هل انتهى زمن الوصاية؟

هل انتهى زمن الوصاية؟

27 يناير 2018
اجتماع وزراء الخارجية العرب لبحث الوضع الفلسطيني (فرانس برس)
+ الخط -

منذ اللحظة الأولى التي تبلورت فيها القضية الفلسطينية ما قبل النكبة مروراً بالنكبة والنكسة ووصولا للاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وللقضية الفلسطينية وقعها في الحسابات السياسية العربية الرسمية، لا يكاد يخلو تطور أو متغير في القضية الفلسطينية من دون أن يكون العرب شركاء لكنها شراكة توريط تنعكس محدداتها سلبا على القضية الفلسطينية، حاولت الحركة الوطنية الفلسطينية مبكرا التنبه للأمر ولحد ما أفلح أحمد الشقيري في وضع أسس أولية لكينونة فلسطينية لم تكن مستقلة تماما لكنها لم تكن تتقاطع مع كل ما يريده النظام الرسمي العربي.

علاقة الوصاية العربية على الحالة الفلسطينية أمر شائك، إلى الحد الذي يُصر فيه الفلسطينيون دائما على استدعاء أن قرارهم وطني مستقل. ولكن قدر الفلسطينيين كان وما زال أنهم لا يتعاملون أو يتعاطون مع نظام رسمي عربي متفق فيما بين وحداته ومحدداته وخياراته وأدواته، وعليه لا يمكن الحديث عن علاقات فلسطينية عربية ذات اتجاه واحد ومحدد وواضح، كان الأمر وما زال مكلفا ومرهقا للفلسطينيين الذين إن راهنوا على عمرو غضب زيد، وإن استداروا لزيد غضب عمرو، هكذا بدا الأمر ويستمر.

قد لا يكون ممكنا استحضار مسار العلاقة بين النظام العربي الرسمي والحركة الوطنية الفلسطينية بمختلف مكوناتها، لكن حجم التخاذل لا يمكن تجاوزه والمرور عليه أيضا، تطور الأمر مؤخرا كثيرا، في حجم الخذلان العربي الذي تطور إلى تواطؤ وارتقى ليصبح طعناً في الظهر الفلسطيني، وهو ما أفضى إلى إخراج الفلسطينيين النظام السياسي العربي من حساباتهم، ولم يعد هناك تعويل فلسطيني على أي دور للنظام الرسمي العربي.

ورغم الانقسام الفلسطيني، إلا أن هناك اتفاقاً مشتركاً بين الفرقاء الفلسطينيين بأنه لم يعد ممكناً استدعاء النظام العربي الرسمي على الإطلاق، وكل الأدبيات السياسية الفلسطينية الرسمية والفصائلية تلتقي في ذلك على خروج النظام العربي من المعادلة الفلسطينية ومن معادلة الصراع مع إسرائيل، وهو ما عبر عنه وذهب إليه الرئيس محمود عباس في خطابه الأخير خلال جلسة المجلس المركزي الفلسطيني الذي أسقط الخيار العربي من حساباته.

إسقاط العرب من الحسابات الفلسطينية لم يكن حكراً على السلطة ورئيسها أو فصيل فلسطيني بعينه، لكنها حالة فلسطينية عامة وجامعة تجدها لدى كل أطياف الشعب الفلسطيني. توصيف العلاقة انتقل مؤخرا من الخذلان والوصاية والتوظيف إلى الضغط والمزايدة بل ووصل حد المعايرة العربية الرسمية للفلسطينيين، وقد كشف الرئيس محمود عباس عن حدوث مشادة بين وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي ووزير عربي خلال اجتماع وزراء خارجية 6 دول عربية في العاصمة الأردنية عمان الذي عقد يوم 6 كانون الثاني/يناير الحالي.

وقال عباس إنه خلال الاجتماع انتقد أحد الوزراء الشعب الفلسطيني قائلا: "عتبنا على الشعب الفلسطيني، الذي لم يهب بقوة وشراسة وينتفض بعنفوان على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس". فردّ رياض المالكي على الوزير قائلا: "إنه قبل الرد وإخبارك بماذا عمل الشعب الفلسطيني حتى الآن، أسألك: هل سمحت بلدكم لمواطن واحد بالتظاهر أو الاعتصام أو يقف في ركن جانبي ليقول واقدساه". هذه واحدة من حيثيات العلاقة بين السلطة والنظام العربي، وبالمناسبة تعددت الحالات حتى بات الحديث عن إملاءات عربية على السلطة الفلسطينية.

كان قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية للقدس القطرة التي أفاضت الكأس الفلسطينية من العرب، خاصة أن الموقف العربي الرسمي لم يرقَ إلى تطلعات الفلسطينيين، ولم يكن بحجم القرار المُتخذ، وهو ما عبر عنه مستشار الرئيس الفلسطيني، القاضي محمود الهباش، والذي قال: "نريد إجراءات عملية، ونريد أن تكون القرارات العربية لها أنياب وأظافر لكي تؤثر، وليس بيان من الحكومات للتعبير عن القلق أو الرفض، فهذا لن يثني الولايات المتحدة عن قرارها".

ولاحقاً أدرك الفلسطينيون أن العرب لم يكونوا مطلعين على نية ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة فحسب، بل كانوا شركاء له وداعمين، وهو ما كشفته وسائل إعلام غربية، عندما تحدثت عن معرفة مسبقة للسعودية ومصر بالقرار.

يُدرك الفلسطينيون حجم الالتقاء والتقاطع العربي مع الإدارة الأميركية، لا في القدس فقط، بل في تصنيفهم أيضاً وتوصيفهم، ويدركون أن توصيف ترامب لحركة حماس بالإرهابية مرّ من العاصمة السعودية الرياض، التي قال في يوم وزير خارجيتها عادل الجبير "إنّ من أسباب حصار قطر دعمها حركة حماس الإرهابية".

تلك المواقف العربية الرسمية من المقاومة عموماً، ومن القضية الفلسطينية بوجه خاص، أدت إلى موقف فلسطيني يُدرك ويرى أن هناك تساوقا عربيا رسميا مع محاولات الإدارة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي شيطنة قوى المقاومة التي تنتصر لقضايا شعوبها وتعمل على تحرير أراضيها. وقد اعتبرت الفصائل الفلسطينية، موقف وزراء الخارجية العرب، تجاه قرار الرئيس الأميركي، اعتبار القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، مخيبًا للآمال الفلسطينية والعربية، ويرتقي لمستوى الجريمة بحق المدينة الإسلامية والعربية ومقدساتها.

لم يُخرج الفلسطينيون العرب من حساباتهم، لكن العرب هم من قرروا الخروج طوعاً وهم الذين كان بإمكانهم مواجهة القرار الأميركي بشكل جدي وفاعل واحتضان القضية الفلسطينية بكل مكوناتها بدلا من إدارة الظهر لهم حتى استفرد بهم نتنياهو. حتى أن اجتماع الوزراء العرب لم يرتق لمستوى الحدث أو مستوى المسؤولية المفترضة في مواجهة القرار الأميركي، واكتفى أغلب المشاركين بإلقاء كلمات لا وزن لها عند الإدارة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي.

لم يتخل النظام العربي الرسمي عن القضية، بل بات عبئا عليها، وفي المقابل لم يعد هناك أمل فلسطيني بدور عربي، وهو ما عبر عنه رئيس المجلس الفلسطيني الإسلامي محمد نمر زغموت، عندما وصف بيان وزراء الخارجية العرب بأنه "لا أمل من دول العالم العربي والإسلامي في نصرة مقدساتها"!

ختاماً، يروج عرب الاعتدال أن جزءاً من اقترابهم من إسرائيل هو لمواجهة إيران، ولكن فعلهم وضغطهم واقترابهم من إسرائيل على حساب الثوابت والحقوق الفلسطينية سيفضي لأمرين؛ اقتراب المقاومة من إيران أكثر واستدارة أبو مازن إلى تركيا ستصبح أكبر. وتبدو المعادلة في المشهد مستقبلا كالتالي؛ إخراج العرب للقضية الفلسطينية من حساباتهم سيفضي لإخراج العرب من الحسابات الفلسطينية.

إن ما يحدث لا يعني تفرد إسرائيل أو مضي واشنطن في مشروعها بقدر ما يعني أن العرب المعتدلين باتوا يتصدرون المشهد لقيادة باقي وحدات النظام الرسمي العربي صوب إسرائيل، وكما أمليت مبادرة السلام العربية يتم الآن إملاء الذهاب صوب تل أبيب مرورا بواشنطن وعلى أنقاض القضية الفلسطينية التي كانت حصان طروادة بالنسبة للعرب. ولكن من حصان طروادة للفلسطينيين الآن، حتما ليسوا العرب المعتدلين.

المساهمون