عودة إلى ما قبل أوسلو

عودة إلى ما قبل أوسلو

23 يوليو 2017
وضعت إسرائيل خططاً قديمة للتوطين في سيناء(علي جادالله/ الأناضول)
+ الخط -
بدون أدنى شك، فإن تخوفات الكثيرين في محلها من أن مبدأ حل الدولتين أضحى شيئاً من التاريخ، ليس من ناحية الصعوبات التي تعترض تطبيقه فحسب، ولكن أيضاً الموقف الأبرز بإسقاط حل الدولتين الذي أضحت الإدارة الأميركية تتبناه كسياسة وخيار وحيد. ما بات حاضراً اليوم هو ما تتضمنه صفقة القرن التي تقودها الإدارة الأميركية الجديدة ورموز النظام العربي السائرون في فلكها. فما هو مضمون هذه الصفقة؟ وأين موقع الدولة الفلسطينية فيها؟ وما مصير السلطة الفلسطينية في ظلها؟

دعونا نستشرف ونبحث بدقة عن إجابات لهذه الأسئلة. لم تكن صفقة القرن إلا استدعاء للتاريخ، حيث رؤية إسرائيل لتوطين الفلسطينيين في سيناء التي طُرحت في خمسينيات القرن الماضي، وما جرى من تجديد طرح الأفكار لحل المشكلة الفلسطينية في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، التي أطلق عليها "تفاهمات أولمرت عباس" عام 2006، وما اقترحه عضو حزب الليكود أيوب قرا، دولة فلسطينية في سيناء، إلى جانب خطة يوشع بن آريه 2003، التي تقضى بتمديد حدود غزة حتى العريش، وكذلك مشروع غيورا آيلاند 2004 الذى دعا مصر للتنازل عن 600 كيلومتر مربع من سيناء لصالح التوطين، إذن هي عود على بدء إلى ما قبل أوسلو، أي ما قبل وجود السلطة الفلسطينية، تتضمن خطة السير في هذه الصفقة إعادة مسار المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتأكيد على مبدأ حل الدولتين من دون الإشارة إلى مكان الدولة الفلسطينية والإقرار لإسرائيل بحدود الجدار الفاصل، ودراسة مقترحات تبادل الأراضي كخطوة أولى.

تجدر الإشارة إلى أنّ هناك أدواراً لجميع الأطراف في هذه الصفقة، فمصر متفقة مع الأميركيين في عدم ترك غزة لحركة حماس، وهي منسجمة مع إجراءات الرئيس عباس تجاهها، السعودية أيضاً جزء من المخطط وشريك أساسي، ويرى بعضهم أن استعادة جزيرتي صنافير وتيران عربون للشراكة في هذه الصفقة، إسرائيل بدورها ترى أن الصفقة تحقق لها أسمى ما تتمنى، وفي نفس الوقت تنهي أزمات غزة من خلال التوسع وإقامة مشاريع حيوية كميناء بحري ومطار جوي إضافة إلى إمكانية حل مشكلات جزء من اللاجئين من خلال توطينهم في مناطق غزة الكبرى، أما في ما يتعلق بالضفة فإن إسرائيل ترى أن البدء في مفاوضات سياسية مع السلطة وارد في سياق كسب مزيد من الوقت، لأجل الانتهاء من ترتيب وضع غزة بشكل نهائي، يترافق مع جولة المفاوضات التي يمكن أن تمتد لسنوات السماح بإقامة العديد من المشاريع الحيوية في الضفة لتحسين حياة السكان هناك، انسجاماً مع السلام الاقتصادي الذي تدعو له إسرائيل، وتعمل على تطبيقه من خلال تعاملها مع السلطة في رام الله، بمرور الوقت ونجاح مخطط دولة غزة تكون الخطوة النهائية إغلاق ملف التسوية الذي أنتج السلطة الفلسطينية، حينها لن تكون هناك لازمة لبقائها كطرف سيادي في الضفة الغربية، في الوقت الذي ستكون غزة قد حققت هذا الهدف من خلال شرعية وجودها ككيان سياسي له ارتباطاته وقيادته التي تتحدث باسم الشعب الفلسطيني، كما تعكف إسرائيل على الترويج لهذه الصفقة لدى مصر من باب أن التنازل عن الأرض لن يكون لإسرائيل، بل للفلسطينيين وأنها أرض مقابل أرض، حيث سيُمكّن ذلك مصر من التواصل الجغرافي مع الأردن عبر نفق يخضع للسيادة المصرية ويشمل ذلك تدشين خطوط سكة حديد وطرق سريعة وأنبوب نفط يصل إلى ميناء غزة على البحر المتوسط، مما يحقق عوائد مادية كبيرة تستفيد منها مصر وكذلك الأردن، يترافق مع ذلك أيضاً تغيير في ملاحق اتفاقية كامب ديفيد العسكرية بحيث يُستخدم ذلك كوسيلة لإقناع الشعب المصري بهذه الخطوات.

الخطورة في نظر إسرائيل تعتمد على مدى جاهزية مصر لمساندة هذا المشروع، ومدى رضى مصر عن الثمن المُقدم لها لكى تتحمل مسؤولية أن تكون عَراباً له، يبقى أن نشير إلى ما تسرب مُؤخراً من تفاهمات بين مصر وحماس في غزة، وكذلك حماس وتيار محمد دحلان (التيار المسمى الإصلاحي الديموقراطي في حركة فتح) إذ تم قراءة هذه التفاهمات في سياق التمهيد لاحتواء غزة والسيطرة عليها سياسياً في البداية وتمكين شخص محمد دحلان من الوجود في المشهد الغزي أولاً وصولاً إلى المشهد الفلسطيني برُمته، حينها لن يكون للرئيس محمود عباس حضور، لا تنظيمي ولا سياسي، في إطار قيادة السلطة التي سيكون قد بدأ مشوار تفكيكها إن لم يكن قد تم إنهاء وجودها من قِبل إسرائيل.

لا نغالي إذا قلنا إن السلطة في رام الله بجميع قياداتها تُدرك أكثر من أي وقتٍ مضى بأن خيار حل الدولتين ومع مرور الوقت يتلاشى بشكل حقيقي وعملي، ولأنها أي السلطة لم تُبقِ لديها أي خيار آخر تستطيع العودة إليه أو حتى التلويح به، فهي تُكابر وتتمسك بما تبقى من خيوط ترتبط بهذا الخيار، وخاصة مواقف بعض الدول الصديقة في العالم، مع إدراكها المطلق بأن هذه الدول لن تستطيع أن تؤثر شيئاً على توجهات الإدارة الأميركية التي تنسجم كلياً مع ما تراه إسرائيل، لذلك تقف السلطة اليوم عاجزة كلياً عن مواجهة الرؤية الأميركية وهجومها السياسي والمالي، ولذلك كان صائب عريقات الوحيد الذي تجرأ وصرح بأنه سيتم سحب الاعتراف بإسرائيل، وأن السلطة ستنضم إلى 16 منظمة دولية، وستشرع في مقاضاة الاحتلال في محكمة الجنايات الدولية حول الاستيطان والجدار، لكن وبكل أسف هذا الموقف لم يلق آذاناً صاغية وسُرعان ما تراجع، وخاصة بعد تهديدات السفير الأميركي في تل أبيب للسلطة، في هذا السياق أيضاً ، تابعنا قبل أيام ما جاء على لسان الرئيس محمود عباس، عندما قال "أنا على استعداد للعودة إلى المفاوضات إذا أقرت إسرائيل بمبدأ حل الدولتين"، ما نلحظه أن الرئيس محمود عباس لم يذكر أي مطلب من المطالب التي كان يتمسك بها في السابق، وتحديداً وقف الاستيطان للعودة إلى المفاوضات، ليس لعدم أهمية ذلك، ولكن حتماً لأنه يُدرك أن أساسات مشروع التسوية التي قامت عليها منذ حوالى ثلاثة عقود من الزمن "حل الدولتين" في مهب الريح، وأن زوال السلطة مسألة وقت، لهذه الأسباب فإن السلطة أمام منعطف حاد إذا استمرت على ما هي علية من مُراهنات، وسيف الوقت يُنذر بإسدال الستار على مشهد السلطة، لذا فهي أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الانتظار حتى مجيء الموت أو الإسراع في لمّ الشمل الفلسطيني وتحقيق مصالحة حقيقية تؤسس لوحدة موقف قائمة على استراتيجية متفق عليها من الكل الفلسطيني لمواجهة الأخطار المُحدقة التي تواجه المشروع الوطني ومستقبله، لا نستثني الأردن من هذه الصفقة التي تُعتبر حلاً إقليمياً، فالفائدة التي يمكن أن يحصل عليها الأردن مرتبطة بالجوانب الاقتصادية التي ستتحقق من خلال ميناء غزة الذي سترتبط به وصولاً إلى أوروبا والخليج فضلاً عن إتاحة الفرصة لتخفيف العبء السكاني الفلسطيني الموجود في المملكة الأردنية من خلال ترحيل الغزيين إلى دولة غزة الكبرى.

(أكاديمي ومحلل سياسي)



المساهمون