عباس ينهي العام بإغضاب الجميع

عباس ينهي العام بإغضاب الجميع

29 ديسمبر 2018
مستقبل عباس يرتبط بمجموعة مؤشرات داخلية وخارجية (فرانس برس)
+ الخط -
مع بداية كل عام جديد تتشكل مجموعة قراءات مهتمة ومعنية بواقع الحالة الفلسطينية عموماً وبمصير الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوجه خاص، أحد هذه الاهتمامات/ القراءات أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2018، وأظهرت أن 64% من الفلسطينيين المستطلعة آراؤهم في الضفة الغربية وقطاع غزة يريدون من الرئيس محمود عباس الاستقالة.
المفارقة أنه كلما مر الوقت زادت نسبة المطالبة باستقالة الرجل، فقبل ثلاثة أشهر أجرى ذات المركز استطلاعا مماثلا فكانت النتيجة أن 62% يريدون استقالته، والملاحظ في القراءة أيضا أن نسبة المطالبين بالاستقالة تزيد في الضفة بمقدار أكبر منه في غزة، فوفق الاستطلاع الحالي بلغت نسبة المطالبة باستقالة الرئيس عباس 55% في الضفة الغربية و77% في قطاع غزة، في حين أن النسبة كانت قبل ثلاثة أشهر كالتالي 52% في الضفة و78 % في غزة، ما يعني بلغة الأرقام أن مطالبة الضفة بالاستقالة ارتفعت 3% في حين ارتفعت النسبة في غزة 1%.
نلاحظ من خلال القراءة السابقة أن هناك عملية تآكل تتسع في المساحة التي يقف عليها الرئيس محمود عباس. ولا تقتصر على ما يبدو في الضفة والقطاع، بل تتسع لتشمل مساحات أخرى عربية وإقليمية ودولية، فالقاهرة مثلا اقتربت من حركة "حماس" أكبر وأكثر من اقترابها من الرئيس عباس بل دفعت القاهرة باتجاه سيناريو آخر يعكس في أحد مضامينه خطوة الذهاب لما بعد الرئيس عباس أو إيجاد بديل عندما رعت وسمحت بحدوث تقارب بين حماس والقيادي المفصول من "فتح" محمد دحلان، وهو التقارب الذي أغضب عباس وكان عبارة عن رسالة بأن القاهرة تلوح بالبديل أيضا ولو كان البديل دحلان الذي التقى بوفد حركة حماس في القاهرة. وكادت هذه الخطوة أن تفضي لقطيعة بين الرئاسة الفلسطينية والقاهرة وهو ما عبر عنه نائب رئيس حركة فتح، محمود العالول، بقوله إن علاقة القيادة الفلسطينية مع مصر كادت تصل إلى القطيعة.
لم يكن موقف مصر وسلوكها تجاه عباس منفصلاً عن مجموعة مواقف بدت كلها تتقاطع في التخلي عن الرجل، إسرائيل مضت بعيداً في خطواتها عندما منعته في أغسطس/آب 2017 من مغادرة رام الله باتجاه الأردن. الأمر الذي وصفته صحيفة معاريف حينها بأنه بمثابة حصار مفروض على عباس بل ذهبت الصحيفة الى أن إسرائيل تمنع الوفود الأجنبية من الوصول إليه. وكان عباس يخطط لزيارة دول عربية وأجنبية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى أن يضطر عباس إلى أن يتلقى العلاج في رام الله. ومر الأمر دون أن تتوقف عنده أي دولة عربية رغم وصف معاريف ما حدث بأنه حصار للرجل. ونرى أن الأمر أعمق ويتعلق بسيناريو عزل الرجل وليس حصاره فقط.
مستقبل عباس أو عزله أو خلافته أو ما بعده لا تتعلق بعوامل ذاتية فقط أو بسبب عمر الرجل مثلا أو مرضه، لكنها ترتبط بمجموعة مؤشرات وقراءات داخلية وخارجية، تتعلق بمجموعة قضايا تعتبر كضمانة لبقاء الرجل والإبقاء عليه. أول هذه القضايا تنامي حالة الاستياء في أوساط الفلسطينيين من خطاب السلطة وممارساتها في الضفة وفي غزة على حد سواء، ففي الوقت الذي تفرض فيه السلطة عقوبات اقتصادية ومالية على غزة تحيا الضفة على وقع واقع اقتصادي غاية في السوء. المفارقة أن فرض العقوبات على غزة أفضى لإغضاب الأميركيين الذين تخلوا هم أيضا عن عباس وأغلقوا كل الأبواب في وجهه وذهبوا بعيدا في إعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
والتسوية خيار عباس الوحيد، وهي من وضعته على سكة المشهد، لم تعد حاضرة، لم تعد هناك مفاوضات حتى واشنطن مضت بعيداً في قطع الطريق على إمكانية العودة للتفاوض ورعايته، الدول العربية تخلت على ما يبدو عن مبادرة السلام ومضت في الاقتراب من تل أبيب والتطبيع بات علنياً ولم يعد يراعي مواقف السلطة ومحدداتها ولا يشترط حتى حل الدولتين الذي تلاشى هو الآخر بالتهويد والاستيطان والسلوك الإسرائيلي، وهو ما وضع مستقبل السلطة كلها على المحك وليس مستقبل الرئيس عباس فقط.
حتى العقوبات التي فرضها الرئيس عباس على قطاع غزة استطاع القطاع التعايش معها وتجاوزها لحد ما، ولم تفض خطوة الرجل إلا لمزيد من تآكل حضوره في القطاع مقارنة بحضور خصمه محمد دحلان الذي استثمر الأمر بتمكين وتمتين حضوره في قطاع غزة.
تحد آخر يحسم من رصيد عباس ومستقبله وحضوره، حراك الضفة الغربية والعمليات الفردية والنوعية التي نفذت خلال الأيام الماضية ولاقت ترحيباً شعبياً فلسطينياً وفصائلياً كبيراً، وبدت معه السلطة محرجة عند كل اجتياح وتوغل وعملية اعتقال يقوم بها جيش الاحتلال في الضفة وعلى مقربة من المقاطعة ومن بيت الرجل، ولم تحرك ساكنا وأبقت على التنسيق الأمني، الأمر الذي عكس حالة افتراق غير مسبوقة ما بين السلطة ورئاستها وبين ما يتعرض له عموم المواطنين في الضفة الغربية. واستثمرته حماس في إعلان حضورها في الضفة باعتراف عباس.
إعادة تموضع حماس في المشهد العربي والدولي وتقدمها ولقاءاتها وزيارتها واستقبالها للوفود والسفراء في قطاع غزة وخارجها، هذا أيضاً تحد يتعلق بمصير الرئيس عباس ومستقبله وهو الذي عمل طوال سنوات على شيطنة الحركة، لكنها الآن تمرر روايتها ورسالتها ويستمع العالم إليها ولا يمانع من الاقتراب منها، هذا الأمر في أحد معانيه يضع حماس ليس في مواجهة عباس فقط بل في مواجهة فتح وقيادتها التاريخية وتفردها بقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية.
التهدئة هي أيضا تحد آخر يواجه عباس، فهي في إحدى دلالاتها لا تعني وقف الاشتباك بين المقاومة وإسرائيل، لكنها تعني اقتراباً واعترافاً ضمنياً بحماس، فجزء من رعاية التهدئة أممي ترعاه الأمم المتحدة، ومصر مجرد وسيط، لا يمكن أن ترعى الأمم المتحدة التهدئة دون إقرار وموافقة ضمنية وإن كانت غير معلنة. وهي التهدئة التي يعارضها عباس ووصل به الأمر وفق ما كشفت عنه القناة الإسرائيلية العاشرة نهاية أغسطس الماضي قوله: "إن أي اتفاق تهدئة بين إسرائيل وحماس سيمر على جثتي"، لكن اتفاق التهدئة مر وإن كان غير معلن، فالهدوء سيد الموقف في غزة.
لم يشأ الرئيس محمود عباس إغلاق عام 2018 إلا وقد أغضب الجميع بإغلاقه لكل الأبواب، مع مصر ومع روسيا صديقته المفترضة التي قطع الطريق على مبادرتها للمصالحة بإعلانه حل المجلس التشريعي قبل أيام من نهاية العام.

المساهمون