سجال حماس وفتح وتكريس الكيانين الفلسطينيين

سجال حماس وفتح وتكريس الكيانين الفلسطينيين

26 اغسطس 2018
شن الرئيس الفلسطيني هجوماً على مفاوضات التهدئة (فرانس برس)
+ الخط -
ليس من المستبعد أن تقدم حركة حماس على إبرام اتفاق تهدئة ثنائي بينها وبين الاحتلال الإسرائيلي، نتيجة ما تواجهه الحركة من تحديات وأزمات كبيرة ناتجة عن الحصار المفروض على قطاع غزة، وخصوصاً أن مقترح التهدئة يشمل مراحل عدة، الأخيرة منها تنص على أن يتم الاتفاق فيها على هدنة طويلة الأمد بين قطاع غزة وإسرائيل من 5 إلى 10 سنوات، مع إتمام صفقة لتبادل الأسرى بين الطرفين. أما المرحلة الأولى من الاتفاق، فسيتم فيها فتح معبر رفح بشكل منتظم وتخفيف الإجراءات على معابر بيت حانون وكرم أبو سالم. وتشمل التهدئة في المرحلة الثانية، توقيع اتفاق مصالحة بين فتح وحماس لتجديد دفع الرواتب ودخول السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة، تحت إشراف مصري، وإعداد الأرضية لإجراء الانتخابات في غضون ستة أشهر. بينما تقضي المرحلة الثالثة وقبل الأخيرة الاستثمار في البنية التحتية في غزة وتخفيض البطالة، وربط ميناء غزة ببورسعيد لنقل البضائع، لكن دون أن يتم تحديد جدول زمني للمراحل المقترحة.
من مصلحة إسرائيل أن تصل إلى اتفاق تهدئة منفصل مع قطاع غزة، وهي بذلك تكون قد تمكنت من ترسيخ فكرة وجود كيانين فلسطينيين منفصلين، واحد بقيادة فتح في الضفة الغربية، وهو ملتزم بالتنسيق الأمني وقائم بما يجب عليه القيام به تجاه إسرائيل، والكيان الثاني في قطاع غزة تحت قيادة حماس ويمكن إلزامه عبر الاتفاق بضبط غزة ومنع أي عمل يشكل تهديدًا على إسرائيل. عضو الكابينت المصغر ووزير الإسكان الجنرال يوآف غالانت، قال: "إن التسوية مع حماس هي مصلحة إسرائيلية"، داعيًا إلى التوصل إليها بشروط.
الباحث الإسرائيلي في معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب كوبي ميخائيل، قال "آن الأوان للاعتراف بأن هناك كيانين فلسطينيين في غزة والضفة، ويجب التعامل مع هذا الواقع القائم، والتفريق بين السياسة الإسرائيلية مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ونظيرتها أمام حماس في قطاع غزة"، ولمّح إلى أن "أهم شرط لنجاح هذه الخطة يكمن بتجاوز العنوان المتمثل في السلطة الفلسطينية، وعدم حاجة إسرائيل للتباحث معها في تفاصيل الخطة".
وشدد المعلق الإسرائيلي بن دافيد على أن "إسرائيل لم تعد معنية بعودة السلطة إلى حكم القطاع، وتبدو مهتمة بتكريس القطيعة بين الضفة والقطاع، وأن اتفاق الهدنة يعزز من هذا الاتجاه"، فيما رأى المراسل السياسي إيتمار آيخنر بجريدة يديعوت أحرونوت، أن "احتمالات التوصل إلى تسوية واسعة وطويلة المدى في قطاع غزة ضئيلة للغاية"، مشيرًا إلى أن "عقبات ذلك ترتبط أكثر بالعلاقات بين ‏‏حماس وفتح وليس بالعلاقات بين إسرائيل وحماس".‏
السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة فتح سارعتا إلى إدانة أية محاولة من حماس قد تفضي إلى توقيع اتفاق تسوية منفردة مع إسرائيل. واعتبرت فتح أن التهدئة طويلة الأمد تسعى إلى فصل قطاع غزة عن الضفة، وهي مقدمة لتأهيل حماس لتكون شريكًا مقبولًا من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. وقد حذر عضو اللجنة التنفيذية في حركة فتح أحمد مجدلاني، من أن يصب هذا الاتفاق بمستنقع صفقة القرن وما يترتب عليها من تصفية لحل الدولة الفلسطينية المستقلة وتطبيق للخطة بإنشاء كيان سياسي في قطاع غزة، وأضاف: "إن أي اتفاق مع الجانب الإسرائيلي يجب أن يكون وطنيًا وليس اتفاقًا بين حركة حماس وإسرائيل، فحماس ليست لها أي صفة تمثيلية لتعقد اتفاقيات مع إسرائيل".
بدوره، اعتبر أسامة القواسمي الناطق باسم حركة فتح، أن هذا الاتفاق بمثابة "انقلاب آخر على الشعب والوطن"، في حين أن عضو المجلس الوطني الفلسطيني والقيادي في حركة فتح نبيل عمرو قال "أتمنى لجهود التهدئة أن تنجح، خاصة رفع الحصار وتخفيف المعاناة التي يعيشها سكان قطاع غزة، ونتمنى أن تكون هذه المبادرات جدية من أجل مغادرة الوضع البائس الذي فرض عليهم".
حركة حماس استهجنت الهجوم الفتحاوي، وقالت في تصريح صحافي نشر عبر موقعها الرسمي: "إننا نستهجن سلوك فتح السلبي وهجومها الإعلامي غير المسؤول والمتواصل، والذي يهدف إلى إفشال الجهود الوطنية والمصرية في السعي من أجل تحقيق الوحدة الفلسطينية وإنهاء معاناة سكان غزة". وأشارت حماس إلى أنه "في الوقت الذي تسعى هي فيه لرفع الحصار عن القطاع، تهدف فتح إلى إبقاء غزة تحت القصف والأزمات والحصار". وقد جاء رد سامي أبو زهري أكثر حدة ورفضًا للمزايدات الفتحاوية، على حد تعبيره، قائلًا: "إن التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي سيقرر فيها في السياق الوطني، ومزايدات فتح مرفوضة، ومن يتفاخر بالعيش تحت بساطير الاحتلال ويتعاون معه أمنيًا لا يحق له المزايدة على تضحيات غزة".
لكن تصريح أسامة حمدان القيادي في حماس، الذي جاء فيه "نحن ذاهبون دون سلطة رام الله لتحسين الأوضاع في غزة"، لم يدع مجالا للشك في استعداد حماس للتعاطي مع أية حلول يمكن أن تصل بها لرفع الحصار، حتى لو تجاوزت تلك الحلول السلطة الفلسطينية.
مبررات حركة فتح في رفض اتفاق التهدئة المتوقعة بين إسرائيل وحماس تنطلق من مخاوف حقيقية على مصالح الحركة وتعتبره تهديدا خطيرا قد يطاول مكانتها وشرعيتها الدولية، في حال قبول المجتمع الدولي التعامل مع حماس وإنجاز اتفاقيات وتسويات منفصلة معها، والذي من شأنه إبراز حماس كبديل عن السلطة ومنظمة التحرير وإضفاء شرعية على حكمها في قطاع غزة، ويفتح أمامها آفاقًا سياسية واقتصادية تمكنها من تدعيم أركان حكمها وتعزيز مكانتها في المجتمع الغزي، على حساب حصة فتح فيه، وبذلك تذهب كل إجراءات الخنق والتضيق والعقوبات الفتحاوية المتخذة ضد حكم حماس منذ أحداث 2007 أدراج الرياح، ويدشن قواعد سياسية جديدة في الساحة الفلسطينية تكون فيها الغلبة للكفة الحمساوية، وهذا ما لا ترجوه فتح ولا تتمناه.