العرب... من مبادرة السلام إلى التطبيع التام

العرب... من مبادرة السلام إلى التطبيع التام

15 مايو 2018
محمد بن سلمان حمّل الفلسطينيين مسؤولية فشل السلام (الأناضول)
+ الخط -
سبعون عاما على نكبة فلسطين، القضية التي تعلقت بها الأنظمة العربية فكانت أحد بوابات الشرعية لبقائها وترويض شعوبها، اليوم باتت أحد مداخل التطبيع، وعلى وقع النكبة في عامها السبعين تتسابق الدول العربية صوب إسرائيل وتتخذ من إلغاء حق العودة رافعة للاقتراب من إسرائيل.
لم تكن النكبة أكثر من إخفاق، وللدقة هزيمة عسكرية للدول العربية مجتمعة آنذاك، تلك الدول التي طالبت الفلسطينيين بإفساح المجال لها لتحارب وتحرر فلسطين، ومنذ سبعين عاما وتحرير فلسطين معلق بإرادة سياسية منعدمة لأنظمة عربية لم تتفق في ما بينها إلا على التطبيع مع إسرائيل وفي توظيف القضية الفلسطينية من أجل ذلك.
شهدت العلاقة بين الدول العربية وفلسطين مجموعة متغيرات ومرت بحالات شد وجذب كبيرة وكثيرة، ولسنا بمعرض جلد للأنظمة العربية ودورها لا في النكبة ولا في النكسة وما تلاها، كإجبار منظمة التحرير الفلسطينية للاستدارة والدخول في عملية تسوية سياسية أفضت إلى اتفاق أوسلو، وبموجبها بات الخطاب العربي الرسمي عند سؤاله عن موقع فلسطين أنه لن يكون ملكيا أكثر من الفلسطينيين، وكأن جلوس الفلسطينيين للمفاوضات يعطي الدول العربية الحق في التطبيع وإقامة العلاقات مع إسرائيل.
عندما استدرك الفلسطينيون خطيئة أوسلو واجترحوا انتفاضة الأقصى العام 2000 وخرجت إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة وتبجح رئيس حكومة الاحتلال حينها أرييل شارون باستباحة كل ما هو فلسطيني، حتى وصل الأمر لمحاصرة الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات في مقره برام الله في غرفة واحدة ولم تكن تفصله عن دبابات شارون أكثر من عدة أمتار، فجاء الرد العربي من رؤوس قمة بيروت باستبعاد عرفات؛ وعندما طالب أن تكون له كلمة عبر الفيديو (كونفرانس)، لم يتمكن، وقيل إن أسباباً فنية حالت دون ذلك، ليتبين لاحقا أن القمة كانت تتمخض لتلد مبادرة سلام تقدمت بها السعودية لتصبح لاحقا مبادرة السلام العربية والتي ما زالت خيار العرب الوحيد. لم يكن العرب جزءا من النكبة فقط لكنهم كانوا جزءا من استمرارها أيضا.
الدور العربي في النكبة والنكسة قد يكون مفهوما في كي الوعي وفي تلاشي الذاكرة وفي الرهان على أن الشعوب تنسى، فقبل عامين، ولم تكن بوادر التقارب بين العرب وإسرائيل قد تبلورت، جرى استطلاع رأي يتساءل إن كانت فلسطين لا تزال هي قضية العرب الأولى، فكانت النتيجة أن صوّت 83% بلا، وصوّت 17% بنعم.
ربما لا يمتلك الفلسطيني الآن ترف اتهام الأنظمة العربية بمسؤوليتها عن النكبة والنكسة، ولكنها تمادت لما هو أبعد من المسؤولية التاريخية والإنسانية والقومية والعربية. الآن على وقع كل الممارسات الإسرائيلية في فلسطين وحصارها وقصفها وتعدياتها، وعلى وقع مسيرات العودة السلمية الشعبية، وعلى وقع سقوط الشهداء ووقع الاشتباك ووقع العراك العربي الحاصل، يسأل الفلسطيني: إذا لم يكن للعرب دور في النكبة، فلماذا تصر وتستدير دول عربية يفترض أنها كبيرة ويفترض أن لها دورا دينيا وتاريخيا وإنسانيا وإقليميا لتقترب من إسرائيل للحد الذي لا ترى أن هناك خلافا دينيا أو إنسانيا أو سياسيا معها على الإطلاق؟
سنتجاوز، على وقع العقد السابع من عمر النكبة، الحديث عن ممارسات الأنظمة العربية عن شيطنة الفلسطينيين وعن التعامل معهم في المطارات والمعابر والحدود والمخيمات، سنتجاوز كل ذلك؛ هذه ممارسات لا يختلف تعامل الأنظمة العربية فيها بين مواطنيها وبين الفلسطيني، لاجئاً كان أم ماراً، ولكن ما يمكننا التوقف عنده هل من حق الدول العربية أن تقيم علاقات كاملة مع إسرائيل وفي هذا التوقيت من عمر النكبة الفلسطينية؟ هل أدت الدول العربية ما عليها تجاه فلسطين لتختتم الأمر بالتطبيع الذي تدحرج حتى بات إشادة بإسرائيل وبأن هناك مصالح وتعاونا مشتركا معها، لماذا يحاول بعض العرب إجراء غسيل دماغ لشعوبهم بأن إسرائيل لم تعد عدوا، في حين تتم معادة شعوب عربية مجاورة وشيطنتها؟ لماذا باتت العلاقات العربية الإسرائيلية أكثر حضورا وحظوظا من بعض العلاقات العربية – العربية؟
قطعا لم ولن تكون فلسطين هي السبب، فالخلاف العربي - العربي الحاصل لم يكن بسبب آليات تحرير فلسطين أو آليات دعمها. لماذا لا يجد بعض العرب حرجا في التصالح مع إسرائيل ويرفض التصالح والتسامح مع دول عربية شقيقة مجاورة؟ هل في تفتيت العرب وتقسيمهم وتعميق خلافاتهم مصلحة لفلسطين وقضيتها؟ بعيدا عن الحسابات السياسية، كيف يصرح أمير عربي يستمد شرعيته من البعد الديني بأنه لا اعتراض دينيا بالنسبة إليه على وجود إسرائيل، يقول ذلك على وقع سبعة عقود من عمر النكبة وعلى وقع التهويد الحاصل في القدس وفي المسجد الأقصى. مضيفا أن بلاده ليست لديها مشاكل مع اليهود، لكن الوقائع تقول إن لها مشاكل مع الدول العربية ومع الفلسطينيين الممنوعين من الحج والعمرة منذ سنوات.
بعد سبعة عقود من عمر النكبة لا يخجل بعض العرب من التصريح للصحف الأميركية بأن لبلادهم مصالح مع إسرائيل وبأنه إذا حصل السلام سيكون هناك المزيد من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي. والسؤال أي مصالح ممكنة ومتوقعة، بعد ربع قرن على اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، ما الذي حدث وما الذي حققته المنظمة؟ هل كانت أوسلو مجدية للفلسطينيين حتى يقرر هذا الأمير الحالم بعرش المملكة توسعة التجربة وتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل؟
هل سيأخذ أكثر مما أخذه الفلسطينيون؟! لماذا يصف بعضهم العلاقة مع إسرائيل بأنها مصالح اقتصادية، ما الذي تمتلكه وتنتجه هذه الدول لتصدره لإسرائيل باستثناء فتح مجالها الجوي للطيران الإسرائيلي ليبدأ برحلة تجارية شهريا قابلة للزيادة لاحقا، ثم ما هو حجم التجارة البينية بين الدول العربية في ما بينها في الأساس، أليس من المعيب أن تكون العلاقات والمصالح الاقتصادية المزعومة بين إسرائيل وبعض العرب أكبر مما بين الدول العربية نفسها؟!، هل يريد هذا الأمير أو ذاك محاسبة إسرائيل على جرائم النكبة قبل التطبيع معها؟ هل يشترط إنهاء نتائج النكبة وإعادة اللاجئين لأراضيهم وبيوتهم قبل أن يشرع في التطبيع؟ وهل يجرؤ على تحميل إسرائيل مسؤولية ذلك كله، كجزء من المصالحة مع إسرائيل؟
ما لم يكن الفلسطيني يتوقع معايشته بعد سبعة عقود من عمر النكبة والمسكوت عنه عربيا أن تُقدم مبادرة سلام عربية على وقع اجتياحات شارون مطلع العام 2002، ثم يتطور الأمر ليصبح النظام العربي جزءا من شيطنة الفلسطيني وحصاره، ثم يصدر خطاب عربي يقول إن لا مشكلة مع اليهود، ويسترسل ليقول إن هناك مصالح كبيرة بيننا وبين إسرائيل، حتى وصل الأمر إلى أنه على بعد أيام فقط من الذكرى السبعين للنكبة تهرول دول عربية وترسل وفود رياضييها للمشاركة مع إسرائيل في السباق ومن قلب مدينة القدس التي تواطأ بعض العرب مع الإدارة الأميركية مباركين خطوتها بنقل سفارتها للقدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
وللمرة الأولى منذ عدة سنوات، لم تُجر فيها احتفالات إسرائيلية رسمية في مصر، جرى استقبال الضيوف في وقت متأخر من ذكرى يوم "استقلال" إسرائيل الـ70. إذ أقام سفير إسرائيل لدى مصر، دافيد جبرين، الاحتفال الرسمي في فندق "ريتز كارلتون" الفاخر الواقع في وسط القاهرة، بضيوف رسميين وغير رسميين.