لا مرحباً بالمدرسة

لا مرحباً بالمدرسة

26 اغسطس 2017
علينا إعادة التفكير في أسلوب الاحتفال بالعام الدراسي الجديد(غيتي)
+ الخط -

من التقاليد الهولندية الأصيلة والمتوارثة أنه في حال نجاح الأبناء مع نهاية العام الدراسي يقوم أولياء الأمور بتعليق العلم الهولندي وكذلك الحقيبة المدرسية التي كان يحتفظ بها الابن بكتبه المدرسية أمام باب البيت. وهم يفعلون ذلك تعبيراً عن حب الوطن الذي منح الابن الفرصة لتعليم جيد، وامتناناً للحقيبة التي حفظت الكتب وحملتها طيلة عام دراسي كامل.

أما في بلادنا فلا يحدث ذلك للأسف، ولا يفرح الأولاد ببدء العام الدراسي، ولا يتركون أي ذكرى من عام مضى ويستعدون بروتينية قاتلة للعام الجديد، وكأن الاستعداد لا يزيد عن تخصيص ميزانية لشراء مستلزمات المدرسة والتباهي والتفاخر باختيار الأجود والأفضل والأغلى سعراً أمام العروض التي تزخر بها الأسواق، ووسائل الإعلان المختلفة، والتي انضمت إليها في السنوات الأخيرة وسائل التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك"، فلماذا لا يستعد أولادنا بطرق أخرى للمدرسة؟

يجمع الاختصاصيون التربويون بأن على الأولاد مراجعة الدروس السابقة التي تعلموها في العام المنصرم، والاطلاع بصورة سريعة على المناهج الجديدة. ويحدث ذلك بمساعدة أولياء الأمور، وذلك على سبيل التهيئة النفسية والعقلية للتلاميذ، لاستقبال العام الجديد، وعلى أمل أن يحققوا نتائج أفضل من العام السابق. ولكن المأساة أن الاستعداد لا يحدث وأن الحماس يفتر بعد بداية العام الدراسي بقليل، بسبب غياب البيئة الصفية التعليمية الجاذبة. وبذلك لم تعد المدرسة صديقة للطفل كما أن الأعباء الدراسية الزائدة عن الحد، وتصرفات بعض المعلمين اللا تربوية، تؤدي إلى كره الطلبة للمدرسة، وكذلك حرمانهم من الأنشطة الرياضية والفنية.

 

من واقع تجربتي كأم، وقد قمت بتربية أربعة أطفال، لاحظت أنهم لا يستقبلون المدرسة بحماس، وبأن موعد بدء العام الدراسي يشبه موعد حلول كارثة، وأجدهم يتأففون ويتذمرون مهما

حاولت أن أغير من الطقوس المتبعة للاستعداد للمدرسة، ومهما قدمت من مغريات للصغار، ومهما أسهبت من إلقاء المحاضرات على مسامع الكبار عن النجاح والمستقبل الواعد وإلى غير ذلك حتى توقفت طويلاً أمام عدم استعدادهم للعودة للمدرسة بسعادة أو ترحيب. وقد عادت بي الذاكرة إلى طفولتي وتذكرت أنني كنت أفرح في الأيام الأولى من العام الدراسي، بسبب الأدوات المدرسية الجديدة، والتي تكون قد طرحت خصيصاً في الأسواق احتفالاً ببداية العام، واستغلالاً للإقبال على شراء مستلزمات المدارس. وكان حماسي يفتر سريعاً بعد أن أستخدمها وأجربها وكانت هذه الأدوات لا تزيد عن المسطرة التي تحتوي على الماء وتتحرك بها سمكات ملونة من البلاستيك اللامع، وكذلك الممحاة ذات الرائحة العطرة، والتي تفوح رائحتها في حقيبتي وكنت أودعها جيب "مريلة المدرسة" لكي يناله بعض العطر الساحر الأخاذ، والذي يشبه رائحة الفواكه الشهية، خاصة الفراولة.

ولكن ما إن تمر الأيام الأولى حتى يعاودني الحنين لأيام الإجازة. وأذكر موقفاً طريفاً حين قررت أن أدفن عرائسي في حفرة عميقة تتوسط حديقة البيت، وقد تركت علامة مميزة لكي أعود إليها في الإجازة المقبلة، ولكنني أخرجتها من الحفرة وعدت ألهو بها خلسة بعد أيام قليلة من بدء العام الدراسي وكنت أشعر بمتعة لا توصف حين ألهو بها ولا توبخني أمي وهي تردد العبارة التي يكرهها كل التلاميذ، ويحفظها كل الآباء والأمهات: قوم ذاكر...........