الانقسام في خدمة إسرائيل

الانقسام في خدمة إسرائيل

27 اغسطس 2017
الانقسام ساعد إسرائيل في شن الحروب على غزة(فرانس برس)
+ الخط -
قد يبدو العنوان بديهيا للغاية ومفهوم ضمنا، خاصة في السياق الفلسطيني، ولأنه ربما لأول مرة في التاريخ الفلسطيني نتحدث عن انقسام فصائلي وجغرافي من فعل الفلسطينيين أنفسهم بما يوفر على الاحتلال اتباع سياسة "فرّق تسد" التي شكلت على مدار تاريخ الاستعمار وحركات التحرر مفتاحا وأداة أساسية في ضرب حركات التحرر وقمع الشعوب المستعمَرة وتلك المقاومة للاحتلال الأجنبي.


مع ذلك كان لا بد من الإشارة إلى فعل الانقسام بأياد وأسباب داخلية لا تتعدى الصراع على السلطة حتى قبل تحقيق الدولة والتحرير، مقابل محاولة رصد عدد لا يحصى من الفوائد التي جنتها إسرائيل من هذا الانقسام وتلك التي تواصل قطفها بسهولة من استمراره.

ولعله من المفيد البدء بالقول إنه لولا حالة الانقسام وتكريسها، لما تمكن الاحتلال من فرض حصار متواصل منذ عقد، على قطاع غزة، تخلله شن أربعة حروب، بدءا من عدوان أمطار الصيف عام 2006، عام الانقسام، وانتهاء بالعدوان الأخير في تموز 2014 (الجرف الصامد)، خرجت منها دولة الاحتلال دون مساءلة على جرائم الحرب التي ارتكبتها، وذلك بالأساس لأن السلطة الفلسطينية، في رام الله، كانت في عدوان الرصاص المصبوب الطرف الذي سحب الشكوى الرسمية لاعتماد تقرير غولدستون حول جرائم الحرب الإسرائيلية، وبالتالي لم يختلف مصير الحربين اللاحقتين، عمود السحاب 2012 والجرف الصامد 2014 عن عدوان الرصاص المصبوب.
لكن إذا كانت هذه الفائدة معلنة، فإن هناك فوائد أخرى تتعلق ليس فقط بالنفاذ والفرار من جرائم الحرب، وتتصل باستمرار تكريس الاحتلال، مع ازدياد ثقة دولة الاحتلال بإمكانية تغيير الواقع الديمغرافي والسكاني في الضفة الغربية وصولا إلى نقطة اللا رجوع التي تهدد بزوال إي احتمال لحل الدولتين، بفعل الضعف الفلسطيني الناجم عن الانقسام، وترديد مقولة "الصوص المنتوش الريش" في التعامل مع محمود عباس وسلطة رام الله وتعزيز القناعة الراسخة لدى الطرف الإسرائيلي، وبنسب متفاوتة لدى الفلسطينيين أنفسهم أن السلطة تدين ببقائها في الحكم، ومعها الرئيس عباس لإسرائيل.


استغلت دولة الاحتلال هذا الواقع، أو هذه الصورة التي رسمتها لابتزاز السلطة في رام الله بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، وتسليم، أو على الأقل تسهيل نشاط جيش الاحتلال في عمليات الاقتحام والمداهمة لضبط واعتقال عناصر حماس وعناصر المقاومة الأخرى التي قد تهدد الأمن الإسرائيلي، وضبط الأمن في الضفة الغربية وقمع أي حراك أو انتفاضة فلسطينية، فيما تقوم قوات السلطة بمنع الاحتكاك بين الشعب الفلسطيني وقوات الاحتلال.

وقاد هذا بالضرورة إلى إدخال سلطة رام الله في حالة دفاع عن النفس دائما، كلما تم توجيه الاتهامات لها بدعم الإرهاب أو التحريض، وهو ما استنفذ جهدا كبيرا حتى من المجهود الدبلوماسي للسلطة في الخارج.
وفي سياق الطرف الفلسطيني في رام الله والمسيرة السلمية فقد شكل ولا يزال يشكل الانقسام حجة لدى حكومة الاحتلال لرفض الدخول في مفاوضات تسوية دائمة متعللة بأنه لا يوجد لدى الفلسطينيين عنوان متفق عليه، وأن السلطة في رام الله لا تمثل كل الفلسطينيين، تماما مثلما لا تمثلهم حركة حماس في قطاع غزة، وبالتالي لا ضمانة مستقبلية لأي اتفاق دائم ونهائي.
ومع أن الاحتلال لم يكن هذه المرة سببا في الانقسام، إلا أنه غذى الانقسام، وكان عنصرا فاعلا في عدم إنهائه، من خلال مشاريع وخطوات معلنة أيضا، بالحديث عن الحاجة لتعزيز قوة عباس مقابل حماس، والترويج لمقولة نهائية الفصل الجغرافي القائم والتعامل مع قطاع غزة على انفراد باعتبار أن سلطة رام الله نفسها باتت تسير بهذا الاتجاه، وفق الخطوات الأخيرة لعباس ضد قطاع غزة.
لكن هناك فوائد أخرى جناها الاحتلال من الانقسام، ومن شن الحروب الأربع على القطاع، فقد شكلت غزة ميدانياً عملياً لتجريب السلاح الإسرائيلي وتطويره ومن ثم تسويقه وبيعه في الخارج بفعل نجاحه الميداني، والحديث يدور هنا عن نحو 10 مليارات دولار تدخل خزينة إسرائيل من بيع السلاح والعتاد الذي "أثبت نجاعته" في قطاع غزة، بدءاً من طائرات بدون طيار، ومنظومات القبة الحديدية والعصا السحرية لاعتراض الصواريخ، والدرع الواقي.


وجنى الاحتلال من الحصار المفروض على القطاع، بفعل بقاء الانقسام، فوائد اقتصادية هائلة، يكفي اختصارها بأن غزة كانت سوقاً استهلاكياً هائلاً لم تدخله إلا البضائع والمنتجات الإسرائيلية، بفعل غباء النظام المصري المشارك في الحصار، هذا عدا عن المداخيل الهائلة من العوائد الجمركية التي كسبتها إسرائيل من المنتجات والمواد التي أدخلت للقطاع عبر معابر إسرائيل وحدها.

خلاصة القول إن الانقسام الفلسطيني المتواصل، لا يخدم فقط سياسة الاحتلال المعلنة في "زوال ونهاية حل الدولتين"، فقط، بل يتيح للاحتلال الانطلاق من الواقع القائم لنسج وتوسيع شبكة علاقاته العربية عبر استغلال التناقضات الفلسطينية كما التناقضات العربية في الطريق إلى "الحل الإقليمي" المبني على سلام عربي – إسرائيلي لن ينتظر بالضرورة إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية.

المساهمون