التحالف الديمقراطي الفلسطيني... تحديات المرحلة

التحالف الديمقراطي الفلسطيني... تحديات المرحلة

26 يناير 2019
لا يخفى على قادة التحالف تراجع اليسار(بشير نزال/فرانس برس)
+ الخط -
لا يمكن فهم الحركة الوطنية الفلسطينية، مسيرتها ومآلاتها ومستقبلها، دون أن يكون اليسار حاضراً في عمق هذا الفهم، ذلك أنه ببساطة شديدة لا يمكن اختصار الحركة الوطنية الفلسطينية في تيارين اثنين فقط؛ هما الوطني والإسلامي أي "فتح" و"حماس"، دون استحضار اليسار الفلسطيني، والاستحضار هنا لا يعني أنه غائب أو ربما عائد، لأن تاريخ النضال الفلسطيني لا يمكن الإلمام به إذ لم يكن اليسار حاضراً فيه، وأنه من باب الإنصاف الاعتراف بأن تتبع سيرة ومسيرة اليسار ونضالاته وأدواره، لا يمكن اختصارها هنا في هذا الموضع. فقائمة العمليات الفدائية النوعية التي نفذها اليسار الفلسطيني وخريطة علاقاته وامتداداته وأدبياته وإسهاماته، والنماذج التي قدّمها ويقدمها تطول للحدّ الذي يصعب الإتيان عليها كلّها. لكن هذا لا يمنع من إجراء قراءة لواقع اليسار الفلسطيني موقعه وتموضعه، وخاصة بعدما أعلن تشكيله لتحالف ديمقراطي فلسطيني جديد.
تحالف قوى اليسار الفلسطيني ليس شأناً تنظيمياً ضيقاً يتعلق بخمسة فصائل أو أكثر، بل هو جزء من مسألة وطنية عامة، ولا سيما أن هذا التحالف يأتي في حالة انقسام فلسطيني ممتدة حتى باتت مزمنة، ومن ثم أي تموضع أو تحالف أو اقتراب بين أي قوى سياسية فلسطينية مهما كان لونها وطنياً أو إسلامياً أو يسارياً، هو وضع سينعكس إجمالاً على واقع الحركة الوطنية الفلسطينية، وهو وضع وواقع يحاول ويجتهد فيه اليسار الفلسطيني الإفلات من واقع الهيمنة، الذي اختصر الحركة الوطنية الفلسطينية بكل مكوناتها في فتح وحماس. وخاصة أنه طوال عمر الحركة الوطنية الفلسطينية وقوى اليسار الفلسطيني، شكلت رافعة نضالية واجتماعية وثقافية وقد قدمت تضحيات عديدة، وقد أثر تراجع حضور اليسار وتغييبه وتجلّى واضحاً في تراجع الحركة الوطنية الفلسطينية عموماً.
اليسار الفلسطيني ليس شعاراً أو مجرد تيار، لكنه حالة فلسطينية سياسية ونضالية واجتماعية، ينعكس سلوكها وحضورها وفعلها وفكرها على مجمل الحالة الفلسطينية. وعندما تعلن خمسة فصائل يسارية هما الجبهتان الشعبية والديمقراطية، وحزب الشعب، وفدا والمبادرة الوطنية، تشكيل تحالف بينها تحت اسم (التحالف الديمقراطي الفلسطيني)، فهذا لا يعني شأناً تنظيمياً يسارياً بل هو حالة نهوض واستنهاض للحالة الفلسطينية وللحركة الوطنية، ومدخل لإعادة بناء وهيكلة منظمة التحرير ومواجهة للاستقطاب الحاصل، وكسر للاحتكار والاستئثار الذي أنتجه الانقسام، فأصبح اقتسام للضفة وغزة بين حركتي فتح وحماس. وهو أيضاً مبادرة لإنقاذ القضية الوطنية الفلسطينية من ثنائية فتح وحماس، التي لم تكن ولم تشكل حرمة الدم الفلسطيني خطاً أحمر بالنسبة لهما.
لقد حمل إعلان التحالف الديمقراطي الفلسطيني جملة دلالات، يمكن تلمسها في خطاب إعلان التحالف ذاته والتصريحات التي لازمته وتزامنت معه، ومن الإجحاف اختصار إعلان التحالف بأنه حالة يسارية حصرية فقط، وخاصة أنه قد أعلن أنه يسعى لتوسيع قاعدته بإضافة شخصيات وطنية مستقلة، ومن ثم قد يكون أمام هذا التحالف فرصة كبيرة ليصبح ويجسد تياراً ثالثاً حقيقياً لا مجرد تيار يساري فقط.
إن المبادرة ثم القدرة على الذهاب إلى بناء تحالف ديمقراطي فلسطيني، سواء اقتصر على فصائل اليسار وحدها أو توسعت قاعدته لتشمل إضافات وطنية وشخصيات مستقلة أخرى، هو بحدّ ذاته إنجاز وخاصة في ظل حالة الاستقطاب الحاصلة، ومن ثم فإن الأمر ليس عودة لليسار، لكنه إعادة تموضع لليسار عبر هيكلية جديدة تقدم نموذجاً واقعياً وحقيقياً وممكناً ومتاحاً للوحدة الوطنية الفلسطينية عامة.
يعترف ويقرّ خطاب اليسار الفلسطيني وتصريحات قادته بالواقع الفلسطيني عموماً، وبواقع اليسار وموقعه وتراجعه تحديداً؛ لا يخفي هؤلاء الإقرار بأن اليسار رجع وتراجع خطوات، وها هم يعلنون أن أحد أهداف التحالف الديمقراطي هو إعادة ترتيب بيت اليسار ليشكل حضوراً مؤثراً وفاعلاً وحاضراً على الساحة السياسية الفلسطينية، في ظل ما يحدث وما يشهده الواقع الفلسطيني، ليكون قادراً على الدفع باتجاه اجتراح مصالحة وطنية فلسطينية حقيقية، وذلك أحد التحديات التي تواجه التحالف الديمقراطي الفلسطيني بقدرته على أن يكون نواة لوحدة وطنية فلسطينية.
إن دلالات تشكيل التحالف تتجاوز الأفق الضيّق، أي اختصاره بأنه حالة يسارية تتعلق وتضيق وتختصر الأمر كشكل ائتلاف لقوى يسارية فقط، وخاصة أن مضامين الخطاب التي ترافقت مع إعلانه تذهب بأن الأمر حالة فلسطينية جديدة بمكونات قديمة، تجمع وتجتمع على مسارين من الأهداف؛ الأول تنظيمي ذاتي أما الثاني فوطني فلسطيني عام، لأن من بين أهداف التحالف مثلاً التصدي لصفقة القرن بكل ما يترتب عليها، وحماية منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة بناء مؤسساتها وإعادة دورها بشكل وطني، في ظل حالة الخطر القائمة عليها والتفرد الذي يسود قيادتها في الفترة الأخيرة. والأهم تأكيد الخطاب بأن التحالف ليس بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويستدرك الخطاب قائلاً بأن هذا لا يمنع تبني خطوات ميدانية لإعادة بناء المنظمة على أساس توافق وطني لتكون مظلة للجميع.
ومن ضمن الأهداف التي يسعى التحالف إلى تحقيقها وفق الخطاب المقدم والمرافق للإعلان، أداء دور محوري في إنهاء الانقسام، لأن التحشيد لهذا التيار من شأنه أن يؤثر إيجابياً، في الضغط من أجل تعزيز الاتفاقيات الوطنية التي وقّعت وتحديداً في ملف المصالحة الداخلية وإنهاء الانقسام. وخاصة أن القوى المكونة للتحالف قد أعلنت بأنها ستعمل على الوصول إلى برنامج سياسي مشترك.
تبدو أهداف التحالف المعلنة كبيرة وتبدو التحديات أكبر، ولكن المحصلة بالنتائج لا بالخطاب فقط، ولا شك بأن إعلان التحالف قد جاء في بيئة في غاية التعقيد في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وقد يبدو عصياً على التحالف التصدي لكل هذه التحديات والممارسات الإسرائيلية المدعومة من إدارة ترامب، لكن إذا استطاع التحالف أن يقدم نموذجاً وحدوياً لقوى اليسار تكون قادرة على تراكم ضغوطات كافية، وكفيلة لإنهاء الانقسام وجر كلّ من فتح وحماس لمربع الوحدة، فهذا إنجاز يمكن البناء عليه لتشكيل حالة وحدوية فلسطينية قادرة على النهوض والتصدي لكل الممارسات الإسرائيلية، لكن تقديم خطاب ووعود كبيرة مع البقاء في نفس الوضع والموضع، سيفضي لتبعات كبيرة وخطيرة لا على قوى التحالف واليسار فقط، ولكن على مجمل الحالة الفلسطينية. أمام التحالف فرصة ليكون رافعة فلسطينية وطنية جامعة مفتوحة العضوية، لاجتراح مصالحة ووحدة وطنية فلسطينية لمواجهة كل التحديات، لا أن يكون التحالف مجرد بناء أو هيكل تنظيمي يضاف للهياكل الفلسطينية الكثيرة الموجودة دون أي فاعلية أو مردود.
إن ما يجب الانتباه له والحذر منه، ألا يكون بناء التحالف الديمقراطي هو محاولة للحشد من أجل التحضير لخوض الانتخابات والمشاركة فيها، ولا مانع أن يدفع التحالف من أجل الذهاب للانتخابات وفق شروط ومتطلبات وطنية وشفافة، وعلى قاعدة الاتفاق والإجماع، ولكن من أجل إنهاء الانقسام لا من أجل استعراض الحضور والمحاصصة، ختاماً فإن التحالف أمامه فرصة إحداث تغير جوهري في الحالة الفلسطينية، وذلك بالاقتراب من حاجات الناس اليومية والحياتية والتعبير عن مطالبهم وعنهم، وكلما ازداد الاقتراب من الناس أكثر، استطاع التحالف البقاء والحضور والفاعلية، والاقتراب من تحقيق أهدافه المعلنة والمرجوّة، وخاصة أنه خارج منظومة الحكم والحكومة، واستطاع البقاء رغم كل الظروف التي مرّت به.

المساهمون