مزاوجة الخيارين

مزاوجة الخيارين

24 فبراير 2018
+ الخط -
رغم كل ما تتعرض له القضية الفلسطينية من حملات خارجية، سواء إسرائيلية أو أميركية أو حتى عربية، إلا أن هذا لم يؤد بعد بالفلسطينيين إلى العودة للصف الواحد في مواجهة الهجمة، وبقي الانقسام كاملاً بين معسكرين، لا يظهر أن هناك ثالثاً لهما.
وكما هو معروف لم يبق الخلاف السياسي والعقائدي في إطاره الطبيعي بعد الانفصال التام، سياسياً واقتصادياً وجغرافياً، بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يمثل كل منهما، رسمياً على الأقل، أحد وجوه الخيارين اللذين يختلف بشأنهما الفلسطينيون.
الانقسام الفلسطيني بين "حماس" الحاكمة في غزة، و"فتح" الحاكمة في الضفة الغربية، يأخذ البعد السياسي أساساً في تمترس كل طرف حول خياره. فحركة "حماس" تمثل "خط المقاومة المسلحة"، وترى أنه السبيل الوحيد للتحرر الوطني من الاحتلال الإسرائيلي وإعادة الأرض المسلوبة. خيار تمت تجربته في أكثر من مناسبة، وهو إن كان تمكن من إلحاق خسائر بالعدو، إلا أنه لم يجعل الفلسطينيين أقرب إلى التحرر، إذا استثنينا فك الارتباط مع قطاع غزة في عام 2005، والذي لم يؤد إلى تحويل القطاع إلى سجن كبير محاصر من مصر وإسرائيل، وهو الأمر الذي تفاقم لاحقاً بعد الحسم العسكري في القطاع وانفكاكه نهائياً عن السلطة الفلسطينية.

في المقابل، يتمسك الرئيس الفلسطيني محمود عباس برؤيته التي لا يحيد عنها، والقائمة على أن الطريق الوحيد لتحقيق الدولة الفلسطينية هو عبر العملية السياسية. وفي سبيل ذلك فهو يعارض كل أشكال المقاومة، سواء كانت عسكرية أو شعبية، سلمية أو عنفية. وهو لا يتوانى عن التصريح علناً بذلك، والتأكيد بشكل دائم على أن لا خيار إلا المفاوضات، رغم أن التجربة التي خاضها أبو مازن في العملية التفاوضية خلال العقدين الماضيين على الأقل، أوصلته إلى طريق مسدود، وها هو اليوم يتوسل المزيد من الرعاة لهذه العملية، ظناً منه أن المشكلة تنحصر في الرعاية الأميركية وليس في الموقف الفلسطيني في المفاوضات، والتي يذهب إليها مسلحاً فقط بشعارات حقوق الإنسان والعدالة الدولية، والتي ليس لها صدى فعلياً في المجتمع الدولي، وخصوصاً حين يتعلق الأمر بإسرائيل.
الخياران المعلنان فلسطينياً، بشكلهما الحالي، لا يمكن أن يؤديا إلى أي نتيجة، فالأمر لا يتعلق بـ"المقاومة للمقاومة" كما هو الحال مع "حماس" وغيرها من الفصائل، ولا بـ "المفاوضات للمفاوضات" كما يرى عباس كل العملية السياسية. الخياران ضروريان، لكن لا يمكن أن يكون أي منهما فعالاً بمعزل عن الآخر. فحالة الضغط الحقيقي التي تمثلها المقاومة العسكرية أو الشعبية، السلمية أو المسلحة، لا يمكن استثمارها بدون خطوط سياسية مفتوحة، سواء مباشرة أو غير مباشرة، مع الأطراف الدولية المعنية بالعملية السلمية. والعمل التفاوضي بدون أوراق ضغط فعلياً أيضاً، يضعف الموقف السياسي الفلسطيني ويودي به من تنازل إلى آخر.
الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات استطاع المزاوجة بين الخيارين، نجح في أماكن وفشل في أخرى، غير أنه أثبت أن بالإمكان توظيف كل خيار لخدمة الآخر، وأن العمل السياسي والوطني لا يمكن أن يكون محصوراً بين مفاوضات بالمطلق أو مقاومة بالمطلق.

المساهمون