خطورة التمايز... عن أطفالنا في الغرب

خطورة التمايز... عن أطفالنا في الغرب

28 يناير 2018
أطفالنا في الغرب... محاولة انتباه قبل فوات الأوان(العربي الجديد)
+ الخط -


ثمة جدل يمتد من إسبانيا إلى كندا، ينتبه إلى مخاطره متخصصون، عرب وغربيون على حد سواء، موضوعه أطفالنا.
بالملاحظة والجلسات المباشرة مع هذه الفئة، يخرج هؤلاء بما يصدم بصدد استخدامات لغوية بريئة للأطفال في مدارس غربية، بل وحتى عربية خاصة، يصفها الخبراء بـ"ابنة البيئة المنزلية".
ولو أنها بالفعل بقيت حبيسة جدران المنازل لما أثارت لغطا استدعى في بعض الأحيان استنفارا سيسيولوجيا ونفسيا. العبارات "العنصرية" لدى أطفال غربيين، سواء في إسكندنافيا أو في تكساس أو باريس، تعكس ما امتصته إسفنجة عقولهم في المنزل.

بالطبع لا يمكن للعقل أن يلقي تعميماً ويمضي. بيد أنه في المقابل، وحتى لو بقي النشر على حبل الصحافة الغربية عما يدور، لا بد لمجتمعات الغربة أن تنظر بتمعن لما تسوقه بعض المنازل، والجماعات المهاجرة، ولو عن غير قصد برمي كره ورفض مجتمعات المولد والنشأة في الغرب. ليس الخطر كامنا فقط في ترداد بعض الصغار فكرة "بشاعة وكفر الغرب"، الأخطر أن يجري ذلك أمام أطفال آخرين ويقوي الانفصام المنزلي بطريقة مدمرة.

بعض الكبار تثور ثائرته إن شعر بأنه "منقوص الحق"، ولو بواحد في المائة، في مجتمعات الغرب التي هاجر أو لجأ إليها. فإذا منع أحدهم من الجنسية لعدم كفاية اللغة بعد 8 سنوات إقامة يتفتق عقله فورا عن تهمة "عنصريين". وقس على ذلك كل انتكاسة في العلاقة مع المحيط في الجوء العام. خطورة الأمر أيضا ليست بانفصام حال "المديح والذم"، بحسب الأجواء، بل في ما يُقدم للأجيال عن هذه الانتكاسات وأسبابها.

لنا أن نتخيل أيضا حجم مؤثرات القلق الذي يعيشه أحد الآباء على أبنائه، من ثقافة "الآخر"، فإذا لم يستطع خطف سنوات من عمر الصغار ليعود بهم إلى "معسكر إعادة التربية" في الوطن الأم، تجده يخترع معسكره في ذات المهجر. الخطورة ببساطة، وهي لا تحتاج لعلم اجتماع ونفس لاكتشافها، أن الطفل ذاك سيكتشف مبكرا فكرة "لا شيء ينفع".
فنحيل بعض هؤلاء الأطفال إلى لعب دور الاستكانة والضحية. وأحيانا النقمة لما يتحمله "مجتمع العنصرية في كسر الآباء". فإذا نسي البعض أن الطفل ينظر إلى الآباء كالحصن الحارس لهم، لنا أيضا أن نتخيل الناتج في هزيمة مبكرة لهذا الحصن.

صعوبة الاندماج، والعيش في القلق 24 ساعة، وتأنيب الضمير بنقل الأبناء إلى "هذه البلاد الملعونة"، مع غياب تفهم ما يدور في ثقافة الآخر، لا تحتاج أن يُحشى دماغ الصغار بصورة مرعبة عما ينتظرهم وبإرث النظرة التعميمية عن الآخر؛ بل أحيانا هذا الآخر من ذات الملة وبغير لون بشرة، فيرمى سؤال تهكمي عنصري لطفل لا يفهم المقصود؛ هذا قبل أن يتمرد، في بيته: أنت ليس لديك أصدقاء غير السود... أو الصوماليين... أو حتى الفيتناميين والأتراك؟
من العجيب أن تشعر معظم الأقليات في الغرب بتضامن بيني تحت سقف اجتياز التمييز، فيما "بعضنا" غارق في تمييز نفسه وأطفاله عن الآخرين باسم "طهارة" لا تبقى منها أحيانا سوى لغة العجز باتهام المحيط بكل ما يخطر ولا يخطر على بال.
يظن البعض أنه بهذه الطريقة يحمي أطفاله، وفي الواقع هو بهذه الطريقة ينمي فيهم الكائن الضحية، الضعيف، والسهل الافتراس أمام أول تجربة مع العالم الواقعي، لا الذي يتخيله بعض الأهل بانتظار أن يجمع "الثروة" عائدا "منتصرا"، قبل أن يدفن في أرض الله الواسعة، بعيدا عن نوستالجيا كل شيء.

لا أحد في مجتمعات الهجرة يطلب أو يجبر أحد على "الذوبان" أو "التماهي" أو "الانحلال"، فحق الحفاظ على الثقافة واللغة والدين مكفولة، كما هي بالمناسبة للبوذي والهندوسي واليهودي والسيخي، ولا أحد يستطيع أن يقول للعربي "عليك أن تثبت اندماجك بتقليدنا في أكل لحم الخنزير"، على سبيل المثال، كأحد أوهام المخاوف على الأطفال، لأنه سيهب من الغرب ذاته من يصرخ رافضا فرض شيء عليك وعلي. وإذا كان هذا هو الواقع، فيبقى أن يعيش أطفالنا بعض الهدوء بعيدا عن كل التوترات التي يتمادى البعض بإنتاجها سنة بعد أخرى، ويكتشف الكارثة متأخرا، بعد أن يكون ذلك الطفل قد تحول إلى "ملف قضية" لدى الجهات المهتمة بمآلات مستقبله.

دلالات