البرنامج المرحلي مهّد الطريق لأسلو

البرنامج المرحلي مهّد الطريق لأسلو

30 سبتمبر 2017
من تظاهرة ضد أوسلو (حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -
قد نختلف كفلسطينيين على الكثير من الأحداث والتحليلات السياسية الراهنة والتاريخية، بيد أننا نجتمع اليوم على توصيف عام للواقع الراهن، نظراً للحقائق والوقائع الماثلة دون أي تجميل والتي تشير إلى استعصاء أو فشل عملية السلام، كما تشير إلى عدم استعادة أي من الحقوق الفلسطينية حتى اليوم. الأمر الذي دفع بعض قيادات العملية السلمية وبعض مناصريها الإعلاميين والسياسيين إلى نعيها، أو إلى الدعوة للتلويح بنفاد صبر القيادة الفلسطينية عبر تخليها عن حل الدولتين لصالح تبني خيار الدولة الواحدة، أو عبر حث الجهود السلطوية لاستصدار قرارات دولية جديدة تقر بالحق الفلسطيني ومنها الاعتراف الدولي أو اعتراف جزء من المجتمع الدولي ومن المؤسسات الدولية بالدولة الفلسطينية!!!! لكن وبغض النظر عن تقييم نجاعة هذه الدعوات أو هذه التهديدات السلطوية للمجتمع الدولي ولقوى الاحتلال الصهيونية، إلا أنها لا تقدم أي تغيير عملي على الأرض، ما يشير مرة أخرى إلى العجز الفلسطيني الرسمي ويعيدنا إلى ذات الواقع البائس الذي دفعتنا إليه القيادات الفلسطينية.

لا بد إذن من تحديد مكمن الخلل الرئيسي الذي أفضى للواقع الراهن، وهو ما يعيدنا إلى ما قبل اتفاق السلام المشؤوم والمعروف بأوسلو، والمتمثل بالبرنامج المرحلي. حيث يمكن اعتبار البرنامج المرحلي بمثابة الأب الشرعي والحقيقي لاتفاق الاستسلام أو السلام كما يحلو لمناصريه تسميته – أوسلو –. فهو البرنامج الذي جزأ الحقوق الفلسطينية وطمسها كما طمس الآليات والوسائل الضرورية لانتزاعها، متعللا بشعار الواقعية السياسية ومجاراة الظروف الدولية والإقليمية والعربية. فمن السهل ملاحظة الجهد الإنشائي والمضلل المبذول على صياغة هذا البرنامج والذي أدى إلى ضبابية الحقوق الفلسطينية الشخصية منها والوطنية، كي يتمكن متبنّو البرنامج من دحض جميع الأصوات الرافضة لهم وللبرنامج لتخليه عن جزء رئيسي من الحقوق الفلسطينية عامةً، ومتعللين بوجوب تأقلم العمل الوطني الفلسطيني مع المستجدات الدولية والعربية، وضرورة الاستفادة من القانون الدولي والشرعية الدولية التي تعترف بجزء من هذه الحقوق. فالوضع الفلسطيني اليوم لا يعاني من تبعات سوء الإدارة السياسية والاستراتيجية الفلسطينية فقط كما يحلو لبعض مؤيدي البرنامج المرحلي المستقلين والمنظمين الادعاء، وإنما هو نتيجة خلل بنيوي يقوم على طمس الحقوق الفلسطينية وعلى التلاعب بها بذريعة التركيز على الممكن في الواقع الإقليمي والدولي كخطوة أولى نحو استعادة باقي أو كافة الحقوق.

ولقد تم طرح أو إقرار البرنامج المرحلي وفقاً لما اعتبره مؤيدوه الخطوة الضرورية لانتزاع الحقوق الفلسطينية التي أقرتها الشرعية الدولية مبدئياً، دون البحث الواقعي بطبيعة الشرعية الدولية وبآليات عملها وغاياتها، ليتم تناسي سيطرة وتحكم القوى الكبرى بها، وإغفال الحقيقة التي أثبتتها سنوات الصراع العربي الإسرائيلي الطويلة ما قبل البرنامج المرحلي وما بعده، والتي تشير وبكل وضوح إلى كون القوى الدولية جزء لا يتجزء من هذا الصراع، فهي القوى الداعمة والراعية والحامية لقوى الاحتلال منذ اليوم الأول، لا بل هي التي أوجدته وهي التي تتصدى لجميع حركات المقاومة الحقيقية، وهي التي صاغت القانون الدولي بما يحمي الاحتلال ويختصر الحقوق الفلسطينية وينتقصها وفقاً للاعتبارات السياسية التي تخدم مصالحها وعلى رأسها حماية الاحتلال. وعليه كيف يمكن لحركة تحرر أن تنتظر المدد والعون من قوى الاحتلال ذاتها أو من حاضنته الطبيعية؟

كما تجاهل البرنامج المرحلي البحث أو الحديث الحقيقي عن تبعات الإقرار بمثل هذه الشرعية الدولية، إذا ما فرضنا جدلاً صوابية الاعتقاد الذي روج له البعض والمعبر عن أن الاعتراف بالشرعية والقانون الدولي يكفل تلقائياً استعادة جميع الحقوق العربية المستلبة وفقاً للقانون الدولي. هذه التبعات التي لا تنحصر بالاعتراف بالاحتلال كصاحب حق تاريخي وواقعي بالوجود وبالأرض وبالكيان السياسي فقط، لتطاول الشروط والظروف المرافقة لإقامة كيان أو سلطة فلسطينية برعاية دولية. وقد أثبتت الأيام صحة قراءة العديد من المفكرين والباحثين والكتاب العرب والفلسطينيين الذين نبهوا إلى عجز هذه السلطة المزعومة عن الدفاع عن الحقوق الفلسطينية المعترف بها دولياً، وبالتالي عجزها كلياً عن استعادة باقي الحقوق المستلبة، كما أشاروا إلى حتمية تحول هذه السلطة إلى أداة لحماية الاحتلال بدلاً من حمايتها للشعب الفلسطيني وللحقوق الفلسطينية، وهو الأمر الحاصل اليوم.

ثم إنه لا بد من التصدي للأكذوبة التي سوَّق لها مؤيدو البرنامج المرحلي على اعتبار هذا البرنامج يشكل خطوة نحو بناء كينونة فلسطينية سياسية ووطنية مستقلة بذاتها بذريعة الإنكار والخذلان الرسمي العربي للفلسطينيين ولقضيتنا المشتركة، فعلى الرغم من صوابية مشاعر الشعب الفلسطيني والعربي، إلا أن البرنامج المرحلي لم يمثل المخرج الحقيقي لهذا الوضع العربي البائس ولا بحده الأدنى، وإنما كان تعزيزا لتخلي الأنظمة العربية عن واجبها ودورها في الصراع مع قوى الاحتلال، كما فرض على الكينونة الفلسطينية الناشئة الوقوع فريسة سهلة بين مخالب الاحتلال والقوى الدولية الكبرى والقوى الإقليمية والعربية القائمة، نظراً لخسارتنا أحد أهم عوامل قوة حركة التحرر العربي والمتمثل في الإرادة الشعبية العربية والفلسطينية، ونظراً لبناء هذه الكينونة على أوهام وأحلام العدالة الدولية فقط دون أي مستند واقعي حقيقي.

كما لا يمكن اعتبار الميثاق الوطني الفلسطيني الأساسي عاجزا عن التعامل السياسي والتنظيمي مع فرضية نجاح حركة المقاومة في تحرير جزء من الأراضي المحتلة، فالتعامل مع تحرير جزء من الأراضي أو استعادة جزء من الحقوق المستلبة يتطلب مراجعة آنية ولحظية لخطة العمل النضالي وأحياناً قد يتطلب مراجعة للأساليب والوسائل، دون المساس بالأهداف الاستراتيجية والبرنامج الأساسي الذي يمثل الناظم الرئيسي بعيد المدى لكامل مسار النضال ومراحله. بمعنى الانطلاق من الميثاق الوطني الاستراتيجي عند تقييم أي خطوة سياسية أو نضالية حديثة بحيث يكفل هذا النشاط الحفاظ مستقبلاً وراهناً على الاتجاه نحو تحقيق الميثاق الوطني كاملاً دون أي إنقاص.
لا تمثل العودة لنقد ورفض البرنامج المرحلي تجاهلا للواقع الحالي بقدر ما تمثل دعوة لتصحيح جذري للمسار النضالي، والتي تضمن أيضاً تكثيف الجهود لإنهاء المهزلة السياسية الحاصلة اليوم والمدعوة بالمسار التفاوضي. وهذه العودة تعني أن النجاح في تقويض اتفاق الاستسلام أو السلام المعقود دون الرجوع للميثاق الوطني لا يضمن وحده استعادة مسار النضال الحقيقي المنشود من أجل إقامة الدولة العلمانية والديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني المحتل منذ 1948.

(كاتب فلسطيني من سورية)


المساهمون