فذكّر إن نفعت الذكرى

فذكّر إن نفعت الذكرى

27 اغسطس 2017
الانقسام غير مقبول اجتماعياً (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
مع أن من المنطقي أكثر، بعد مرور عقد ونيّف على الانقسام، أن أكتب الآن في شأن مهم هو ضرورة تحقّق المصالحة الوطنية الفلسطينية، فإنني أوثر في ضوء تعثّر كل جهود إنجاز مثل هذه المُصالحة المُشتهاة، والتزامًا بدلالة الآية الكريمة في العنوان (وليس أبسطها أن التذكير واجب في كل حال، والذكرى نافعة في كل حال)، أن أستهل الكلام بخلاصة تزعم أنه بالرغم من أن المصالحة ليست بادية في الأفق، فإن قضية فلسطين باقية بقوة حاضنتها الشعبية.
يكفي للبرهنة على ذلك أن نخضع طريقة العمل التي انتهجتها دولة الاحتلال الإسرائيلية إزاء الأوضاع الناشئة عقب هذا الحدث المفصليّ، من طريق عدم الإغفال بأنها المُفضّلة عليها، إلى امتحان النتيجة.

تُفيد طريقة العمل هذه، والتي ينبغي التذكير أيضًا بأن الهجس بها تمّ مباشرة بعد وقوع الانقسام في حزيران/ يونيو 2007، بتشجيع الفصل بين منطقتي الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، إلى ناحية اتخاذه طابعًا جيو سياسي شبه ثابت، وبتقوية سلطة فتح في الضفة الغربية في مقابل معاقبة سلطة حماس في غزة وإضعافها بشن حملات عسكرية متواصلة ضدها، وهو ما حدث منذئذ كل ثلاثة أعوام بالمتوسط. والأدبيات الإسرائيلية التي تناولت هذه الطريقة، شدّدت على أنها تظل المفضلة- مقارنة بطرق عمل أخرى طُرحت في جدول الأعمال- لكون حماس المسيطرة في قطاع غزة منظمة مقاومة مسلحة، لا تعترف بإسرائيل بل وتتطلع إلى تدميرها. في المقابل تسيطر على الضفة الغربية منظمة اعترفت ليس بإسرائيل فحسب إنما أيضًا بـ"حقها في الوجود"، وترغب في التوصل إلى تسوية سلمية معها. من هنا ينبغي على هذه الأخيرة دعم الأولى (فتح) والعمل على إضعاف الثانية (حماس).

وكان ثمة من قال إنه بهذه الطريقة يمكن تحويل أراضي الضفة الغربية إلى "قصة نجاح" بواسطة تشجيع توسيع وتنمية النشاطات الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة، وذلك عبر رفع العقوبات الاقتصادية وتدفق أموال المساعدات الدولية وتحويل عوائد الضرائب التي تحتجزها إسرائيل، بالإضافة إلى ما يمكن أن تساهم به إسرائيل من خلال إزالة بعض الحواجز العسكرية وتسهيل حركة التنقل وغيرها من الأعمال والخطوات التي من شأنها تعزيز مكانة حركة فتح، كالإفراج عن أسرى ومعتقلين فلسطينيين. في المقابل فإن قطاع غزة، الذي سيبقى خاضعًا للعقوبات الإسرائيلية والدولية، بالإضافة إلى ازدياد الضغوط عليه، سيتحول إلى "حكاية فشل".

وفقًا لهذه الأدبيات، تمثّل الرهان الإسرائيلي من وراء ذلك بأن الجمهور الفلسطيني العريض، الذي سيشاهد الأداء المختلف للحكومتين (حكومة حماس في غزة وحكومة فتح في الضفة الغربية)، سيبتعد عن حركة حماس ليعود إلى دعم وتأييد حركة فتح، وفي مجرّد هذا مكسب كبير لدولة الاحتلال.
لكن هذا الرهان على الجمهور الفلسطيني سقط. وفي أكثر من اختبار، كان آخرها الانتفاضة الشعبية على محاولات دولة الاحتلال انتهاك الحرم القدسي الشريف، أثبت هذا الجمهور أن في وسع حرصه على القضية الفلسطينية الوطنية أن يفرض مسار مواجهة للاحتلال من أسفل إلى أعلى، بما يتجاوز هذا الفصيل أو ذاك، ويسفر عن وضع إرادة الشعب في موقع الصدارة والحسم.

سقوط الرهان المرة تلو الأخرى كان بمثابة مؤشر إلى أن الانقسام غير مقبول على الفلسطينيين فما بالكم بالفصل. كذلك ليس مبالغة القول إن فتح لم تتنازل عن غزة وحماس لم تتنازل عن الضفة. وكلتاهما لم تتنازلا عن فلسطين. وعاجلًا أو آجلًا سيتعيّن عليهما أن يحصّنا عدم التنازل هذا ببرنامج وطني متفق عليه حتى لا يظل أشبه ببرج مبنيّ في الهواء.

المساهمون