التعلم الشخصي.. ثورة التعليم القادمة

التعلم الشخصي.. ثورة التعليم القادمة

28 اغسطس 2017
مراعاة الفروق الفردية حجر الأساس لثورة التعليم القادمة(Getty)
+ الخط -
منهج واحد وطريقة تدريس واحدة، واختبار موحد لمجموعة من الطلاب المختلفين تماما! تلك هي فلسفة النظم التعليمية الحالية، والتي لم تتغير منذ الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر. لكن على مشارف القرن الحادي والعشرين، أدرك الجميع أن تلك الطريقة لم تعد مجدية كما كانت من قبل. ظهرت الحاجة إلى مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة، ومعاملة كل طالب كفرد مميز يختلف عن بقية أقرانه في القدرات والاحتياجات والأهداف، ومن هنا كان مفهوم "التعلم الشخصي" (Personalized Learning) الذي تتبناه "مدرسة ألت" (Alt School) الأميركية من أجل قيادة ثورة التغيير على التعليم التقليدي.


من غوغل إلى مدرسة ألت

يقف وراء فكرة إنشاء تلك المدرسة غير التقليدية، ماكس فينتيللا، أحد الإداريين التنفيذيين السابقين بشركة "غوغل" العملاقة، عندما كان يبحث عن مدرسة متميزة لابنته، إذ لم يجد مراده في المدارس الموجودة بمدينة سان فرانسيسكو، فبرأيه هي لا تعد الطلاب لعالم يتغير باستمرار وباطراد. من وجهة نظر  فينتيللا، النظم التعليمية الحالية لا تؤهل الطلاب لمتطلبات العقود القادمة من القرن الواحد والعشرين.

ومن هنا قرر الاستقالة من شركة "غوغل"، وإنشاء مدرسته الخاصة التي نجحت من خلال رؤيتها المستقبلية الثورية، في جذب تمويل يقدر بأكثر من 150 مليون دولار، أبرزهم مارك زوكربرغ – المؤسس والرئيس التنفيذي لموقع "فيسبوك". ومنذ تأسيسها في عام 2013 توسعت المدرسة لتصبح شبكة تضم سبع مدارس في ولايتي كاليفورنيا ونيويورك، مع آمال مستقبلية عريضة لمزيد من التوسع.

 

فلسفة التعلم الشخصي

"كل طفل هو فرد مميز، وكذلك طريقه نحو النجاح". تلك هي الفكرة الأساسية التي تتمحور

حولها فلسفة التعليم في مدرسة ألت، والتي تبلورت من خلال الفهم العميق لأساسيات التعلم لدى الطلاب، ووفقاً لأحدث الأبحاث العلمية حول أفضل الطرق التي ينبغي أن يتعلموا من خلالها. حيث تعمل إدارة المدرسة مع التربويين والمعلمين جنبا إلى جنب مع أولياء الأمور والطلبة، على تصميم "خطة تعلم شخصية" (Personalized Learning Plan) لكل طالب على حدة بناء على قدراته الشخصية واهتماماته واحتياجاته. وبذلك، يتمكن كل طالب من تحصيل المعارف الأساسية والمهارات الاجتماعية والعاطفية والعقلية المختلفة، لكي يصبح شخصا ناجحا في المستقبل من خلال مسار دراسي خاص به بمفرده.

يتم ذلك من خلال أداتين رئيسيتين هما "الصورة الشخصية" (Portrait) و"قائمة التشغيل" (Playlist)، حيث تمثل "الصورة الشخصية" كل المعلومات المتاحة عن الطالب وأدائه الأكاديمي وغير الأكاديمي، عبر متابعة دقيقة لما يمارسه من أنشطة داخل المدرسة، مما يساعد على تحديد اهتمامات الطالب وطرق تعلمه من أجل تصميم خطة تعلمه الشخصية بأفضل صورة ممكنة. بينما تمثل "قائمة التشغيل" الأنشطة التي على الطالب القيام بها، للوصول إلى أهداف خطة تعلمه الشخصية، والتي يقوم بتصميمها وإعدادها المعلمون، لتضم تلك القائمة قرابة 25 نشاطا كل أسبوع تضم مهاما متعددة تتنوع بين الأنشطة الفردية والجماعية.

 



بيئة تعلم القرن الحادي والعشرين

إن من أهم ما يميز مدرسة ألت، هو أن بيئة التعلم بها تختلف تماما عن المدارس التقليدية، فالطالب الفرد هو محور عملية التعلم بأكملها، والتي تتم من خلال ثلاث خطوات.

الخطوة الأولى "تحفيز التعلم"، حيث يوفر المعلمون للطالب دافع وحافز للتعلم عبر طرح

الأسئلة التي يهتم بها وتشجيعه على إيجاد إجابات لها.

الثانية "بناء المعرفة"، حيت يمارس الطالب التعلم القائم على الاستقصاء لبناء معرفته بموضوع معين أو تطوير مهارة ضرورية.

والخطوة الثالثة هي "التطبيق"، حيث يقوم الطالب بتطبيق المعرفة التي تم بناؤها في الخطوة الثانية، للوصول إلى الأهداف التي تم تحديدها في الخطوة الأولى من خلال تنفيذ مشروع معين ومشاركة ما توصل إليه مع أقرانه.

 

إلى ذلك، فإن التقسيم التقليدي للصفوف الدراسية غير موجود، حيث يتم تقسيم الطلبة الذين تتراوح أعمارهم ما بين 4 و14 عاماً إلى ثلاث مجموعات: الأساسي والأساسي المتقدم والمتوسط. وتضم الفصول الدراسية طلبة من عدة صفوف دراسية مختلفة تتنوع أعمارهم في مدى عامين إلى ثلاثة أعوام، بالإضافة إلى هذا فإن كل مدرسة تضم عدداً قليلاً من الطلاب يتراوح ما بين 35 إلى 120 طالبا فقط، لتتيح للمعلمين التركيز على خطة التعلم الشخصية لكل طالب.

كما أن الفصول الدراسية ليست كما هو متعارف عليه، فهي بالأساس مصممة لتكون مساحات للتعلم الشخصي، حيث يعد كل فصل كمحطة مستقلة تخدم هدفاً تعليمياً محدداً لكافة الطلبة، وليس لصف دراسي أو مرحلة دراسية محددة، ويحوي كل فصل على الأدوات والوسائل المختلفة التي يحتاجها الطلاب لمتابعة خططهم الشخصية.

إن ذلك التصميم يتيح للطلبة وكذلك للمعلمين حرية التحرك بين الفصول المختلفة، مما يعزز عملية التعلم ومشاركة الطلبة فيها بشكل فعال. كل الفصول تحوي كاميرات تقوم بتسجيل اليوم الدراسي بأكمله، مما يتيح للمعلمين مراجعة تلك التسجيلات لمتابعة تقدم الطلاب في خطط تعلمهم الشخصية، وتحديد مواطن القوة التي ينبغي استثمارها أو مواطن الخلل التي ينبغي تحسينها.

وأخيرا، فإن مدرسة ألت، هي محاولة للخروج عن نظام تعليم تقليدي دام قرابة ثلاثة قرون، فقد حان أوان التغيير لنظام تعليمي يستشرف المستقبل ويمهد له أبناءنا. حري بنا متابعة تلك التجربة الثورية عن كثب كي نلحق بالركب، عسى أن يدركه أبناءنا بعد أن فاتنا منذ وقت طويل للغاية!

 

المساهمون