غرس الصبر... مهمّة شاقة للآباء

غرس الصبر... مهمّة شاقة للآباء

23 اغسطس 2017
ينصح التربويون بالهروب من المدينة ولو يوماً واحداً بالأسبوع(Getty)
+ الخط -
قدرة الأطفال على الصبر، وغرس هذا السلوك في شخصيتهم ليس بالأمر الهين، فماذا يعني الصبر؟ قد يكون التعريف المبسط: "إعطاء الأمور وقتها بهدوء ومن دون عجلة". بدءا من الصبر اليومي للطفل على استذكار الدروس المدرسية، أو صبره عند الحوار والاستماع للآخر، أو صبره عند انتظار نتيجة أو مكافأة، أو الصبر عند البحث عن معلومة أو للوصول لهدف، وإذا اتفقنا على هذا التعريف المبسط سنجد أن هناك ظاهرة واضحة لا شك فيها وهي: ضعف قدرة أطفالنا على الصبر، فكثير منهم يتعجل ويضيق ذرعا بالمسؤوليات أو العلاقات أو الأنشطة التي تستلزم صبرا. وهذا يرجع إلى: 1) أسباب تعود إلى سرعة إيقاع الحياة، و2) أسباب تعود إلى أسلوب التربية.

بالنسبة لسرعة إيقاع الحياة، فهي لا تخفى على أحد، من حيث ثورة الاتصالات، وجنون الأجهزة الإلكترونية، حيث أصبحت الأشياء تتحقق بضغطة زر! وهذا بالتأكيد جعل الأطفال أقل صبرا، يبحثون دائما عن ذلك الزر الذي ينهي وقت المذاكرة أو يحقق الهدف أو يغلق المناقشة، وهذا التغير الذي حدث في إيقاع الحياة يستحيل علينا تغييره، وأقصى ما ينصح به كثير من التربويين هو الهروب من المدينة ولو يوماً في الأسبوع أو بضعة أيام في الشهر أو بضعة أسابيع في السنة، والعودة لحياة بدائية بسيطة ليعيش الأطفال جوا أكثر هدوءا وأقل سرعة.

وهذا الاقتراح – في الحقيقة – ليس سهل التنفيذ لكل الناس، لذلك قد يكون البديل عنه هو الدفع بأبنائنا بين الحين والآخر نحو أنشطة إنسانية تطوعية شاقة مع الفقراء والمساكين في بيئات قاسية أو ظروف صعبة، حيث يكتسبون شيئا من الجلد والصبر وطول البال، وخاصة إذا كانت هذه الأعمال تتم دون كماليات ورفاهية المدينة ومن دون ضغطة زر.
ولكن يبقى الجزء الأكبر للحل هو ذلك الذي يعود إلى أساليبنا التربوية خلال المراحل والاحتياجات السنية المختلفة، والتي تؤثر على تحلي أبنائنا بالصبر، نذكر بعضها في النقاط التالية:

1.العام الأول والثاني من حياة الطفل هي المرحلة السنية التي يبدأ فيها استكشاف العالم الخارجي لتبدأ رحلة الصبر والتعلم وحل المشكلات. فمثلا يتعلم أنه لكي يصل إلى الرف المرتفع يحتاج إلى خطوة قبل ذلك وهي فتح الدرج السفلي ليقف عليه، وهكذا يتعلم أن هناك "خطوة تؤدي لخطوة".. وهنا يأتي الدور التربوي في هذه المرحلة لتعليم الصبر بإعطاء الطفل فرصاً أكبر للاستكشاف والتجريب والانتقال من خطوة إلى خطوة مع عدم مساعدته إطلاقا إلا قبل الإحباط بلحظات، فيفهم مبكرا أن الأمور لا تحدث بضغطة زر، وإنما تحدث على مراحل تحتاج صبرا.

2.في سن الثالثة والرابعة، تزداد رغبة الطفل في التجربة والخطأ، وتنمو قدرته على التخيل، هذا سن هام جدا لإشباع هذه الاحتياجات بتقديم فرص للبحث الذي يحتاج صبرا، وإعطاء الطفل مواد للاستكشاف (مغناطيس؛ ومواد معدنية...) مع دعوة الطفل إلى أن يجد حلوله الخاصة، والتأكيد على عدم تقديم مساعدة إلا في آخر لحظة، والابتعاد تماما عن مساعدة الطفل لمجرد أنه تعثر في البداية.

3.تطبيقاً لنفس الفكرة السابقة، وهي فكرة أن "خطوة تؤدي لخطوة" يأتي أيضا دورنا في اختيارنا الألعاب لأطفالنا لتحقق نفس الغرض، حيث نوفر للطفل الألعاب التي تحتوي على خطوات، مثل ألعاب الفك والتركيب، وألعاب البناء والتشكيل.

4.في سن الخامسة والسادسة (وهو أهم سن لتعليم الصبر) ينمو لدى الطفل –بطبيعة المرحلة - قدرة أكبر على الاحتمال والصمود، ويكون لديه استعداد لبذل وقت أطول للوصول إلى الهدف. وهنا يأتي دورك لإتاحة الفرصة للطفل والوقت الكافي للتعامل مع إحباطاته، والتركيز على مهارات حل المشكلات، مع التشجيع وغرس الثقة في النفس والبعد عن الاعتمادية. ونؤكد أيضا على اختيار الألعاب التي تنمي ذلك، وأيضا على مشاركته في حل واجباته المدرسية وأيضا القراءة وممارسة الهوايات التي تستلزم صبرا (وخاصة التدريبات الرياضية أو الفنون لأن كلاً منهما يكسب الصبر للتقدم من مستوى لآخر في اكتساب مهارات جديدة) مع التعزيز والمكافأة كلما أحرز تقدما واكتسب المزيد من الصبر.

5.رغم أن السنوات الست الأولى هي الأهم، لكن ما تأخر من بدأ، حيث يستمر الأمر على نفس النحو من حيث: عدم الاعتمادية، وغرس الثقة في النفس، وإتاحة الفرصة للتجريب وبناء خطوة على خطوة. وتضاف إلى ذلك الكثير من الوسائل التي تعلم الصبر، مثل الاشتراك في الكشافة والأعمال التطوعية كما ذكرنا، وعمل مشروعات أو أفكار داخل المنزل (مثل تدوير المهملات أو تزيين المنزل أو الزراعة أو تربية الحيوانات الأليفة) نقوم بعملها معا في جو من
الدفء والبهجة والتشجيع.

6.الأنشطة التعليمية لها دور كبير في إكساب السلوكيات عموما للأطفال، وذلك مثل بعض الألعاب الحركية التربوية أو المشاركة في مشاهد تمثيلية بسيطة أو سرد القصص. وقد نحتاج للحديث عن ذلك بالتفصيل في مقال لاحق، ولكننا نقول هنا باختصار أنه يمكن تصميم بعض من هذه الأنشطة المنزلية البسيطة لتحقق هذا الهدف، ويمكن أن نطلب من الأطفال أنفسهم تجهيز هذه الأنشطة وأن يتم تقديمها في يوم عائلي شهري يعرض فيه الأطفال ما قاموا بتجهيزه والذي يدور حول سلوك نختاره.

7.ستكون هناك ضرورة لاستخدام قواعد التهذيب الإيجابي التي تحدثنا عنها سابقا لضبط الصبر عند اللزوم.. واللجوء لبدائل العقاب أحيانا إذا أدى عدم الصبر إلى سلوك غير لائق مثل التأخر عن المسؤوليات أو العنف أو التطاول على الوالدين، عندئذ لا بد أن نتدخل من خلال بدائل العقاب والتي تبدأ من وضع اتفاقات مسبقة في حالة عدم الالتزام بالمسؤولية، وإشراك الطفل في وضع هذا الاتفاقات، ليتحمل عواقب تصرفه، ولكن دون إهانة أو عنف، فقط مع توضيح نتيجة الإخلال بالاتفاقات على نحو متعاطف وحازم في الوقت نفسه.

8. هناك وسائل تكميلية للتحفيز، مثل تفتيت سلوك الصبر إلى عدة مظاهر، ثم عمل جدول تقييم أسبوعي أو شهري يحتوي على هذه المظاهر، ثم يدون الطفل بنفسه أو بمشاركة أمه ما حققه في كل منها كل يوم.

9. لا تنس أن الملاحظة والتقليد من أهم وسائل التربية، لذلك نحرص قدر استطاعتنا أن يكون لدينا نحن الصبر حتى يكتسبه منا أبناؤنا، ونحرص كذلك على مخالطتهم بنماذج تتسم بالصبر، بالإضافة إلى قصص وأفلام عن الصبر، وهذا يسمى التعلم الاجتماعي أو من خلال نموذج.

10. وفي النهاية، لن ننسى أيضاً أنهم أطفال، فلا نعاملهم على أنهم راشدون أو ملائكة، بل نتقبل منهم أحيانا بعض العجلة، في حدود طفولتهم وبشريتهم.


المساهمون