غزة: الأرض الحدودية المسروقة

غزة: الأرض الحدودية المسروقة

أحمد عبد الهادي

avata
أحمد عبد الهادي
25 مارس 2018
+ الخط -
انسحبت إسرائيل من قطاع غزة في صيف عام 2005 وأخلت كافة مستوطناتها ولم يعد هناك وجود فعلي مباشر للاحتلال الإسرائيلي داخل القطاع، بمعنى آخر أن المستوطنات التي كانت تُقسم القطاع وتحول دون تواصل محافظاته انتهت وباتت تسمى أراضي المحررات، لم يكن الاندحار موضع اتفاق، حتى التوصيف لم يُتفق عليه هل هو انسحاب أم إعادة انتشار أم تحرير.
بعد عام انتقلنا للانتخابات التشريعية ثم اختلفنا، فكان الانقسام وتحديدا على أرض غزة، التي لوحت السلطة الفلسطينية بورقة اعتبارها إقليماً متمرداً، ومنذ ذلك شهد القطاع تطورات سياسية وجغرافية واجتماعية ونضالية وتاريخية، كلها شكلت رافدا في القضية الفلسطينية، ولكننا انشغلنا عن السؤال المحوري هل انسحبت إسرائيل بالفعل من قطاع غزة؟ ولا أقصد المعنى القريب للانسحاب، ولكن هل هذه هي أرض قطاع غزة التاريخية؟ هل سرقت إسرائيل أراضي قطاع غزة؟ كيف تم ترسيم حدود القطاع؟ ما هي المساحة الحقيقية للقطاع خاصة حدوده الشرقية؟ قبل الانتقال للإجابة أود الإشارة إلى أن الحديث عن قطاع غزة لا يعني التسليم بالحدود التي صنعها الاحتلال الإسرائيلي، ولكنها محاولة لفهم وتوثيق وإدراك ما حدث في قطاع غزة، فالأرض كل الأرض فلسطينية ولا تسقط بسيطرة الاحتلال؛ وتقسيمه لها أمر طارئ.

خديعة رودس "مصر تقرر"
المساحة الحقيقية لقطاع غزة بحسب اتفاقية الهدنة الموقعة في 24 فبراير/شباط 1949 بين مصر وإسرائيل في جزيرة رودس؛ هي 555 كيلومتراً مربعاً، وليست 362 كيلومتراً مربعاً، كما هو مذكور في وسائل الإعلام والوثائق المتداولة. اتفاق رودس كان مكسباً هائلاً لإسرائيل استطاعت بموجب الغياب الفلسطيني الرسمي والوصاية العربية آنذاك أن تسيطر على أكبر مساحة من الأرض وتتخلص من أكبر قدر من السكان. كان التركيز المصري يتلخص في إنقاذ القوات المصرية المحاصرة في الفالوجة، وعليه تمت الموافقة على خط الهدنة الذي اقترحته إسرائيل كطرف منتصر. لم تكن لدى الضباط المصريين المفاوضين في رودس معلومات كافية عن الأرض وأهلها. في هذه الظروف تم تحديد خط الهدنة كما لو كان سوراً يحيط بقطاع غزة. ومنذ ذلك الوقت لم يستدرك صناع القرار الفلسطيني الأمر وبقيت أرض غزة مسلوبة، حتى الانسحاب الإسرائيلي لم يعيد الأرض.

خط للهدنة وليست حدوداً
يذكر الباحث الدكتور سلمان أبو ستة تفاصيل كل ما حدث ويستضيف شهود عيان عايشوا تلك الوقائع في مقال له بعنوان "كيف قضمت إسرائيل قطاع غزة في اتفاقية سرية؟ نُشر في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2010، ومما ورد في مقال أبو ستة أن خط الهدنة كان (يجب أن يتم بناء على قرار مجلس الأمن الصادر في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 1948، والمؤكد عليه في مذكرة مجلس الأمن بتاريخ 13 تشرين الثاني 1948 أي بإرجاع الوضع كما كان عليه في 15 تشرين الأول 1948 أو بمعنى آخر إعادة أهل القرى الفلسطينية الجنوبية إلى ديارهم. لكن الإسرائيليين فرضوا خط الهدنة إلى الحد التقريبي الذي وصلت إليه قواتهم). وتنص اتفاقية الهدنة بين إسرائيل والدول العربية الموقعة عليها على أن خط الهدنة لا يُعطي حقاً للقوات المهاجمة ولا يحرم القوات المدافعة من أي حق لها في الأرض موقع القتال. لذلك، فإن خط الهدنة لا يعتبر حدوداً، والعبرة في النهاية بما يتفق عليه في معاهدة نهائية تحدد فيها الحدود؛ وهو ما لم يحدث حتى اللحظة.

الانسحاب الإسرائيلي... "السلطة تُفرّط"
أثيرت قضية الحدود الحقيقية لقطاع غزة عندما قررت إسرائيل الانسحاب من قطاع غزة، وكان السؤال ما هي المساحة التي ستنسحب منها إسرائيل؟ ومن يُقرر هذه المساحة؟ وكانت المفاجأة أن السلطة الفلسطينية لا تمتلك أية معلومات عن مساحة قطاع غزة ولا أية خرائط، ولا يوجد اتفاق فلسطيني يُقر ويحدد معالم قطاع غزة، هذا ليس تجنياً، ولكن السلطة لم تسترد شيء من أرض غزة المسلوبة بمقتضي وقائع الانسحاب الإسرائيلي من غزة ، تضاربت حينها المطالب الفلسطينية بعضهم قرر انسحاب إسرائيل وفقا لحدود عام 1967 لا توجد خطوط والتدليس في الخلط بين خطوط وحدود، وطالب بعضهم بحدود ما بعد توقيع اتفاقية الهدنة عام 1949وفق اتفاقية رودس، وقال بعضهم بالانسحاب من كامل مساحة قطاع غزة قبل اتفاقية رودس، التقطت إسرائيل الخيط وأيقنت بأن الفلسطينيين الرسميين المنتدبين عن الشعب الفلسطيني لبحث ملف الانسحاب لا يمتلكون أية معلومات أو خرائط عن واقع ومساحة وحدود قطاع غزة، كان الجهل وشح المعلومات وتضارب المطالب، عين ما استغلته إسرائيل وفرضته كأمر واقع.
بدت السلطة الفلسطينية تتعامل مع ملف الانسحاب الإسرائيلي عن جهل تام وهذا توصيف موضوعي أفضى لما آلت إليه أحوال غزة الآن، كان التركيز في ملف الانسحاب على المعابر والاقتصاد وأراضي المستوطنات، لم يسأل المفاوض ولم يلتفت أحد لمساحة الأرض التي تنوي إسرائيل الانسحاب منها، مررت إسرائيل خديعة مفادها أن المستوطنات تعادل ثلث مساحة قطاع غزة، في حين أنها لم تكن تزيد على 12% من مساحة القطاع، هكذا أبقت إسرائيل للمرة الثانية على أراضي قطاع غزة تحت تصرفها لتكرار حالة الجهل، ولسذاجة المفاوض العربي مرتين، بل إن الأرض التي انسحبت منها إسرائيل عمليا في قطاع غزة خضعت لمعطيات واشتراطات جديدة وفق ما تقتضيه المصلحة الأمنية، وبالتالي خسر القطاع عمليا جزءا آخر من أراضيه كمناطق صفراء ومناطق آمنة، اليوم في عام 2018 هناك مساحات شاسعة جدا في غزة بالقرب من خط الهدنة المزعوم لا يستطيع الفلسطيني زراعتها أو زيارتها أو الاستفادة منها أو الاقتراب منها، حتى بحضور منظمة الصليب الأحمر، هي أرض خاصة؛ انسحبت منها إسرائيل لكنها محرمة على مالكيها، بدعوى وضرورات أمنية سرقت إسرائيل أرض غزة على طول الحدود الشرقية حتى بعد الانسحاب.
لا يمكن القول الآن بوجود خط هدنة لأن الهدنة تعني حرية وصول أصحاب الأرض إلى أرضهم، وهذا لا يحدث في غزة. ولو افترضنا العمل بموجب اتفاق الهدنة عام 1949 فإن واحدا من أهم موجباته ضمان عودة الأهالي لأرضهم وأقصد سكان بئر السبع الذين تحركوا من أرضهم هناك إلى أرضهم في غزة، وباستبعاد التدليس الذي حصل في خديعة رودس، فإن الأرض الواقعة خلف خطوط الهدنة هي أرض ملك خاص لسكان المناطق الحدودية استولت عليها إسرائيل بالقوة والطرد والاحتلال.
لفهم أعمق وتتبع لوقائع ما حدث فإن إسرائيل عدلت حدود قطاع غزة على ثلاث مراحل، الأولى بعد حرب عام 48 عندما وضعت خطا وهميا لوقف إطلاق النار بينها وبين مصر، وفيها خسر القطاع 30 كيلومترا مربعا في المنطقة الوسطى التي باتت تعرف اليوم بخاصرة القطاع، وهي أقل عرض لقطاع غزة، المرحلة الثانية التي غيرت فيها إسرائيل مساحة قطاع غزة كانت عقب حرب عام 67 والتي بموجبها احتلت إسرائيل كامل قطاع غزة، فعمدت فورا إلى تغيير ونقل خط الهدنة من الشرق إلى الغرب على طول قطاع غزة، تحسبا لأي اتفاق قد يحدث لاحقا. وكانت المرحلة الثالثة عقب اتفاق أوسلو ودخول قوات السلطة الفلسطينية عندما استدار الناس لاستقبال السلطة وعودة ياسر عرفات عمدت إسرائيل إلى نقل علامات خط الهدنة مرة أخرى باتجاه الغرب ووضعت الأسلاك الشائكة القائمة اليوم. هكذا سرقت إسرائيل خُمس أراضي قطاع غزة. وهي الأجود خصوبة والأوفر مياهاً جوفية.

ذات صلة

الصورة
اليهود المتشددون/(فرانس برس

اقتصاد

تنتقل أزمة إعفاء اليهود المتشددين في إسرائيل من التجنيد الإلزامي من الأروقة السياسية إلى دروب الاقتصاد، إذ تتصاعد تحذيرات قطاعات الأعمال من مشاكل أعمق.
الصورة
اعتداء على طفل في الخليل

سياسة

كشف مقطع فيديو، سجلته كاميرات المراقبة داخل محل تجاري في حارة جابر في الخليل، اعتداء جنود الاحتلال على طفل فلسطيني، بذريعة وجود صورة لقطعة سلاح على قميص يرتديه.
الصورة
أماكن المساعدات كمائن لقتل الإسرائيليين فلسطينيين جائعين (داود أبو الكاس/ الأناضول)

مجتمع

تتعمّد قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف نازحين غزيين ومنتظري مساعدات الإغاثة في ظل الحصار الخانق الذي تفرضه على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي.
الصورة

سياسة

صادقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مصادرة ثمانية آلاف دونم إضافية من الأراضي في غور الأردن أعلنت أنها أصبحت أراضي تابعة لها

المساهمون