المصالحة إلى مربع الصفر!

المصالحة إلى مربع الصفر!

26 يناير 2019
قرار عباس حل" التشريعي" كان نقطة فاصلة(عباس مومني/فرانس برس)
+ الخط -
عادت المصالحة بين حركتي فتح وحماس لمربع الصفر بعدما كادت القاهرة أن تنجح وتفلح في تمرير ورقة غير مكتوبة بينهما، لكن أمر المصالحة لا يبدو ثنائيًا فقط بين الحركتين ولا يبدو مجرد قرار سياسي يمكن تمريره إذا ما توفرت إرادة سياسية لكليهما، المصالحة تمر في بيئة غاية في التعقيد وتجاوز نجاحها أو فشلها قضية تتجاوز الإرادة السياسية، ذلك أن القرار الفلسطيني بمجمله هو قرار ابن بيئته، أي يصنع في بيئة ووفق عملية مدخلات ومخرجات تتجاوز الإرادة الذاتية لفتح وحماس، وتتقاطع مع مجموعة متغيرات عربية وإقليمية، بمعنى آخر لم يعد ممكناً أن تنجح حماس وفتح في المصالحة في وقت وبيئة النظام الإقليمي العربي منقسم.
جاء قرار رئيس السلطة محمود عباس بحل المجلس التشريعي ليكون الشعرة التي قصمت ظهر البعير، إذ شكل حل المجلس ما يمكن وصفه بنهاية جولات المصالحة ووضع العربة أمام الحصان، بل إن الذهاب للانتخابات، وإن حدث توافق على ذلك، لا يمنع استمرار الانقسام، والسيناريو المعقول هنا ماذا لو فازت حماس بالأغلبية مرة أخرى في الانتخابات القادمة التي جاءت كخطوة مكملة لقرار حل المجلس التشريعي، ما ضمانات ألا يستمر الانقسام، والأهم هنا لماذا عادت المصالحة لمربع الصفر، والمهم هنا لماذا عادت لا كيف عادت؟
عادت المصالحة إلى مربع الصفر لأن البيئة السياسية بمتغيراتها الداخلية والخارجية فعلت مفاعيلها وليس لأن حماس وفتح فقط لا تريدان المصالحة والتصالح، قطعاً لا يعني هذا تغييب أو إسقاط الأسباب الذاتية من الحسابات والمعادلات، فجزء من عودة المصالحة لمربع الصفر هو نتيجة ذاتية بالأساس، ويتعلق بسلوك حماس وغضب عباس. إن فهم مسببات العودة بالمصالحة لمربع الصفر بحاجة لفهم والإحاطة بالبيئة التي تمر بها ومرت بها المصالحة، وبذلك عودة المصالحة لمربع الصفر لا ترتبط بخلاف على فهم وتنفيذ اتفاقات المصالحة إطلاقا ولا تتعلق بالتمكين أو التسليم من عدمه.
عودة المصالحة لمربع الصفر ترتبط بسلوك فلسطيني وتعاط عربي وإقليمي، فالبيئة العربية والإقليمية والدولية حاضرة وهي التي أفضت لاتساع الفجوة بحضورها بين فتح وحماس، ذلك أنه كلما اقتربت حماس وفتح من المصالحة بمجهود أو دور عربي أو خارجي ما تتدخل أطراف ومتغيرات خارجية لتعيدهما لمربع الصفر، هذا أمر بات متتاليا ومتواليا وحاضرا عند كل جولة يقال إنها نجحت أو قد تنجح في تقريب الطرفين من التصالح. لم يعد يسمح لطرف خارجي ما أن ينجح في تحقيق المصالحة، هذه معادلة قائمة وما زالت.
كانت زيارة وفد حماس البرلماني للخارج طوال شهرين وسماح القاهرة له بالمرور بمثابة القطرة التي أفاضت كأس عباس، وانعكست نتائج الجولة بشكل واضح على سلوك السلطة الفلسطينية، حد إغضاب الرئاسة وذهابها لحل المجلس التشريعي ردا على جولة الوفد البرلماني. وكانت السلطة الفلسطينية قد علمت أن وفد كتلة التغيير والإصلاح الممثل لحركة لحماس في المجلس التشريعي كان قد أرسل رسالة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس مفادها أن عباس "لا يمثل الشعب الفلسطيني وأن ولايته انتهت وأنه مغتصب للسلطة"، وهو ما أغضب أبو مازن، فقرر قطع الطريق على أي مصالحة مع حماس وحل التشريعي لإنهاء أي صفة تمثيلية نيابية لنوابها وكتلتها.
كانت السفارات الفلسطينية في الخارج قد راقبت جولة وفد حماس البرلمانية الخارجية واستطلعت نتائجها وتفاصيلها ورفعت تقاريرها للرئاسة الفلسطينية، وتفيد هذه التقرير بأن الوفد كان يتحدث للدول التي يزورها عن فقدان عباس للأهلية العقلية والشرعية الدستورية، وأنه يعمل ضد مصلحة الشعب عبر تقديم التنازلات واستمرار التنسيق الأمني.
هذه المواقف التي أبدتها حماس من رئاسة أبو مازن عقّدت الوضع، خاصة قرار نوابها بعدم أهليته وكذلك محاولة حماس التشويش على تسلمه رئاسة مجموعة الـ77 + الصين في الأمم المتحدة، التي باتت تضم أكثر من مائة وثلاثين دولة، وقد أرسلت حماس بواسطة النائب أحمد بحر رسائل إلى الدول المختلفة موقعة بأسماء جمعيات تابعة لها تذكر فيها أن محمود عباس لم يعد رئيساً.
وما بين رسالة وفد حماس للأمين العام للأمم المتحدة وبين جولة وفدها للخارج، جاء الإعلان عن نية إسماعيل هنية القيام بزيارة خارجية استجابة لدعوة من روسيا، الأمر الذي استقبلته السلطة الفلسطينية كأنه تجاوز لها وقفز عليها، فقررت الذهاب بعيدًا في خطواتها وإجراءاتها، بل قام أبو مازن بزيارة عاجلة للقاهرة للاستفسار عن جدية السماح لهنية بالمرور من معبر رفح للقيام بجولة خارجية، فكان سحب موظفي السلطة من معبر رفح خطوة لقطع الطريق على هنية، ورفع الحرج عن مصر.
عادت المصالحة لمربع الصفر بعدما حظرت حماس خروج جماهير فتح لإحياء ذكرى انطلاقة فتح في غزة، خاصة أن خطوة حماس قد جاءت عقب أيام من جهود بذلتها السلطة ومندوبها في الأمم المتحدة لمنع صدور قرار مشروع تقدمت به واشنطن لاعتبار حماس حركة إرهابية، وهو ما لم تلتقطه حماس ولم يحظ باستحسان لديها، في حين أنها سمحت لأنصار تيار محمد دحلان بإقامة احتفالاتهم، وبدت حماس هنا وكأنها تلعب بورقة دحلان في مواجهة السلطة. ووصلت الأمور حد التلويح بتسليم مقرات فتح لأنصار دحلان في غزة.
وبذلك الرفض وهذه الموافقة تكون حماس قد دخلت على التناقضات التنظيمية داخل حركة فتح. وبالفعل فرفض حماس لإقامة مهرجان انطلاقة فتحاوي أفضى لخلافات حادة داخل حركة فتح، وتحديدا قيادة الضفة وغزة وعلى مستوى اللجنة المركزية، لا سيما بعدما قررت قيادة فتح في غزة إلغاء مهرجان الانطلاقة كإجراء احترازي لمنع الصدام والاصطدام بين مناصري فتح والأجهزة الأمنية بغزة، وهو ما رفضته قيادة فتح بالضفة.
عادت المصالحة لمربع الصفر نتيجة للتالي:
- على الرغم من تجريم الاعتقال السياسي وتحريمه، إلا أنه يبقى مجرد شعار يتردد فقط، فقد عادت الاعتقالات المتبادلة في الضفة والقطاع، وتعطيل نشاط المؤسسات، ثم أغلقت فتح مقراتها التنظيمية ومؤسساتها الإعلامية في القطاع، وسحبت السلطة موظفيها من معبر رفح، كل هذه الإجراءات أعادت المصالحة لمربع الصفر.
- لم تصل حركتا حماس وفتح بعد إلى قناعة ذاتية كاملة بضرورة إنهاء الانقسام، وهذا ما تُظهره كمية الاتفاقات والمبادرات التي جرت طيلة الفترة الماضية، حيث كان كل طرف يسعى إلى تجنب تقديم تنازلات تفضي إلى المصالحة، فلا حماس تريد إنهاء سيطرتها على قطاع غزة، ولا فتح تريد لحماس أن تشاركها في تقاسم السلطة.
عندما كانت حماس مكبلة الحركة للخارج كانت تقترب من المصالحة، لكن بمجرد أن تحركت صوب الخارج تراجع حضور المصالحة في أجنداتها، هكذا بدا الأمر عندما عاد هجومها على عباس.
- عباس قرر اتخاذ خطواته وإجراءاته وعقوباته وفق توافق عربي ما، فالرجل غاضب من الدعم القطري لحماس، أعلن ذلك مرات عدة، وغاضب من عودة حماس لإيران، وغاضب من سماح إسرائيل بمرور الأموال لغزة، ويرى أن هذا تجاوز له ولقراراته وخطواته وإفراغها من أي أثر لها، وبالتالي اقترب من القاهرة وزارها للبحث عن غطاء عربي لخطواته، ويبدو أنه نجح. فمصر لا تزال تفتح معبر رفح باتجاه واحد وتصر على عودة السلطة للمعبر لفتحه أمام المغادرين من غزة إلى العالم الخارجي والعائدين إليها.

المساهمون