الانقسام الفلسطيني... بداية ولا نهاية

الانقسام الفلسطيني... بداية ولا نهاية

27 اغسطس 2017
المتحدث باسم "القسام" في منزل عباس بغزة(محمود الهمص/فرانس برس)
+ الخط -
الانقسام الفلسطيني المتمثل في سلطتين متمايزتين سياسياً ومنقسمتين جغرافياً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وإن تمظهر وبرز للعيان في صيف عام 2007 بعد أن سيطرت حماس على قطاع غزة، إلا أن له امتدادات قبل وبعد هذا التاريخ سواء في سياق أحداث متناثرة أدت إلى النتيجة الحتمية المتمثلة بالانقسام أو عملت على تعميقه ومأسسته وتكريس وإدامة حالته، ولفهم حالة الانقسام والظروف والملابسات التي أوجدته وعملت على إدامته، يمكننا تجزئة الانقسام إلى مراحل استبطنت أحداثاً أساسية وحملت في ثناياها مستجدات محورية في مسيرته التي امتدت لأكثر من عقد:

زلزال أوسلو والانقسام السياسي
ضمن تداعيات اتفاق أوسلو المشؤوم، حدث انقسام سياسي ليس فقط على مستوى النخب السياسية، بل تجاوز إلى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، فقد بذر الاتفاق في سبتمبر/أيلول 1993م البذور الأولى للانقسام الفلسطيني، وأوجد حالة استقطاب تعمقت مع مرور الزمن بين مشروعين، مشروع التسوية والمراهنة على المفاوضات تحت المظلة الأميركية والغطاء العربي، ومشروع المقاومة الذي لا يرى في عملية التسوية إلا وسيلة مبتكرة لتمكين "إسرائيل" والحفاظ على أمنها وتكريس احتلالها بأقل التكاليف السياسية عبر ملاحقة المقاومة وتجريمها وعلى المدى الاستراتيجي تصفية القضية الفلسطينية. ورغم الالتفاف الجماهيري الواسع حول مشروع المقاومة وفصائلها الممثلة لها وعلى رأسها حركة حماس والجهاد الإسلامي، إلا أن اليد العليا أمنياً وعسكرياً وسياسياً في الضفة الغربية وقطاع غزة كانت لصالح مشروع السلطة الفلسطينية حتى انتفاضة الأقصى، ففي تلك الفترة كان الأمل في مشروع التسوية وتحقيق حلم الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني ما زال قائماً، بينما فصائل المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس والتي وقعت تحت طائلة التنسيق الأمني، لم تساعدها الظروف على تطوير ثقلها العسكري أو تأكيد حضورها الميداني حتى السنوات الأولى لانتفاضة الأقصى.

الانتخابات التشريعية عام 2006
مع نهاية انتفاضة الأقصى، وانتخاب محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية عام 2005، كانت هناك حاجة أميركية وغربية بشكل عام لتجديد شرعية حزب السلطة ومن خلفه مشروع التسوية برمته واحتواء حركة حماس الصاعدة مع تقدير دوائر الاستخبارات الغربية على أن حماس لن تتجاوز نسبتها 30% في الانتخابات. وكانت المفاجأة في يناير/كانون ثاني 2006، أنها فازت بحوالى 75% من أعضاء المجلس التشريعي، وهو ما شكل صدمة ليس فقط لحركة فتح ورئيسها أبو مازن وإنما أيضاً "لإسرائيل" والولايات المتحدة، ومما زاد من زخم انتصار حماس هو بروزها كقوة عسكرية بعد عام 2004 في قطاع غزة.

لم تكن حركة فتح مستعدة على الإطلاق للاعتراف بنتائج الانتخابات وهي التي احتكرت التمثيل الفلسطيني منذ نشوء الحركة الوطنية عام 1965، ولا "إسرائيل" التي رأت في حماس حركة مسلحة لا يمكن الحديث معها وهي لا تعترف بـ "إسرائيل" أصلاً، ولا الولايات المتحدة التي لا ترى في حماس سوى حركة إسلامية "إرهابية" متطرفة تسعى إلى إزالة "إسرائيل" من الوجود وتهدد استقرار الأنظمة العربية الحليفة.
السياسة الأميركية عبر عنها مساعد وزير الخارجية، ديفيد وولش، في 2 مارس/آذار 2006، عندما أشار إلى "أن الولايات المتحدة تريد عزل حماس مالياً وسياسياً حتى تواجه صعوبات في تولي الحكم". وأضاف "أن الاستراتيجية الأميركية تقضي بوضع كثير من الصعوبات أمام حماس لعرقلة توليها الحكم".
ولم تنتظر الرباعية الدولية بقيادة الولايات المتحدة طويلاً حتى لا تفسح المجال لأي اجتهادات فسارعت الى وضع 3 شروط تعجيزية للتعامل مع أي حكومة تقودها أو تشارك فيها حماس:
1- الاعتراف بـ "إسرائيل".
2- نبذ "الإرهاب" (التخلي عن المقاومة).
3- الالتزام بالاتفاقيات الموقعة وعلى رأسها اتفاق أوسلو.
حركة فتح رفضت المشاركة في الحكومة بذريعة أن حماس هي التي فازت وعليها تشكيل الحكومة لوحدها وتحمل مسؤولية إدارة الحياة اليومية الفلسطينية، وقد أخبر أبو مازن الولايات المتحدة "بأن لا أحد من حركة فتح سيشارك في حكومة حماس".
وفي فبراير/شباط 2006 أي بعد شهر من الانتخابات أعد مستشار الأمن القومي الأميركي في حينه، إليوت إبرامز، برنامجاً أو خطة عرفت باسم "برنامج إبرامز لإسقاط حكومة حماس" بمساعدة مستشاريه مع مكتب نائب الرئيس، ديك تشيني، والتي يقع على عاتق وزارة الخارجية، سوزان رايس، تطبيقها على الأرض، وتقوم الخطة التي تطورت في ما بعد الى "خطة دايتون: الخطة العملية للرئاسة الفلسطينية 2007" عوضاً عن محاصرة حماس مالياً وسياسياً على تقديم الدعم المادي والتسليحي لعباس ومستشاره الأمني، محمد دحلان، والرئيس الفعلي لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني وتدريب قوات موالية للرئيس عباس خارج الأراضي الفلسطينية للدخول في مواجهة مسلحة مع حماس وهزيمتها عسكرياً.
لم يكن الإقليم بعيداً عن ذلك، فقد شهدت العاصمة عمان في أبريل/نيسان 2006 وفق وثائق سرية أحد الاجتماعات التنسيقية جمعت رئيس الموساد "الإسرائيلي" مئير داغان والشاباك يوفال ديسكن، ومدير المخابرات الأردنية محمد الذهبي، ووزير المخابرات المصرية عمر سليمان، ومحمد دحلان، وفي اللقاء تم وضع آليات للضغط المالي على حماس واستراتيجية تعزيز عباس وحركة فتح، والتسليح والتدريب لقوات أمنية تابعة لعباس.
كانت الخطوات تتسابق للانقلاب على نتائج الانتخابات، فمع الحصار المالي والسياسي الخارجي المشدد بادرت بعض المجموعات التابعة للأجهزة الأمنية الموالية للرئيس عباس بتصعيد حالة الفلتان الأمني والتحريض على التظاهر والخروج بمسيرات وإغلاق الشوارع ومحاصرة عدد من المؤسسات، بينما أوعز الرئيس عباس إلى الموظفين العموميين والأجهزة الأمنية بعدم التعاون في محاولة لإحداث حالة شلل في المنظومة الخدماتية أو حتى انهيارها لتحريض الجماهير على حماس ودفعها للخروج والمطالبة بالتراجع عن نتائج الانتخابات.


الحسم العسكري
لم تكن السيطرة الفعلية للأجهزة الأمنية في غزة لوزير الداخلية سعيد صيام، لذلك بادر بتشكيل "القوة التنفيذية" وهي مجموعة شرطية من حماس وبعض فصائل المقاومة لحفظ الأمن وتنفيذ أوامر وزير الداخلية. وتوالت بعدها التوترات الأمنية التي جاء في مقدمتها في يوليو/تموز 2006 اغتيال حسين أبو عجوة، أحد أعضاء القيادة السياسية لحركة حماس، ثم الكشف عن مخطط لاغتيال رئيس الوزراء، إسماعيل هنية، في ديسمبر/كانون أول 2006 على معبر رفح، والتي قتل فيها أحد مرافقيه. هذه الحادثة كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير، لذلك ومع الشهر الأول للعام 2007 وقبل ستة شهور من سيطرة حماس على غزة، ورداً على قيام حرس الرئيس باقتحام الجامعة الإسلامية وحرق بعض أقسامها، قامت كتائب القسام والقوة التنفيذية بمهاجمة المقار الأمنية للأجهزة الأمنية الموالية لعباس في شمال قطاع غزة والسيطرة عليها بالكامل. ولم يفلح اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في مارس/آذار 2007 من تهدئة الأوضاع، فانتشار الخلايا المسلحة وعدم السيطرة عليها أدى إلى هجمات متبادلة، وهو ما استدعى قراراً من "حماس" بمعاقبة الأجهزة الأمنية وطردها من مقرها باستثناء مدينة غزة التي تضم المقار الرئيسية للأجهزة الأمنية التابعة لعباس، وأخبر المصريون بأن حماس لن تطرد السلطة بالكامل من غزة، غير أن الأمور تدحرجت وأدت إلى انسحاب قيادة الأجهزة الأمنية في مدينة غزة خاصة المنتدى "مقر حرس الرئيس". ومع صبيحة يوم 15 يونيو/ حزيران 2007 كانت غزة خالية من الوجود الأمني بالكامل، ووجدت حماس نفسها تسيطر على غزة دون قرار سياسي بذلك.


فشل جهود رأب الصدع
توصلت الأطراف برعاية مصرية بعد مفاوضات مضنية وطويلة في القاهرة عام 2011 إلى ما عرف باتفاق القاهرة للمصالحة الفلسطينية، غير أن أحد طرفي الانقسام كان يعتقد أن لديه هامش مناورة سياسياً كبيراً وليس مضطراً لتقديم تنازلات. وتواصلت جولات الحوار وصولاً إلى اتفاق الدوحة عام 2012 دون ترجمة عملية على أرض الواقع. وكان آخر جولات الحوار في بداية عام 2014 في غزة والتي تمخضت عن اتفاق الشاطئ، في وقت كانت حماس بحاجة ماسة إلى التخفيف عن كاهلها أعباء إدارة غزة مع تفاقم حالة الحصار المالي والسياسي مع صعود أسهم الثورة المضادة التي هي بطبيعتها معادية للمقاومة الفلسطينية، غير أن قضية الموظفين التي يرفض عباس استيعابهم في مؤسسات السلطة وبرنامج منظمة التحرير واجتماع الإطار القيادي لمنظمة التحرير وإجراء انتخابات متوازية رئاسية – وتشريعية - مجلس وطني فلسطيني (منظمة التحرير)، ظلت حجر عثرة أمام تطبيق المصالحة.

وبعيداً عن تفاصيل جولات الحوار الطويلة وبغض النظر عن الطريقة التي حدث بها الانقسام فإن أهم أسباب ديمومة الانقسام بل وتكريسه هي:
- وجود مشروعين متضادين ليس فقط على مستوى الأساليب والأهداف التكتيكية وإنما في الرؤية الكلية للصراع وكيفية إدارته والغايات العليا المرجو تحقيقها في نهاية الصراع.
- العامل "الإسرائيلي" الضاغط والذي تكمن مصلحته في استمرار حالة الانقسام والتعاطي مع كيانين منفصلين على أرضية أن الانقسام يضعف الموقف الفلسطيني بشكل عام ويقدح في مشروعية التمثيل الفلسطيني، كما أن عودة السلطة برئاسة عباس بالنسبة "لإسرائيل" هي عودة الفوضى والفلتان الأمني وربما سيطرة الفصائل المسلحة على غزة في وقت ترى "إسرائيل" في حماس عدواً لدوداً، لكنها عنوان واضح في غزة وقادرة على ضبط الأوضاع.
- الفئوية الحزبية الضيقة في بعض الأحيان، ونظر كل من طرفي الصراع إلى الآخر في سياق الصراع الصفري مع تداخل بعض المصالح الشخصية والمنافع التي تم مراكمتها خلال الانقسام.

المساهمون