الاستدارة نحو غزة: توجه حقيقي أم ترويض؟

الاستدارة نحو غزة: توجه حقيقي أم ترويض؟

27 اغسطس 2017
الوعود لغزة لا تنفّذ (فرانس برس)
+ الخط -
عادت فلسطين بعدما تلاشت أو كادت من الحسابات العربية الرسمية، لكنها عودة مبتورة ومشبوهة، مبتورة لأن العودة العربية الرسمية لفلسطين لا ترى فلسطين إلا في غزة، هكذا بدت الاستدارة العربية مقتصرة على غزة فقط وكأن فلسطين اخُتصرت في غزة، وأما مشبوهة فمراجعة مواقف العرب العائدين لغزة أو المستديرين إليها موجعة للحد الذي وصفت فيه المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، ومؤلمة أكثر لأن بعض العائدين لفلسطين من بوابة غزة متورطون في بيع عقارات وأراضي القدس للمستوطنين، ومفخخة لأن المستديرين لغزة كان قد لوح قائد جيشهم الميداني الثاني بدك غزة إذا لزم الأمر، وتوعدهم وزير الخارجية بكسر أقدامهم وأيديهم من قبل.

استدار النظام العربي المبتور لقطاع غزة بعد عشر سنوات من الحصار قُتل فيها من قُتل وأُصيب من أصيب، والذين يمتازون بالذاكرة الجيدة سيستحضرون المناشدات والنداءات لأهل غزة وهم يستغيثون بالعرب من أجل إخراج المرضى للعلاج ومن أجل فتح المعابر ومن أجل فك الحصار وتوفير الحد الأدنى لحياة كريمة، لم يُسجل التاريخ المعاصر أن طلب أهل غزة من الدول العربية أن تُقاتل عنهم الاحتلال لكنهم عندما طالبوا العرب بالتدخل لوقف العدوان وتحقيق الهدنة خذلوهم واستمرت الحرب الثالثة خلال عشر سنوات لأكثر من خمسين يوما، لم يتدخل العرب في غزة لوقف العدوان أو رفع الحصار، لكنهم بعدما فاز "ترامب" تذكروا غزة فجأة والتفتوا إليها ليسلخوها عن باقي فلسطين.

لماذا استدار العرب لغزة؟ وما حقيقة الاستدارة وتبعاتها وتداعياتها؟ هل هي استدارة طبيعية موضوعية أم ترويض وتوظيف وتمرير؟ هل كان العرب بحاجة لعشر سنوات وهذه الحروب والتضحيات من الشهداء والمرضى والإصابات لاستذكار غزة؟ هل يمتلك العرب المستديرون المستذكرون غزة خارطة طريق فعلية لوضع غزة على مسار النمو الحقيقي أم يرون فيها مجرد قضية إنسانية وتجمع بشري مقطوعة عنه الكهرباء التي، بالمناسبة، تُسدد غزة ثمنها من جيوب فقرائها لتشتري السولار العربي . وماذا لو استدعينا موقف العرب المستديرين والعائدين من غزة وفصائلها وتحديدا حركة حماس التي تُعد أولا أحد أجنحة الإخوان المسلمين، هؤلاء الإخوان الذين تعهد العرب الملتفتون لغزة بإنهاكهم وإنهائهم وكأنهم ليسوا جزءا من مكونات المنطقة وشعوبها، إن الاستدارة العربية لغزة ولحركة حماس إذا ما قورنت بمواقف العرب الملتفتين لغزة من الإخوان ومن المقاومة ستفضي إلى جملة تناقضات يصعب معها الجمع، فيَد تحارب الإخوان والأخرى تمتد لحماس، وعين تتربص بالمقاومة لكنها تدعي دعم غزة واستنهاضها، ووعيد يحاصر اليمن ووعد برفع الحصار عن غزة! هكذا يبدو المشهد ولا يمكن قراءته دون هذه التناقضات.


توجه أم ترويض
التناقض وصف رقيق للتعاطي العربي مع غزة ومع كل القضايا المطروحة، فالإمارات التي تتعهد "إعلاميا" فقط بدفع 15 مليون دولار لغزة شهريا لم يُدفع منها دولار واحد تعهدت في موضع آخر بالقضاء على الإخوان، والسعودية الحليف الأقرب للإمارات يصف وزير خارجيتها الجبير حركة حماس بالإرهابية وما كان من سفيرها في الجزائر إلا السير خلف وزيره. ويبدو أنهما- الوزير والسفير- يسيران خلف ما يقوله أنور قرقاش وزير الإمارات، ومصر التي تستضيف قادة حماس وترحب بهم ألم تكن بالأمس تهاجم حماس وتتوعدها، وقد مَر على إغلاق معبر رفح أكثر من ستة شهور متتالية قضى خلالها من المرضى من قضى أجله، مصر التي استدارت لحماس ألم تمنع قافلة مساعدات جزائرية محملة بالأدوية من المرور لغزة يوم 18 أغسطس/آب الجاري رغم استضافتها لوفد الفصائل الفلسطينية في نفس التوقيت، كل هذه التناقضات تستدعي جملة فرضيات، كيف تجتمع شيطنة غزة والتفاهم معها والاقتراب منها. إن الاستدارة العربية الحاصلة لن تكون رافعة للقضية الفلسطينية ومكوناتها بقدر ما تستهدف دحرجة الانقسام ليصبح سياسيا بين فتح وحماس وجغرافيا بين غزة والضفة وشخصيا بين أبو مازن ودحلان لينتهي بالقضاء على بناء الدولة الفلسطينية.

عشر سنوات والحادية عشرة تلوح في الأفق، مرت على حصار غزة حتى تذكر العرب أن هناك 2 مليون فلسطيني يعيشون تحت الحصار، ولكن ما هي نتيجة الاستدارة المصرية – الإماراتية الحاصلة وقد مضى عليها الآن قرابة الستة شهور تم اختصار القضية الفلسطينية فيها إلى قضية إنسانية، لا شيء، لا جديد لا انفراجة إطلاقا، المعبر مغلق والمرضى يموتون والكهرباء مقطوعة لعشرين ساعة يوميا والبطالة دلالاتها فلكية، استدارة محملة بالوعود، إنها استدارة تستعيد للذاكرة وعود أوسلو التي قيل حينها أن غزة ستصبح كسنغافورة وبعد عقدين ونصف لم تجد غزة المياه الصالحة للشرب ولا الكهرباء الكافية وحتى بحرها المنفذ الوحيد بات مصبا للصرف الصحي بعدما تآكلت بنيتها التحتية.

استدارة ووعد أنها ستبني محطة كهربا بـ 100 مليون دولار خلال 18 شهرا مَر منها الثلث ولم يوضع منها حجر واحد، ووعد افتتاح المعبر ولم يُفتح طوال ستة شهور لأكثر من يومين وللحجاج ولم يغادر من 30 ألف فلسطيني في غزة أكثر من 4 %، ومصالحة مجتمعية متعثرة استشعرت أطرافها أن في الأمر خدعة فانسحبت منها فصائل منظمة التحرير وحركة فتح وبقى فيها تيار دحلان وحركة حماس.

استدارة عربية اقتطعت من غزة قوتها لشراء السولار العربي بالدولار لضخه لمحطة الكهرباء اليتيمة في غزة، غزة المحاصرة توفر الدولار للقاهرة؛ غزة تدفع الدولار مقابل حصولها على السولار، أية استدارة وأية دعم هذا وهل يمتلك المُحاصر العملة الصعبة ليعطيها لدولة كمصر ويشتري منها سولار السعودية، من الذي ينقذ من؟ ومن يُعد رافعة لمن؟ غزة هي التي تمد يدها لمصر لتوجد حلا لأزمة العملة الصعبة فيها ومحاصرة الارتفاع الجنوني لأسعار صرف الدولار في السوق السوداء، قبل أن تمر شاحنات السولار المصري لغزة يُحول مبلغ مليون دولار ثمن مليون لتر سولار. أين الاستدارة إذن وأين المساعدة وأين الأخذ بيد غزة، حتى مبلغ 15 مليون دولار التي تتوعد الإمارات بها قطاع غزة شهريا لو قُسم المبلغ على مليوني مواطن فلسطيني محاصر كم سيكون نصيب الفرد!

المساهمون