هروب إلى الأمام

هروب إلى الأمام

23 يوليو 2017
+ الخط -
في أحسن الاحتمالات سينضم مصطلح "صفقة القرن" الذي تصاعدت وتيرة تداوله في الآونة الأخيرة، بعد حين، إلى مصطلحات أخرى تتطابق مع مدلولها الحقيقي لا المُتحايل، على غرار "السلام الاقتصادي"، و"الانفصال"، و"التسوية"، وأخيرًا وليس آخرًا "عملية السلام" التي ما عاد سرًّا أنها كانت منذ انطلاقتها غطاء تمويهيًا لاستمرار المشروع الكولونيالي الصهيوني في الأراضي الفلسطينية كافة، بل ولتغوّله. وفي أسوئها سيكون هذا المصطلح مدعاة لتمهيد الطريق أمام جولة مفاوضات أخرى مع دولة الاحتلال الإسرائيلية، ربما برعاية أو بمشاركة عربية نشطة، لن يُكتب لها أكثر من إعادة إنتاج العبر المُستخلصة من نتائج كل الجولات السابقة.

تتغيّر المصطلحات إذًا، لكن الجوهر ما يزال على حاله. وهذا الجوهر يفيدنا بشأن واحد ووحيد: هروب أولي الأمر إلى الأمام من استحقاقات الحلّ العادل للقضية الفلسطينية.
ونقصد بأولي الأمر أساسًا الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين تحظيان بحفلة تسويق عربية مُتجدّدة.

قبل نحو 30 عامًا، قال الشاعر إن مصالح الغرب في الشرق العربي ستظل بحاجة إلى "حاملة الطائرات الأميركية" (كما وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق يتسحاق شامير دولة الاحتلال) مثل حاجتها إلى بوليصة تأمين مضمونة، مهما تنافس "عرب الغرب" على إقناع واشنطن بإمكان تحويل الأوطان العربية إلى حاملة طائرات تنافس الدور الإسرائيلي.
وكرّر رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي بنيامين نتنياهو في مطلع الشهر الجاري هذا الوصف لدولة الاحتلال، في سياق كلمة ألقاها خلال زيارة قام بها إلى حاملة الطائرات الأميركية "جورج بوش الابن" أثناء رسوّها قبالة شواطئ مدينة حيفا.

قال نتنياهو إن حاملة الطائرات تلك عبارة عن جزيرة أميركية عائمة وترمز إلى الحرية والنصر في نظر العالم، وأشار إلى أنه على بعد عدة كيلومترات منها توجد حاملة طائرات عظيمة أخرى اسمها إسرائيل تمثل بالنسبة للعالم الحرية والنصر وتساعد أيضًا في حماية العالم من "الإرهاب" وتقف في طليعة الصراع بين الحضارة والظلام.

وأنا أكتب هذا الكلام، وارتباطًا بآخر ممارسات الاحتلال في الحرم القدسي الشريف، جرت عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ استعادة أقوال رئيسة الحكومة الإسرائيلية السابقة غولدا مائير لدى إحراق المسجد الأقصى عام 1969، والتي ورد فيها: "ﻟﻢ ﺃﻧﻢ ﻟﻴﻠﺘﻬﺎ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺗﺨﻴﻞ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺳﻴﺪﺧﻠﻮﻥ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺃﻓﻮﺍﺟًﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ حدب ﺻﻮﺏ، ﻟﻜن ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻃﻠﻊ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﻭﻟﻢ ﻳﺤﺪﺙ ﺷﻲﺀ ﺃﺩﺭﻛﺖ ﺃﻥ ﺑاﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻨﺎ ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻧﺸﺎﺀ، ﻓﻬﺬﻩ ﺃﻣﺔ ﻧﺎﺋﻤﺔ"!

هذا ما قرأته مائير من دلالة عدم هبّة الأمّة ردًّا على إحراق الأقصى في حينه. إن عدم الهبّة هو الجوهر الذي كان بحاجة إلى معركة. والتساوق مع "صفقة القرن" هو تساوق مع الهروب إلى الأمام الذي يشكل جوهر المُصطلح. وأكثر أنواع هذا التساوق بؤسًا، من طرف العرب، ذاك الذي يُحمّل الفلسطينيين وفصائلهم المقاومة مسؤولية انعدام الحل العادل للقضية الفلسطينية. وعليه فهذا التساوق هو الجوهر الذي بحاجة إلى مواجهة من طريق وسائل عديدة، أبلغها إعادة التأكيد على أن القضية الفلسطينية ليست فقط مسألة قيام دولة، بل كذلك قدرة هذه الدولة، في حال إنجاز قيامها، على أن تفتح جرح الوطن الفلسطينيّ على أفق المستقبل.


المساهمون