2019... تحديات وفرص

2019... تحديات وفرص

29 ديسمبر 2018
مسيرات العودة وكسر الحصار تسيدت مشهد 2018(عبد الحكيم أبورياش)
+ الخط -
تستقبل القضية الفلسطينية عامها الجديد بتحديات ومعضلات وأزمات كبرى نتجت عن الأحداث السياسية التي عصفت مؤخرًا بالمشروع الوطني الفلسطيني وعلى رأسها اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس الموحدة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل ونقله السفارة الأميركية إليها، وتنصل الإدارة الأميركية من التزاماتها المتعلقة بالحقوق الفلسطينية وخروجها بشكل فعلي من الحياد والوساطة إلى الاصطفاف إلى جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي وتبنيها لرؤيتها في إدارة الصراع، وما ترتب على ذلك من تعنت الجانب الإسرائيلي ومضيه في الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية والتضييق على الفلسطينيين.

ذلك في ظل حالة من الوهن والتفرق العربي وانعتاق أنظمة عربية من لاءاتها، وانطلاقها في تدشين علاقات دبلوماسية علنية وتطبيع شامل في المجالات كافة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والترويج لها كحليف يمكن الاعتماد عليه في مواجهة التهديد الإيراني، والدفع بالوجوه الإعلامية العربية إلى تشكيل صورة مشرقة في العقل والوعي العربي عن إسرائيل وأحقيتها في أرض فلسطين وتشويه صورة حركات المقاومة الفلسطينية ومهاجمتها، والتشكيك في النضال الفلسطيني ومشروعيته.

ناهيك عما يدور في البيت الفلسطيني الداخلي من خلافات وانقسام بين حركتي فتح وحماس، تجاوز الحقل السياسي إلى النخر في جميع مكونات المجتمع الفلسطيني ليصل تأثيره إلى أدق تفاصيل حياة الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم، وتناقض رؤى القوى والأحزاب الفلسطينية حول خيارات وأولويات ومنهجية مشروع التحرير الوطني، وتشتتهم حول أيديولوجيات وأحلاف متباينة الأهداف والمصالح.

يمكن اعتبار صفقة القرن والتي من المتوقع إعلان بنودها بداية عام 2019م حسب ما تناقلته مصادر إعلامية عن البيت الأبيض، أحد أخطر التحديات التي تواجه مشروع التحرر الفلسطيني لما تمثله من خطر مصيري ووجودي على القضية الفلسطينية وخطوة متقدمة لتصفية القضية الفلسطينية وإفشال للجهود الرامية لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967م، وإجهاض للمبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002م، وما قَطع الرئيس ترامب التمويل المالي عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا وتقليص ووقف معظم خدماتها إلا محاولة لإنهاء قضية اللاجئين مما يمهد الطريق أمام إنفاذ الصفقة، ويأتي إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بهدف التضييق والضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية ودفعها للموافقة عليها.

محاولات تكريس الانقسام الفلسطيني وتحويله إلى انفصال تام بين شقي الوطن وترسيخ فكرة وجود كيانين فلسطينيين منفصلين، واحد في الضفة الغربية والآخر في قطاع غزة، وتشريع ذلك سياسيًا وقانونيًا والتعامل مع كل منهما بمعزل عن الآخر، مع تنامي الحديث حول تدويل قطاع غزة أو إلحاقه بجمهورية مصر العربية فيما تلحق الضفة الغربية بالمملكة الأردنية الهاشمية، وهذا الأمر لا يقل خطورة عن صفقة القرن خصوصًا وأنه يأتي في الوقت الذي تتعالى في الأصوات داخل الأروقة السياسية الإسرائيلية المطالبة بإعلان يهودية الدولة.

هذه التحديات الجسام تفرض على الفلسطينيين استعادة الوحدة الوطنية واستنهاض جميع عناصر القوة في المجتمع الفلسطيني، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير على أسس وطنية وديمقراطية توافقية، وضم جميع ألوان الطيف الفلسطيني تحت لوائها، وتشكيل مؤسسات السلطة بما يلبي الاحتياجات الوطنية ويدعم التطلعات الفلسطينية، إضافة إلى وقف التنسيق الأمني ومقاطعة إسرائيل وإنهاء أي تعامل معها، وتصحيح المسار السياسي الفلسطيني والتأكيد على الهوية الوطنية الفلسطينية وبعدها العربي والقومي، وتجنيد الإعلام الفلسطيني والعربي لخدمة القضية وتعزيز دوره في التعاطي مع الأحداث التي تمس جوهر الحقوق الفلسطينية وإبعاده عن المناكفات الحزبية والسياسية.

يتوجب على القيادات الفلسطينية التوافق على برنامج سياسي موحد لمواجهة المخاطر المتوقعة على القضية الفلسطينية في عام 2019، يكون هذا البرنامج قادرًا على تقديم مبادرات وحلول وبدائل ممكنة منصفة للحق الفلسطيني، ومتوافقة مع قرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلسي الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومستندة إليها، لحشد التضامن العالمي وإحداث اختراق في الموقف الأميركي والأوروبي والدولي لمحاصرة دولة الاحتلال الإسرائيلي وإسقاط مشروعها الاستيطاني، ويتوجب في سبيل ذلك العمل مع جميع المستويات السياسية العالمية لتحقيق مزيد من الاعتراف بالدولة الفلسطينية والعمل على انضمامها إلى المؤسسات والمعاهدات الدولية، ومظافرة الجهود لتشجيع دول العالم على الاعتراف بها ودعمها في المحافل الدولية.

المساهمون