول بتقديم إجراء الانتخابات الرئاسية على التشريعية واعتماد النظام المختلط يعود لعدة عوامل ومعطيات أهمها أن رئاسة السلطة الفلسطينية كانت قد حدّثت قانون الانتخابات في سبتمبر عام 2007 بعد حدوث الانقسام، لم يكن ذلك لمنع تكرار الانقسام، لكن لضمان ألا تشارك حماس في أي انتخابات قادمة إلا بشروط توافق عليها مسبقاً، إذا يشترط قانون الانتخابات الجديد في المادة 45 ضرورة اعتراف المرشحين للانتخابات بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً، وبإعلان الاستقلال وبأحكام القانون الأساسي. الأمر الذي سترفضه حركة حماس مسبقاً لأن مرسوم القانون تمت صياغته من دون مشاورتها والرجوع إليها، وهي التي لها أغلبية نواب المجلس التشريعي.

أمر آخر بهذا الخصوص أن المدير التنفيذي للجنة الانتخابات المركزية هشام كحيل استبق أي حديث يمكن أن تقوله حركة حماس بهذا الخصوص، إذ أعلن أن الانتخابات ستتم وفق القانون ولا تفاوض على أي نقاط سياسية.

وهذا أمر لا يمكن أن تقبل به وتمرره حركة حماس وهي ليست شريكة فيه، ثم إن مواقف الحركة من منظمة التحرير تقول بضرورة إصلاح المنظمة لتصبح ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وبالتالي لا يمكن أن تُقر "حماس" بذلك قبل أن تكون كل الفصائل داخل إطار المنظمة، خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

لا تقتصر اشتراطات الانتخابات على السلطة الفلسطينية فقط، بل لحماس شروطها ومطالبها أيضا، وإن كانت مختلفة، فموافقة حماس على دعوة الرئيس عباس لإجراء الانتخابات لا تستبعد سيناريو التزوير أو ألا تتم العملية في أجواء من النزاهة والشفافية، لذلك طالبت الحركة بضرورة وجود إشراف دولي على الانتخابات الفلسطينية حال الموافقة على إجرائها، وهو ما طالب به عضو المكتب السياسي للحركة، سهيل الهندي، حين أعلن أنه "يجب أن تكون هناك جهات دولية تشرف على نزاهة هذه الانتخابات".

الدعوة للانتخابات فلسطينياً بين القبول والرفض من حماس وفتح والاشتراطات سيناريو معاد ومكرر باختلاف وتبادل الأدوار، ففي 16 يونيو/حزيران عام 2010، أعلنت حركة فتح أنها اقترحت على أنقرة إشراف تركيا على الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية بعد إنهاء الانقسام.

وقال آنذاك رئيس كتلة فتح البرلمانية، عزام الأحمد، خلال مؤتمر صحافي عقده في رام الله، "نكرّر أننا نوافق على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بإشراف تركيا ورقابة عربية ودولية ومن كل المؤسسات الدولية". وأعرب الأحمد عن أمله أن توقّع حركة حماس على الوثيقة المصرية وترفض كل الضغوط الخارجية والمصالح مع بعض الدول ، لأن 90 في المئة من بنود الوثيقة صياغة فلسطينية، وليس هناك أي مبرر لرفضها".

التمعن في قراءة حيثيات دعوات الانتخابات فلسطينياً تدفع إلى نتيجة واحدة أننا نعيد إنتاج السيناريوهات ذاتها، وندور في الدائرة ذاتها، من دون مغادرتها، والأمر لا يتعدى كونه كسباً للوقت من دون التحرك خطوة واحدة على الإطلاق، وبإعادة القراءة في تفاصيل الانتخابات ودعواتها ووعودها نجد أنه في 7 مارس/آذار الماضي التقى وفد من لجنة الانتخابات المركزية في رام الله، برئاسة حنا ناصر، مع قيادة حركة حماس في قطاع غزة، لبحث ملف الانتخابات العامة، التي أعلن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، رغبته في الذهاب إليها.

وكان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، قد استقبل الوفد في مكتبه بمدينة غزة، وناقش الجانبان ملف الانتخابات بشكل كامل، وقد كانت زيارة حنا ناصر بناء على طلب الرئيس عباس بالذهاب إلى غزة والتباحث مع حماس حول الأمر. وعقب اللقاء، أعلن رئيس لجنة الانتخابات تلقيه أفكاراً إيجابية من حماس، سينقلها إلى الرئيس عباس، ثم جمد موضوع الانتخابات نهائياً ليتم إعادة استدعائه مؤخراً ومن دون سابق اتفاق.

تدرك حماس أن الدعوة للانتخابات هي مجرد ذر للرماد في العيون، وهذا ما تثبته الحقائق والوقائع فمنذ عام 2009 والدعوة للانتخابات مستمرة، تحضر في وقت ما ثم تختفي لتعود في عام آخر، وربما يشهد العام الواحد أكثر من دعوة للانتخابات ويحدث أن تذهب الدعوة بعيداً وتبدأ في المناقشات، ثم تعود مرة أخرى لتختفي وكأن شيئا لم يكن.

إصرار حماس على الانتخابات المتزامنة لا يعني فقط أنها تعلمت وحفظت الدرس من التجارب والدعوات والجولات السابقة، لكنها لا تريد أن يتكرر سيناريو انتخابات عام 2006 عندما فازت بالأغلبية في الانتخابات التشريعية، في حين كانت الرئاسة لحركة فتح، الأمر الذي أفضى لصدام السلطة التشريعية ممثلة بالمجلس التشريعي بالسلطة التنفيذية ممثلة بالرئيس محمود عباس.

هذا محدد، المحدد الآخر أن حماس تريد القفز إلى رئاسة السلطة الفلسطينية وبالتالي تريد تزامن الانتخابات الرئاسية والتشريعية لأنها ستدفع بمرشح للانتخابات الرئاسية ليس بالضرورة أن يكون من حركة حماس يكفي أن تدعمه ويكون قريبا منها وبالتالي تضمن حماس بأنها لو خرجت من أغلبية التشريعي فإنها لن تخسر الرئاسة، وبهذا تضمن حماس الحضور في السلطتين التشريعية والتنفيذية خاصة وأن فتح أعلنت بأن مرشحها الوحيد إذا جرت الانتخابات الرئاسية هو محمود عباس وهو ما يشجع حماس للمشاركة في الانتخابات الرئاسية.

إصرار حماس على تزامن الانتخابات يعكس خشية مستترة لدى الحركة بأن تقتصر الانتخابات إذا جرت على المجلس التشريعي فقط، ثم تتهرب السلطة وحركة فتح من إجراء انتخابات رئاسية.

المساهمون