تموز الأسود

تموز الأسود

15 مايو 2018
مسيرات غزة هي الأضخم لتأكيد حق العودة (فرانس برس)
+ الخط -
أصبحت مدينة الرملة منذ سقوطها في يوليو/ تموز عام 1948 شبه مدينة، وهو ما يطلق عليه الفلسطينيون تموز الأسود، كما أن المدينة بعدها صارت شبه معدومة الحياة الثقافيّة والاجتماعيّة (عند العرب) وذلك بسبب طمس معالمها العربيّة والإسلاميّة وبناء معالم حديثة وتغيير التشكيلة السكّانيّة من خلال توطين اليهود الذين قدموا من جميع أنحاء المعمورة بخاصّة من البلاد العربيّة، إذ وطّن الاحتلال الكثير من اليهود المهاجرين من تلك البلاد، بالإضافة إلى الهجرة الحبشيّة (الفلاشا) في أوائل التسعينيات من القرن المنصرم، والتي توزّعت في أنحاء فلسطين المحتلّة وبما في ذلك مدينة الرملة، وبذلك أصبحت "مدينة مختلطة" كبقية المدن الفلسطينيّة التي تم احتلالها عام النكبة وتحوّلت الأكثريّة العربيّة إلى أقليّة شبه مشرذمة.
بعد مضي سبعين عامًا على نكبة فلسطين وتهجير غالبيّة الفلسطينيين، من الصعب أن نجد هؤلاء الفلسطينيين الذين عاشوا النكبة وبقوا في بلادهم ولم يتهجّروا، وما زالوا على قيد الحياة ويذكرون الأحداث وكأنها حصلت البارحة.
أحد هؤلاء الأشخاص الذين بقوا في الرملة ولم يتم تهجيرهم هو القس بيّوك بيّوك من مواليد عام 1927 والذي عاش تلك الفترة العصيبة، وكان شاهدًا على الرخاء الذي كان في مدينة الرملة وقضائها قبل النكبة وعلى الفقر والظلم والبؤس بعد النكبة.
ولد بيّوك لعائلة فلسطينيّة مسيحيّة وترعرع في مدينة الرملة. حصل على تعليمه المدرسي الابتدائي في الرملة ومن ثم التعليم الثانوي في القدس، ومن ثم واصل تعليمه خارج البلاد ليستفيد منه عندما عاد إلى الرملة ودرّس لمدة سنوات في مدرسة تيراسنطا الرملة. بعد ذلك، تعلّم اللاهوت ليصبح قسًا في الكنيسة الإنجيليّة في الرملة والتي يعود تاريخها إلى زمن الحكم البريطاني على فلسطين.
وفي شهر آب عام 1947، ذهب للتعليم في بيروت وكان على تواصل مع عائلته في الرملة عبر هاتف البريد والمراسلات التقليديّة، ولكن بعد الخامس عشر من شهر أيار (مايو)، انقطع التواصل بسبب الحرب والواقع الجديد ألا وهو تأسيس الدولة العبريّة.
ويسرد أن الرملة كانت دائمًا على أهبة واستعداد للمعارك ضد العصابات الصهيونيّة في الفترة العصيبة بقيادة حسن سلامة، ولكن مثلما نعلم سقطت اللد ومن ثم الرملة لأن الجيش الأردني أمر بالانسحاب منها والعودة إلى قواعدهم في منطقة اللطرون عبر طريق مستوطنة "بن شيمين" مجمعين معهم جميع الذخائر والأسلحة التي كان يستعملها المجاهدون في الرملة واللد!
وبشكل عام، وصف الحياة اليوميّة في الرملة ما قبل النكبة، إذ كانت المدينة تعج بالسكّان العرب وكانت الحياة مزدهرة مثلها مثل بقية المدن الفلسطينيّة العريقة، كما وذكر أن الرملة لم تكن فيها مدارس إعداديّة وثانويّة زمن الحكم الإنكليزي، وكل من أراد إكمال التعليم الإعدادي والثانوي كان ينتقل للدراسة في المدرسة العامريّة في حي النزهة في يافا. كما ووصف التقسيم المعماري ما قبل النكبة والحياة التجاريّة التي ربطت البلدة بقراها المحيطة والمناسبات الدينيّة التي كانت تقام سنويًا كموسم النبي روبين والنبي صالح ومناسبات أخرى جمعت بين أهالي القرى والمدن الفلسطينيّة الرملة واللد ويافا، رغم صعوبة التنقل بسبب عدم وجود مواصلات سهلة كأيامنا هذه.
وذكر أيضًا قرية وادي حنين المميّزة والتي ربطتها علاقات بالرملة، ومن بعد النكبة هاجر جزء منهم إلى الرملة واستقروا فيها إذ يعود أصلهم إلى آل فاروقي في الرملة.
ومن بعد احتلال الرملة، وصف تصرفات الجيش الإسرائيلي تجاه أهالي الرملة وكيف جمّعوهم وطردوهم إلى حدود الأردن، وجزء منهم بالأخص الشباب (من جيل 15 حتى 60)، جمّعوهم في مركز الشرطة ومن ثم نقلوهم تجاه منطقة إجليل القريبة من يافا إلى معسكر الجيش بأمرٍ من القيادة الإسرائيليّة التي طردت جزءًا وأسرت جزءًا آخر. وأضاف أنه تم أسره لمدة تسعة أشهر ومن ثم أعادوه إلى الرملة بسبب وجود أهله هناك ولو لم تبق عائلته لطردوه إلى رام الله وقضائها كغالبيّة أهالي الرملة.
بعد اتفاقيّة الهدنة في رودوس عام 1949، تم تفريغ المعسكرات من الأسرى الفلسطينيين وكل من بقي في الرملة تجمّع في "حي الجمل" وتم إدخال كل ثلاث عائلات في بيت فلسطيني مهجور، وبسبب النقص في الشباب تم جلب عمّال شباب من منطقة الناصرة للعمل في الأراضي الزراعيّة الواسعة في المنطقة. وعادت الحياة في الرملة رويدًا رويدًا ولكن ليس كالسابق وذلك بسبب الطرد الجماعي الذي حصل عام 1948 وسرقة جميع ما ترك الفلسطينيون وقتها. وبقي الحكم العسكري على الرملة واللد لمدة ثلاث سنوات تقريبًا ومن ثم حصلنا على الهويّة الإسرائيليّة كبقية الفلسطينيين الذين بقوا في بلادهم رغم التهجير.

المساهمون